المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبتى الجمعة 173 بعنوان : الرحمة و الرفق


adnan
04-06-2013, 09:58 PM
الحمد لله بارِئ البريّات و عالم الخفِيَّات ، المطَّلِع على الضّمائر و النيات ،

أحمده سبحانه و أشكره وسِع كلَّ شيء رحمة و علمًا ،

و قهر كلَّ مخلوق عِزةً و حُكما ،



{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا }



[ 110 طه ]،



و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له

شهادةً خالصة مخلَصة أرجو بها الفوزَ بالجنات ،

و أشهد أنَّ سيِّدنا و نبيَّنا محمَّدًا عبد الله و رسوله

المؤيَّد بالمعجزات و البراهين الواضحات ، صلّى الله و سلَّم و بارك عليه ،

و على آلِه السادات و أصحابه ذوي الفَضل و المكرُمات ،

و التابعين و من تبعهم بإحسانٍ ما دامت الأرض و السّموات ،

و سلَّم تسليماً كثيراً .





فأوصيكم أيها الناس



ونفسي بتقوى الله عز وجل،

فاتقوا الله رحمكم الله، وتوبوا إلى ربِّكم واستغفروه؛

فالاستغفار ملجَأ التوّابين ومفزع الخطّائين،



{ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ }



[النور: 22]،



ألا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ؟!

احذَروا الذنوبَ، واحذروا مع الذنوبِ الإصرارَ كما تحذرون معَها الاستصغار،

واحذروا المجاهرةَ؛ فويل لمن يغتبطُ بارتكابِ الذنب، ثم ويلٌ لمن يجِد الحلاوةَ بالظفرِ به،

وويلٌ ثم ويل لمن ينفِق المالَ في تحصيلِه، ونعوذ بالله من الخُذلان،



{ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ *

وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ }



[القلم: 44، 45].



أيّها المسلِمون ،



من أبصَرَ عيوبَ نفسِه سلِم من تتبُّع مساوئ الناس، ومن ظنَّ بمسلمٍ فتنة فهو المفتون،

وإذا كان العلمُ خيرَ ميراث فإنَّ حسنَ الخلُق خيرُ قرين،

وحسنُ الخلق لا يتِمّ إحكامُه إلا بضبطِ قوّة الغضَب وقوَّة الشهوة.



معاشرَ الإخوة ،



والحديثُ عن حُسن الخلُق حَديثٌ واسِع ومَوطِئ أَنيس،

ومن العَسيرِ الإحاطةُ بهِ في كَلِمة أو حَصرُه في مَقامٍ،

غَيرَ أنَّ ثمّةَ صِفةً عظيمةً جامِعة لمكارِم الأخلاقِ ضابطةً لحسن السّلوك حاكمةً للتصرفات،

صِفةً طالما تحدَّث الناس عنها، واستحسنتها نفوسهم، وامتدحتها منتدياتهم،

ولكنّها السلوكُ الغائب والخلُق المفقود لدى كثير من الناس غيرِ قليل،

بل إنها غائبةٌ عند بعض الناس حتى في أنفسهم،

ناهيكم بمن حولهم من الأهل والأقربين.

صفةٌ كريمة وخلُق جميل، فيه سَلامةُ العِرض وراحةُ الجسَد واجتلابُ المحامد،

خلُقٌ من أشهَر ثمارِ حُسن الخلق وأشهاها،

ومن أظهر مظاهِر جميل التعاملات وأبهاها خلُقٌ



يقول فيه نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم:



( مَا كَانَ في شيءٍ إلا زَانَه ، وَ مَا نُزِعَ مِنْ شيءٍ إلا شَانَه )



رواه مسلم،



إنه الرّفقُ رحمكم الله.



فالرفق تحكُّمٌ في هوى النفس ورغباتها، وحَملٌ لها على الصبرِ والتحمُّل والتجمُّل،

وكفٌّ لها عن العنف والتعجُّل،

وكظمٌ عظيم لما قد يلقَاه من تطاوُل في قولٍ أو فعل أو تعامل.

الرفق - حفظكم الله- أخذٌ للأمور بأحسن وجوهها وأيسرِ مسالكها،

وهو رأس الحِكمة ودليل كمالِ العقل وقوّة الشخصية

والقدرةِ القادرة على ضبطِ التصرّفات والإرادات واعتدال النظر،

إنه مظهرٌ عجيبٌ من مظاهر الرشد، بل هو ثمرةٌ كبرى من ثمار التديُّن الصحيح.

الرفق لين الجانب ولطافةُ الفعل والأخذُ بالأيسر والأسهل،

فيه سلامةُ العِرض وصفاءُ الصدر وراحةُ البدن واستجلاب الفوائِد

وجميلِ العوائد ووسيلةُ التواصل والتوادّ وبلوغ المراد.

الرفق يلين سَورَة عناد المعاندين ويقهَر عريكةَ ذوي الطغيان،



و في حديث جرير بن عبد الله البجليّ رضي الله عنه قال:

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :



( إن الله عزّ و جلّ لَيعطِي على الرِّفقِ ما لا يعطي على الْخَرَق

– أي : الْحُمقِ - ،

و إذا أحبَّ الله عبدًا أعطاه الرفق ،

و ما كانَ أهلُ بيتٍ يُحرَمونَ الرفق إلا حُرِمُوا الخيرَ كلَّه ) ،



وفي حديث أم المؤمنين أمنا السيدة / عائشة رضي الله عنها و عن أبيها أنها قالت:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم :



( إنَّ الله رفيقٌ يحبُّ الرِّفق ،

و يعطِي على الرفقِ ما لا يُعطي على العُنف و ما لا يعطي على سواه )



رواه مسلم،



و عنها رضي الله عنها قالت :

قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم :



( يا عائشة، ارفقِي ؛

فإن الله إذا أرادَ بأهلِ بيتٍ خيرًا دَلَّهُم على باب الرِّفق ) .



معاشرَ الإخوة ،



الرفقُ هو منهجُ نبيِّنا وحبيبنا وسيِّدنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم،

منحه ذلك ربُّه، وامتنَّ به عليه:



{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ

لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ

فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ }



[آل عمران: 159]،



{ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }



[الشعراء: 215].



فرسولُ الله صلى الله عليه و سلم هو المثلُ الأعلى والأسوةُ الأولى

في أفعالِه وأقوالِه ومعاملاتِه رِقّةً وحُبًّا وعطفا ورِفقًا،



يقول أنس رضي الله عنه :



[ خدمتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه و سلم عشر سنين ،

والله ما قال لي أُفًّا قطّ ، و لا قالَ لشيءٍ : لِمَ فعلتَ كَذَا ؟

و هلا فعلتَ كذا ؟ ]



متفق عليه.



و عنه رضي الله عنه أنه قال :



[ كنتُ أمشِي معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه و سلم ، و عليه بُرْدٌ غليظُ الحاشية ،

فأدركه أعرابيّ فجذبَهُ جذبةً شديدة حتى نظرتُ إلى صَفحةِ عاتِقِ

رسولِ اللهِ عليه الصلاة و السلام و قد أثَّرتْ بها حاشيةُ البردِ من شدّة جذْبتِه ،

ثم قال : يا محمد ، مُرْ لي من مالِ اللهِ الذي عندَك ،

فالتفت رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم و ضحِكَ ، و أمرَ له بعطاء ] .



أخرجه البخاري .



أيّها المسلمون ،



الرفقُ سلوكٌ كريم في القول والعملِ وتوسّطٌ في المواقف، واعتدالٌ وتوافق،

واختيارٌ للأسهل والألطف. ليس للرفقِ حدودٌ تقيِّده ولا مجالٌ يحصُره،

بل هو مطلوبٌ في كلِّ الشؤون والأحوال وفي الحياة كلِّها وفي شأنِ المسلم كلِّه.

يأتي في مقدّمة ذلك المطلوباتُ الشرعية؛

فربّنا -عزَّ شأنه- رفيق بخلقِه رؤوف بعباده كريم في عفوه رفيقٌ في أمره ونهيه،

لا يأخذ عبادَه بالتكاليف الشاقّة،



{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }



[التغابن: 16]،



{ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا }



[البقرة: 286]،



{ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا }



[الطلاق: 7]،



{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }



[البقرة: 185]،



{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }



[الحج: 78].



وتأتي الصلاةُ وهي عمود الإسلام وأمّ التكاليف خفَّف فيها

نبيُّنا محمّد صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم

من أجلِ بكاءِ الصبيّ خشيةَ أن تفتتنَ أمّه.



متفق عليه.



وقال عليه الصلاة والسلام:



( إذَا صلَّى أحدُكُم بالناسِ فلْيخفِّفْ ؛

فإنَّ فيهم الضعيفَ و السقيمَ و الكبيرَ و ذا الحاجة )



رواه مسلم.



و قال عليه أفضل الصلاة و السلام :



( ليسَ من البرِّ الصيامُ في السّفر )،



و في عبادَاتِكُم كلِّها :



( سدِّدُوا و قارِبُوا ، و خذُوا من الأعمالِ ما تطِيقُون ؛

فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا ) .



ومن أعظم صوَر الرفق :

الرفقُ بالأهل والأسرةِ من الآباءِ والأمهاتِ والأطفالِ والزّوجات.



يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :



" شِدّة الوطأة على النساء مذموم ؛

لأنَّ النبي صلى الله عليه و سلم أخذَ بسيرةِ الأنصار في نسائِهم

و تركَ سيرةَ قومه ".



أيّها الأبناء ،



ارفُقوا بآبائكم و أمهاتكم ، أحسِنوا الصحبة ، و لينوا في المعاملة ،



قال تعالى



{ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ

وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }



[الإسراء: 24].



أيّها الآباء ، أيّها الأمّهات ،



ارفقوا بأبنائكم و بناتِكم ؛

فربكم يعطِي على الرفقِ ما لا يعطِي على العنفِ ،

و إذا أراد الله بأهلِ بيتٍ خيرًا أدخل عليهم الرفق .



ترفَّقوا بالخدمِ و العمّال ، و لا تكلِّفوهم ما لا يطيقون ،

و أحسِنوا مخاطبتَهم ، و أعطوهم أجرَهم طيِّبةً بها نفوسُكم

في مواعيدها و إذا طلبوها ، و اطعموهم مما تطعمون .



جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم

فقال : يا رسول الله ! كم أعفو عن الخادم ؟

فصمت عنه رسول الله عليه الصلاة و السلام ،

ثم قال : يا رسول الله ! كم أعفو عن الخادم ؟



فقال صلى الله عليه و سلم :



( كل يوم سبعين مرة )



أيّها المعلِّمون ، أيّها الدّعاة ، أيّها المسؤولون ،



ارفقوا وترفَّقوا؛ فالرفقُ والإحسان أسرعُ قبولا وأعظمُ أثرًا،

فهذا هو المعلِّم الأول وسيِّد الدعاة سيّدُنا محمّد صلى الله عليه و سلم

حين بال الأعرابيّ في المسجد وتناوله الناس،



فقال لهم الرسول الرفيق عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام :



( لا تُزْرِمُوه ، دَعُوه ،

و أَهْرِيقُوا على بَولِه سَجْلا من ماء أو ذَنوبًا من ماء ؛

فإنما بُعِثتم ميسِّرِين ، و لم تبعثوا مُعسِّرِين )



أخرجه البخاري.



وعطس رجلٌ في الصلاة، فقال له الحكم بن معاوية السلمي: رحمك الله،

قال: فرَمَانِي القومُ بأبصارِهم، فقلت: وا ثكلَ أمّاه، ما شأنُكم تنظرونَ إليَّ؟!

فجعلُوا يضرِبُون بأيديهِم على أفخاذِهِم، فلمَّا رأيتُهُم يُصَمِّتونَنِي، سكتّ،

فلمّا صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه و سلم

فَبأبي هو وأمي ما رأيتُ معلِّمًا قبلَهُ ولا بعدَهُ أحْسن تعليمًا منه،

فواللهِ ما نَهرَنِي ولا ضربني ولا شتمني،



و لكنه قال :



( إنَّ هذه الصلاةَ لا يصلحُ فيها شيءٌ من كلامِ الناس ،

إنما هو التّسبيحُ والتكبيرُ و قراءةُ القرآن )



أخرجه مسلم .



و في عموم الولايات و المسؤوليات



يقول عليه الصلاة و السلام :



( اللّهمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أمرِ أمتي شيئًا فَرَفَقَ بهم فارْفق به ،

و مَنْ وَلِيَ من أمرِ أمّتي شيئًا فشقَّ عليهِم فاشقُقْ عليه )



رواه مسلم.



يكون المسلم -عبادَ الله- على قدر عالٍ من الأخلاق الحسنة والتعامل الرفيق

والمسلَك الراقي حين يكون متسامحًا،

وحين يتجنَّب المشاحة وغلظ المشاكسة،

يمهِل المعسِر ويتجاوَز عن المسيء،



( رحِمَ الله رجُلا سمحًا إذا باعَ ، و إذا اشترى ،

و إذا قضَى ، و إذا اقْتضَى )



رواه البخاري.





( إن خياركم أحاسنكم أخلاقا ) .



كيف وقد بلغ التوجيهُ إلى الرفق في دينِنا

حتى نال الحيوانُ الأعجَمُ البهيم حظَّه من الرفق،



ففي الحديث :



( اتَّقوا الله في هذِه البهَائمِ الْمُعجَمة ؛

فَارْكبوها صالحة ، و كلُوها صَالحة )



رواه أبو داود .



ألم تعلموا يرحمكم الله



أن النارَ وسوء العاقبة كانت لامرأةٍ حبست هرّة حتى ماتت،

لا هي أطعمتها، ولا هي سقتها، ولا هي تركتها تأكل من خَشاش الأرض،

وجنّة عَدن كوفئت بها بغِيٍّ سقَت كلبًا كان يأكل الثرى من العطش.



هل علمتم يحفظكم الله



أن التحريش بين البهائم منهيٌّ عنه في ديننا؛ لأنه إيذاء وقَسوة وعبَث وعُنف،

بل حتى عند قتله أو ذبحه أنتم مأمورون بأن :



( إذا قَتلتمْ فأحْسِنوا القِتلَة ، و إذا ذبحتمْ فأحسنُوا الذِّبحة ،

و لْيحدَّ أحدُكمْ شفْرتَه ، و لْيرِحْ ذبيحتَه ) .



و بعد : عبادَ الله ،



فما أحسنَ الإيمان يزينُه العلم! وما أحسَن العلم يزينه العمَل!

وما أحسن العمَل يزينه الرفق! وما أضيفَ شيء إلى شيء مثل حِلم إلى عِلم،

ومن حَلُم ساد، ومن تفهَّم وتأنَّ ازداد، ومن زرَع شجرةَ الرفق حصَد ثمرة السلامة.



وفي الحديث الشريف يقول عليه الصلاة و السلام :



( ألا أخبركُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ على النارِ و مَنْ تحرمُ عليه النار ؟

على كلِّ قريبٍ هيِّنٍ سَهْل )



حديث حسن أخرجه الترمذي وقال : "غريب".



و الصبرُ عبادَ الله



بالتصبر، والحلم بالتحلُّم، والعلم بالتعلُّم، والرفق بالترفّق،

وحُسن الخلق كلّه بالتخلّق، ومن يَتوخَّ الخير يُعطَه، ومن يتوقَّ الشر يوقَه،

وأوّل المودّة طلاقةُ الوجه،

والثانيةُ الرفقُ والتودّد،

والثالثة قضاء حوائج الناس.



أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ،



{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ *

وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *

إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ

تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ }



[الأعراف: 199-201].



بارك الله لي و لكم و نفعني الله و إياكم بالقرآن العظيم ،

و بهدي محمد صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم .

و أقول قولي هذا ،

و أستغفر الله لي و لكم و لسائرِ المسلمين من كلّ ذنب و خطيئة ،

فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .



الخطبه الثانيه 4.jpg



الحمد لله هادِي مَن استهداه و مجيبِ من دَعاه ،

أحمده سبحانه و أشكره على جزيلِ ما أفضل و كريم ما أعطاه ،

و أشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له ،

لا إلهَ غيره و لا ربَّ لنا سواه ،

و أشهد أن سيّدنا و نبيّنا محمّدا عبد الله و رسوله و مصطفاه و مجتباه ،

صلى الله و سلم و بارك عليه ،

و على آله و أصحابه ممن هاجر معه و نصرَه و آزره و آواه ،

و التابعين و من تبعهم بإحسان و اقتفى أثرَه و اتبَع هداه ،

و سلَّم تسليمًا كثيرًا دائمًا أبدًا لا حدَّ لمنتهاه .



أما بعد 1.jpg



أيّها المسلمون ،



الفَظُّ الغليظُ العَنيف يشقُّ على الناسِ صحبتُه وتثقُل على ذوِي المروءات معاشرته،

ينفِر منه الآخرون ولو كثُرت فضائلُه ورُجِيت فواضله،

بل لعلّهم لا يبالون ما يفوتهم من منافعه؛ ذلكم أن



( مَنْ حُرِم الرفق فَهُو المحرُوم )



كما صحَّ في الحديث.



ناهيكم بقاصرِ المعرفةِ ومحدودِ الإدراكِ الذي يظنّ الرفقَ ذِلّة

والرحمة ضعفًا والأناة كسَلا والمداراة نفاقًا واللطفَ غَفلة،

بل ربما ظنَّ الفظاظة رجولة وحزمًا والتشدّد تمسّكًا والتزامًا،

وهل هذا إلا انقلاب في المفاهيم وغِلظ في الفهم وغَلط في الإدراك؟!



وقد قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه

و قد سمع من رجل كلاما قاسيًا :



[ يا هذا ، لا تغرقْ في سبِّنا ، و دَعْ للصلح موضعا ؛

فإنَّا لا نكافِئ من عصَى الله فينا بأكثرَ من أنْ نطيعَ الله فيه ]



و شتم رجل الشعبي رحمه الله ، فقال الشعبيّ :



[ إنْ كنتُ كما قلتَ فغَفَرَ الله لي ، و إِنْ لم أكنْ كما قلتَ فغفرَ الله لك ] .



نعم حفظكم الله ،



الرفق يحمِل على الاحتمالِ وكَظم الغيظِ وكفِّ الأذى، والأناة وعدَم الطّيش،

كم فات من سبُل النجاح والفلاح على أهل العنف والطيش والعجلة!



يقول عمر بن عبد العزيز يرحمه الله :



[ إنَّ مِنْ أحبِّ الأعمالِ إلى الله العفوَ عند المقدرة ،

و تسكينَ الغضبِ عند الحدَّةِ ، و الرفقَ بعبادِ الله ،

و ما رفقَ عبدٌ بعبدٍ في الدنيا إلا رفقَ الله به يومَ القيامة ] .



ألا فاتقوا الله رحمكم الله ،



و اعلموا أنّ الرفق لا يُنَافي الحَزم ، فيكون المرء رفيقًا في أموره متأنّيا ،

لا يُفَوِّت الفرصَ إذا سنحت ، و لا يهملها إذا عرَضت ،

و المحمودُ وسَط بين العُنف و اللين ،

و لكن لما كانت الطباعُ إلى العنف و الحدّة أميل كانت الحاجَة

إلى ترغيبهم في جانِب الرفقِ أكثر ،

و شرفُ النفس أن تحمِل المكاره كما تحمل المكارم ،

و في الإعراضِ صَونُ الأعراض ،

و الكريمُ يلين إذا استُعطِف ، و اللئيم يقسو إذا أُلطِف .



أسأل الله تعالى لي و لكم الهدى و التّقَى و العفافَ و الغنى .

هذا و أعلموا عباد الله أن الله قد أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه و ثنى بملائكته ثم أمركم به ،

فصلّوا و سلّموا على من أمركم الله بالصلاة عليه في محكَم التنزيل



فقال جلّ مِن قائل سبحانه :



{ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا }



[الأحزاب:56].



اللّهمّ صلِّ و سلِّم وبارِك على عبدِك و رسولك

نبيِّنا سيدنا محمّد الحبيب المُصطفى و النبيّ المُجتبى ،

و على آله الطيبين الطاهرين ، و على أزواجِه أمّهات المؤمنين ،

و ارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين : أبي بكر و عمر و عثمان و عليٍّ ،

وعن الصحابة أجمعين ، و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يومِ الدين ،

و عنَّا معهم بعفوِك و جُودك و إحسانك يا أكرم الأكرمين .



و قال عليه الصلاة و السلام فيما أخرجه مسلم في صحيحه :



( مَن صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا ) .



فاجز اللّهمّ عنّا نبيّنا محمّدًا صلى الله عليه و سلم خيرَ الجزاء و أوفاه ،

و أكمله و أثناه ، و أتمَّه و أبهاه ، و صلِّ عليه صلاةً تكون له رِضاءً ،

و لحقِّه أداءً ، و لفضلِه كِفاء ، و لعظمته لِقاء ، و تلقى منك سبحانك قبول و رضاء ،

يا خيرَ مسؤول و أكرمَ مأمول يا رب الأرض و السماء .

اللّهمّ إنّا نسألك حبَّك ، و حبَّ رسولك محمّد صلى الله عليه و سلم ،

و حبَّ العملِ الذي يقرّبنا إلى حبّك .

اللهم اجعل حبَّك و حبَّ رسولك صلى الله عليه و سلم أحبَّ إلينا

من أنفسنا و والدينا و الناس أجمعين .

اللّهمّ أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذلَّ الشركَ و المشركين ،

و أحمِ حوزةَ الدّين ، و أدِم علينا الأمن و الأمان و أحفظ لنا ولاة أمورنا ،

و رد كيد كل من أراد فتنة فى بلادنا فى نحره أو فى أى من بلاد المسلمين

اللهم أمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،

و أنصر عبادَك المؤمنين فى كل بقاع الأرض و أحفظهم

اللهم أحقن دماء المسلمين فى كل مكان و أحفظهم بحفظك

الله أرحم موتاهم و أشف مرضاهم و اجمع شملهم و شتاتهم .

اللهم كن لأخواننا المتضررين فى سوريا

اللهم ارفع عنهم البلاء ، و اكشف الشقاء ،

اللهم كن لهم عوناً و معيناً ، و مؤيداً و ناصراً و حارساً و أميناً .

اللهم أنصر عبادَك المؤمنين فى كل بقاع الأرض و أحفظهم

اللهم و اشف مرضاهم و أرحم موتاهم و أجمع شملهم و وحد كلمتهم

و أحفظ أخواننا فى برد الشام و فى فلسطين و مينمار و أفغانستان و جميع المسلمين

اللهم و اشف مرضاهم و أرحم موتاهم و أجمع شملهم و داوى جرحاهم

و تقبل شهداءهم و أحفظ دينعم و أموالهم و أعراضهم

اللهم أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين

اللهم أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين

اللهم أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين

اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب بفضلك و كرمك يا كريم يا تواب

ثم الدعاء بما ترغبون و ترجون من فضل الله العلى العظيم الكريم

أنتهت