المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ }


adnan
04-06-2013, 09:24 PM
الأخت / الملكة نــــــــور





{ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ }

محمد إسماعيل عتوك




(http://www.ataaalkhayer.com/)

قال الله تبارك وتعالى :



{ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ و َنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا

إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }

(الصافات:103- 105) .



للنحاة والمفسرين في جواب { فَلَمَّا } قولان :

أحدهما : أنه مذكور في الكلام .

و الثاني أنه محذوف ..

فأما الذين قالوا : إنه مذكور فقد اختلفوا على قولين :

أحدهما : أن الجواب هو قوله تعالى :



{ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ }

و الواو زائدة و هذا القول نسبه العكبري و أبو حيان إلى بعض الكوفيين ،

و إليه أشار الدكتور فضل حسن عباس .



و ثانيهما : أن الجواب هو قوله تعالى :



{ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ }

و إلى هذا ذهب الفرَّاء شيخ الكوفيين ، و حجته أن العرب تدخل الواو

في جواب﴿ فَلَمَّا ﴾ ، و ﴿ حتى إذا ﴾ ، و تلقيها. و تابع الفراءَ فيما ذهب إليه

الإمامُ الطبري ، و ردد كلامه دون زيادة ، أو نقصان .

و على هذا القول جمهور الكوفيين ، و كثير من المعاصرين .

و أما الذين قالوا : إن جواب ﴿ فَلَمَّا ﴾ محذوف فحجتهم أن الواو من

حروف المعاني ، و لا يجوز أن تزاد . وعلى هذا القول جمهور البصريين ،

و من تبعهم من المتأخرين . و تقدير الكلام عندهم :



{ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ }

سعدا و أجزل لهما الثواب { وَ نَادَيْنَاهُ } ..



وقدر الزمخشري الجواب بعد قوله :



{ و َنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ }

فقال : فإن قلت : أين جواب( لما ) ؟

قلت : هو محذوف ،

تقديره : فلما أسلما و تله للجبين و ناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا

كان ما كان مما تنطق به الحال ، و لا يحيط به الوصف من استبشارهما ،

واغتباطهما ، و حمدهما لله ، و شكرهما على ما أنعم به عليهما من

دفع البلاء العظيم بعد حلوله .



و نقل الرازي عن البصريين قولهم :



[ و حذف الجواب ليس بغريب في القرآن .

والفائدة فيه أنه إذا كان محذوفًا ، كان أعظم و أفخم ]



و من الغريب أن نجد العكبري يقدر الجواب بقوله : ( نادته الملائكة )

محذوفًا ، و يرفض أن يكون الجواب : ( و ناديناه ) مذكورًا ؛

لأن القاعدة النحوية تمنع من ارتباط جواب ( لمَّا ) بالواو .

و لهذا نجدهم يلوون عنق الآية الكريمة ، و يخضعونها للقاعدة النحوية ،

و الذي ينبغي أن يكون هو العكس تمامًا .



و لست أدري كيف يستسيغ عاقل أن يقال في تأويل الآية الكريمة :

فلما أسلما و تلَّه للجبين - نادته الملائكة – و ناديناه أن يا إبراهيم !

مع أن المعنى أوضح من أن يحتاج في بيانه إلى مثل هذا التأويل .



و من المعاصرين الذين اختاروا القول بحذف الجواب

الدكتور فضل حسن عباس ، فقال في كتابه

( لطائف المنان و روائع البيان في دعوى الزيادة في القرآن ) :

قالوا : الواو زائدة ، و التقدير : فلما أسلما ، تلَّه للجبين .

و ليس الأمر كذلك ، فليس قوله تعالى : ﴿ تَلَّهُ ﴾ جواب ﴿ فَلَمَّا ﴾ ؛

بل الجواب محذوف ، و التقدير : فلما أسلما ، و تلَّه للجبين ،

وباشر إبراهيم ذبح ابنه ، ( أجزل لهما في الثواب ) .

أو ( أكرمهما بالرحمة ) . أو ( مَنَّ الله عليهما بنعمة الفداء ) ..



و أنت إذا تأملت الآية جيدًا ، وتدبرت معناها حق التدبر، تبين لك أن كل

ما قيل فيها ليس بشيء ؛ لأن المعنى المراد منها ليس على ما ذكروا ،

بل المراد هو : أن إبراهيم و ابنه - عليهما السلام - لما فوَّضا أمرهما

إلى لله تعالى ، و امتثلا لأمره سبحانه بأن رضي الأول بذبح ابنه ،

و رضي الثاني بأن يذبح ، و صرعه والده على جبينه ، أو كبَّه على وجهه ،

وهمَّ بذبحه ، تصديقًا للرؤيا ، ناداه ربه عز و جل بقوله :



{ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا }



فتوقف إبراهيم - عليه السلام - عن الذبح ، والتفت وراءه ،

فإذا بذبح عظيم أرسله الله تعالى فداء لإسماعيل عليه السلام .

وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى :



{ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ }

(الصافات:107) .



و هذا ما جاء في التفسير ، فقد جاء فيه :

لما أضجعه للذبح ، نوديَ من الجبل : أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا

وعليه يكون قوله تعالى : ﴿ و َنَادَيْنَاهُ ﴾جوابًا لقوله :



{ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ }

و تكون الواو رابطة لجواب ﴿ فَلَمَّا ﴾بشرطها . و إنما جيء بها – هنا –

دون غيرها من أدوات الربط ؛ لما فيها من معنى الجمع ، الذي لا يفارقها ،

فدلت على أن الجواب قد وقع مع وقوع الشرط في وقت واحد .

و لولا وجود هذه الواو في الكلام ، لتمَّ ذبح إبراهيم - عليه السلام - لابنه

بعد أن صرعه على جبينه ، و لم ينفعه النداء شيئًا .



و هكذا يتبين لنا أن الله تعالى ، لما أراد أن يوقف هذا الذبح ،

ويمنع وقوعه ، قرن نداءه لإبراهيم - عليه السلام - بهذه الواو ،

التي قال البعض فيها : إنها زائدة ، و قال البعض الآخر : إنها عاطفة ،

و الجواب محذوف ، و عدوا حذفه من بلاغة القرآن و إعجازه ،

و لم يدروا أن سرَّ الإعجاز في إدخال هذه الواو على جواب ﴿ فَلَمَّا ﴾ ..

و من يعرف جوهر الكلام ، و يدرك أسرار البيان ، يتبين له أن ما قلناه

في هذه الواو هو الحق . و الله تعالى أعلم بأسرار بيانه ،
و له الحمد و المنَّة ، وسلام على إبراهيم !!!