المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا استخدم الله تعالى لفظ ( خَرَّ )


adnan
04-23-2013, 09:16 PM
الأخت / الملكة نــــــــور




لماذا استخدم الله تعالى لفظ } خَرَّ{
محمد إسماعيل عتوك

وردت بعض الأسئلة حول الإعجاز البلاغي في القرآن
إلى فضيلة الأستاذ محمد عتوك
المتخصص في الإعجاز البلاغي والبياني في القرآن
الذي قام بالإجابة عليها مشكوراَ .

سؤالان يتعلقان بالإعجاز البياني للقرآن الكريم :

السؤال الأول :

قال الله تعالى في سورة ص :

} وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ {

لماذا استخدم الله تعالى لفظ { خَرَّ } ؟

فإني - كما أعلم - أن الإنسان يخر ساجدًا .
أي: بمعنى السقوط على الأرض بسرعة .

السؤال الثاني :

هل هناك فرق في الآيات التي تتكلم عن القتال بلفظ : الكفار ؟.
أي : الذين هم يحاربونكم و يعادوكم ،
و إذا تكلمت عن الإحسان و العدل إليهم ؛
لكي يعرفوا أخلاق المسلمين تستخدم لفظ : الكافرون ؟
خلاصة السؤال هو :
هل في استخدام كلمة { الكفّار } تشديد ،
و { الكافرون } ، أو { الكافرين } تخفيف ،
أم لا فرق بينهما ؟
جزاكم الله خيرًا .

جواب السؤال الأول :

أولاً- الخرور هو سقوط وهويُّ إلى الأرض .
يقال: خرَّ خُرورًا . أي: سقط وهوى ؛
و ذلك يكون من أعلى إلى أسفل .

قال تعالى :

} فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ {

(النحل: 26)

و يقال : خرَّ ، لمن ركع ، أو سجد ،

و الشاهد قول كُثَيِّر عَزَّةَ :

رهبان مدين ، و الذين عهـدتهم يبكون من أثر السجود قعودا
لو يسمعون ؛ كما سمعت كلامها خرُّوا لعزة ركعًا وسجـــــودا

ومن الأول
قوله تعالى :

} وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ {

(ص: 24)

و من الثاني
قوله تعالى :

} إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً {

(مريم: 58)

أما الركوع فهو الانحناء دون الوصول إلى الأرض .
يقال : ركع الرجل ، إذا انحنى . وكلُّ منحنٍ راكع .

قال لبيد :

أليس ورائي، إن تراخت منيتي لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
أخبر أخبار القرون التي مضت أدب ؛ كأني كلما قمـــت راكــــــــع

و أما السجود فهو تطامُنٌ و ذلٌّ وصولاً إلى الأرض .
يقال : سجد الرجل ، إذا تطامن و ذل .

ثانيًا – قالوا :
و قد يعبر عن السجود بالركوع ، و حمل جمهور المفسرين على ذلك :

قوله تعالى :

} وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ {

(ص: 24)
أي: خر ساجدًا .
و إلى هذا أشار أحد الشعراء بقوله :

فخر على وجهه راكعًــــــــا وتـــــــــاب إلى الله من كل ذنـــــب

و قال ابن العربي :

[ لا خلاف في أن الركوع هاهنا : السجود ؛ لأنه أخوه ؛
إذ كل ركوع سجود ، وكل سجود ركوع ؛
فإن السجود هو المَيْلُ ، و الركوع هو الانحناءُ ،
وأحدهما يدل على الآخر ؛
و لكنه قد يختص كل واحد منهما بهيْئَة ،
ثم جاء على تسمية أحدهما بالآخر ، فسُمِّيَ السجودُ ركوعًا ]

و الحقيقة ليس كما قال ابن العربي ؛
فالخلاف موجود ،
بدليل أنهم اختلفوا في المراد من ركوع داود - عليه السلام –
فذهب الجمهور إلى أن المراد به السجود .
قال مجاهد :

[ مكث أربعين يومًا ساجدًا لا يرفع رأسه ،
حتى نبت المرعى من دموع عينه ، فغطى رأسه إلى أن
قال الله تعالى :

} فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَ حُسْنَ مَآَبٍ { ]


و ذهب بعضهم إلى أن الركوع هنا على ظاهره ، بمعنى الانحناء .
و حاول بعضهم أن يجمع بين القولين بأن يكون ركع أولاً ،
ثم سجد بعد ذلك .
أو أن الله سبحانه ذكر أول فعله و هو خروره راكعًا ، و إن كان
الغرض منه الانتهاء به إلى السجود .
و قيل : بل معنى { رَاكِعًا } : مصليًّا ،
على اعتبار أن الركوع يراد به الصلاة .

adnan
04-23-2013, 09:16 PM
ثالثًا – و الصواب في ذلك - والله أعلم –
أن الركوع هنا على ظاهره ، و هو الانحناء خضوعًا ،
ومثله قوله تعالى :

} وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَ هُمْ رَاكِعُونَ {

أي : و هم منحنون خضوعًا لله تعالى ؛
إذ لا يعقل أن يؤتوا الزكاة و هم ساجدون .

و إذا كان ثبت بالسنة المطهرة ، و إجماع المسلمين أن داود - عليه السلام
قد سجد لله عز و جل ،
فإن سجوده هذا كان بعد انحنائه خضوعًا ،
وإلى هذا ذهب الحسن بن الفضل ،
فقال : خر من ركوعه. أي : سجد بعد أن كان راكعًا
و أما ما استدل به بعضهم على أن المراد به السجود بأن الخرور
هو السقوط و الهوي إلى الأرض ،
فقد ذكرنا فيما تقدم أن الخرور يقال للركوع و للسجود ،
والله تعالى أعلم .

جواب السؤال الثاني :

أما جواب السؤال الثاني فلفظ { الْكَافِرُونَ }
جمع : { كافر } ، على وزن:{ فاعل } .
و لفظ { الكُفَّارِ } جمع : { كَفَّار } بفتح الكاف ،
و كلاهما من قولهم :
كفر يكفر، فهو كافر، وكَفَّار.
والكفر في اللغة هو السَّتْرُ و التغطية .
و وُصِفَ الليل بالكافر ؛ لأنه يغطي كل شيء .
و وُصِفَ الزارع بالكافر ؛ لأنه يغطي البذر في الأرض .
و كُفْرُ النعمة و كُفْرانُها : تغطيتها بترك أداء شكرها .
قال أحدهم :

« لو جاز أن تعبد الشمس في دين الله ، لكنت أعبدها ؛
فإنها شمس ما ألقت يدًا في كافر، و لا وضعت يدًا إلا في شاكر » .
فالكفر يضادُّه الشكر ، و في اصطلاح الشرع يضادُّه الإيمان ،
و هو مصدر سماعي لكَفَر يكفُر.
و أصله : جَحْدُ نعمةَ المُنْعِم ،
و اشتقاقه من مادة الكَفْر ، بفتح الكاف ، وهو السَّتْرُ والتَّغطِيةُ ؛
لأن جاحد النعمة قد أخفى الاعتراف بها ؛
كما أن شاكرها أعلنها ؛
و لذلك صيغ له مصدر على وزن الشُّكر،
و قالوا أيضًا : كُفْرانٌ ، على وزن شُكْران .
ثم أطلق الكفر في القرآن الكريم على جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة ،
بناء على أنه أشد صور كفر النعمة ؛ و ذلك أعظم الكفر .

و استعمال الكفران في جحود النعمة أكثر من استعمال الكفر .
و منه قول الله تعالى :

} فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ {

(الأنبياء: 94)

و استعمال الكفر في الدين أكثر من استعمال الكفران .
و منه قول الله تعالى :

} وَ مَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً {

( النساء: 136)

و قوله سبحانه وتعالى:

} وَ مَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ {

(المائدة: 44)

وأما الكُفُور فيستعمل فيهما جميعًا ؛

كما في قول الله تعالى :

} فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُوراً {

(الإسراء: 99)

ثانيًا - جاء الأمر في سورة ( الكافرون )
من الله عز و جل لمحمد صلى الله عليه بندائهم بوصف الكافرين :

} قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {

لأنه لا يوجد لفظ أبشع ولا أشنع من هذا اللفظ ؛
لأنه صفة ذمٍّ عند جميع الخلق ؛
كما لا يوجد لفظ أبلغ في الكشف عن حقيقة هؤلاء ،
وأشدُّ وقعًا عليهم ، و إيلامًا لهم من لفظ الكافرين ،
فهو ثمرة للجهل ، وصفة ذَمٍّ ثابتة ؛
ولكونه كذلك لم يقع الخطاب به في القرآن الكريم في غير موضعين، هذا أحدهما.

والثاني قوله تعالى :

} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ {

(التحريم: 7)

و الفرق بينهما : أن } الَّذِينَ كَفَرُوا {
يحتمل أن يكونوا قد آمنوا ثم كفروا .

و أما } الْكَافِرُونَ {
فيدل على أن الكفر صفة ملازمة لهم ثابتة فيهم ؛
سواء كانوا أصحاب عقيدة يؤمنون بأنها الحق ،
أو كانوا من المشركين عبدة الأوثان و الأصنام .

و أما لفظ { الكُفَّار }
فالتشديد فيه للمبالغة في الوصف ،
و يطلق في اصطلاح القرآن أكثر ما يطلق على المشركين ،
عبدة الأوثان و الأصنام ،
و قد يطلق و يراد به عموم الكافرين ؛
كما في قوله تعالى :

} مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ {

(الفتح: 29)

و قال تعالى :

} وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ {

(البقرة: 276)

فأتى بصيغة المبالغة في الكافر و الآثم ،
وإن كان تعالى لا يحب الكافر ،
تنبيهًا على عظم أمر الربا ومخالفة الله عز و جل .

و قال تعالى :

} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَ لَعِباً
مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء
وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {

(المائدة: 57 )

، ففرق بين الكفار ، و أهل الكتاب وهم كفار .
و قال تعالى :

} يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ {

(التوبة: 73 )
ففرق بين الكفار و المنافقين ،
و المنافقون كفار بلا ريب .

و بهذا الذي ذكرناه يظهر الفرق في استعمال القرآن الكريم
للفظ { الكافرين } ،
و لفظ { الذين كفروا } ،
و لفظ { الكفار } ،
و الله تعالى أعلم ،
و الحمد لله رب العالمين .