المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من قصص الأنبياء نتعلم التنمية البشرية و تطوير الذات ( 03 - 03 )


adnan
05-05-2013, 10:19 PM
الأخت / غـــرام الغـــرام
حصرياً لبيتكم و للمجموعات الشقيقة و الصديقة
من قصص الأنبياء
نتعلم التنمية البشرية و تطوير الذات


سيدنا سليمان عليه السلام و الهدهد و علم الإدارة
( 3- 3 )

الدرس الخامس : إصطياد عصفورين بحجر واحد

لم يكد سيدنا سليمان عليه السلام يسمع من الهدهد حججه التي لم يسقها فقط
كي ينقذ نفسه من عقاب سليمان عليه السلام الذي توعَّده به،
وإنما ليوصل له معنى معيناً أراد توصيله له،
وهذا المعنى هو أن هناك قومًا ليسوا على رسالته ولا يؤمنون بما يؤمن به،
وعليه أن يأخذ بأيديهم ليصبحوا على نفس رسالته.

لم يكد سليمان عليه السلام يسمع ذلك حتى بدأ في العمل دون إضاعة للوقت؛
حيث انصبَّ تفكيره على أمرين:

الأول: التأكد مما ساقه الهدهد من معلومات، وهل هي فعلاً بمثابة
حقائق غير قابلة للجدل أو النقاش أو الاختلاف!

الثاني: البدء فوراً في رسم خطة عمل على أساس علمي ومدروس؛
ليسوق لهؤلاء القوم فكرته وليبيع لهم بضاعته وليأخذ بأيديهم
في نهاية المطاف إلى الدخول معه في دين الله الذي يؤمن به ويعمل له
ويعيش من أجله.

والعجيب أن القائد الفذ سليمان عليه السلام اهتدى لوسيلة تخدم
في الغرضين معاً، وهي أن يرسل الهدهد نفسه برسالة يحملها إلى ملكتهم
ويرقب من بعيد ماذا يفعلون ويرجعون..

{ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (27)
اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) }
[ النمل ]

فكأنه عليه السلام إنما أراد أن يتيقن من صدق الهدهد أو كذبه،
من خلال هذا الكتاب "الرسالة" وفي نفس الوقت يتعرف على ردود أفعالهم
تجاهها وطريقة تفكيرهم وأسلوبهم،
ويمهد في نفس الوقت لعملية التغيير التي بدأ التخطيط لها،
وذلك بإحداثه نوعاً من لفت الانتباه الشديد لهم إلى شيء آخر يجهلونه أقوى
منهم، وأقدر عليهم، فهو يصل إلى ما لا يمكن أن يصل إليه أحد بسهولة،
وهو مخدع الملكة نفسها.

ويخلق لديهم اضطرابًا وخلخلةً تعتبر بمثابة تمهيد مهمّ للغاية
في إذابة الجمود الشديد الذي سيطر عليهم فيما يتعلق بأمر عقيدتهم الفاسدة
المسيطرة عليهم كما سبق وأوضح الهدهد في تقريره.

الدرس السادس: رسالة نموذج

وبالفعل حمل الهدهد الرسالة، وأدى مهمته على خير وجه وبإتقان شديد،
دون أن يلحظه أحد، أو يعترض طريقه، فما تلك الرسالة إذن،
وما هو محتواها؟ وما هو تأثيرها؟
قال تعالى على لسان بلقيس ملكتهم:

{ قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29)
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)
أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) }
[ النمل ]

وكما توقفنا سابقًا أمام أعظم تقرير صاغه الهدهد، فإننا أحرى بنا
أن نقف الآن أمام أعظم نموذج لرسالة صاغها سليمان عليه السلام
كما أوردها القرآن الكريم على لسانه،
فالرسائل لها أصول في كتابتها وأجزاء يجب أن تراعيها،
وترتيب لهذه الأجزاء، وهدف يمثل صلب الموضوع يجب أن توصله،
وكل ذلك يجب أن يتحقق مع غاية الإيجاز الذي لا يخلُّ بالمعنى المراد..

{ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ }
هكذا كان افتتاح الرسالة أو أعلاها، وهو هنا يحدِّد أمرًا استقر عليه
المختصون في أمر الكتابة الإدارية فيما يتعلق بالمراسلات والمكاتبات،
وهو ضرورة أن يكون هناك جزءٌ أعلى يحدد فيه:

- ممن الرسالة.
- ولمن.
- والموضوع.

ثم يذكر المطلوب الأساس بعد ذلك، وهو ما تضمنته هذا الإيجاز.

- فالرسالة من سليمان، بصرف النظر عن مدى علمهم من هو سليمان
هذا أو عدم علمهم، وما هي يا تُرى قوَّته؟ وماذا يكون عليه ملكه؟

- أما لمن؟ فإنه ليس بالضرورة يجب كتابته؛ حيث ثم إلقاء الكتاب في يد
من يراد له قراءته مباشرةً تقريبًا، ومن ثم ليس في الأمر غموض
أو لبْس لمن توجه إليه، إنما التركيز هو ممن أتت.

- طبيعة الموضوع بإيجاز:

{ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }
هذا ما يمثِّل تقدمة عن طبيعة الموضوع الذي تحمله الرسالة،
ولعل هذه الجملة - رغم إيجازها- تحقق الكثير من الأغراض، وهي:

أولاً: توضح طبيعة الموضوع الذي تتناوله الرسالة.
ثانياً: تمثل خطوةً أولى في خلخلة الوضع النفسي لهم.
ثالثاً: تمثل وضعًا مثيرًا أو يدعو إلى التفكير والبحث والدراسة
عمَّن هو هذا الذي يتحدث سليمان باسمه؟
والذي قال عنه:
"الله، الرحمن، الرحيم"، فمن هو؟ وما قوته؟ وأين هو مما نعبد نحن؟
وأيهما حق؟ وأيهما باطل؟ وأيهما أقوى؟.. إلخ من ذلك الأسئلة.

صلب الموضوع

{ أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) }
[ النمل ]
.. هذا هو نهاية الرسالة وكل ما يتعلق بها تم إيجازه بهذا الشكل المركز جدًّا
دون إحالة أو إضاعة للوقت في القيل والقال، والمقدمات.

الأول: النهي

{ أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ }
أي عليهم أن يلزموا حدودهم ولا يتعدوا قدرهم، ويعودوا إلى صوابهم
ويلزموا عقلهم ورشدهم، ويُنزلوا الآخرين "سليمان عليه السلام" قدره،
ويعطونه مكانته التي تعلوهم، ويعرفوا قوته التي لا طاقة لهم بها
والتي يستمدها أصلاً من قوة الله الرحمن الرحيم.

الثاني: الأمر

{ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }
فبناءً على ما سبق ليس لكم إلا أن تأتوا إليَّ مذعنين، مسلمين،
دون قيد أو شرط، أو تأخير، وكما هو واضح فإن الرسالة-
رغم شدة إيجازها- تضمنت من الحزم والحسم في كلماتها القليلة
ما يجعلها تحقق الهدف الذي صيغت من أجله، وهو ذلك المتعلق
بالتأثير في نفسية الملكة ومن معها.

وهذا ظهر بشكل واضح وجلي في الحوار الذي دار بعد ذلك بين الملكة
وقومها كما أوضحه القرآن في سياق القصة كما جاء في سورة النمل،
ولكننا نقف عند هذا الحد الذي عمق تلك الرسالة النموذج؛
ليس فقط في صياغتها من حيث الشكل، وإنما أيضًا في مضمونها وأهدافها
ومعانيها؛ حيث حقق سليمان عليه السلام بذلك ما كان يرمي إليه كقائد
فذٍّ صاحب رؤية ورسالة، وذي يقظة وعدالة، فظهر له صدق الهدهد ودقة
ما ساقه من بيانات، وأنها تمثل حقائق لا أوهاماً أو تخمينات.

كما أنه وفي نفس الوقت قد تمكن من تنفيذ أول خطوة من خطوات إدارة
تغيير هؤلاء القوم لتحويلهم مما هم عليه من الضلال إلى الهدى،
وليضع توصية الهدهد التي ذكرها في نهاية تقريره موضع التطبيق،
حينما قال له :

{ أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ
وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25)
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) }
[ النمل ]

ولن ندرك معنى هذه الخطوة ولا مدى تأثيرها في إدارة عملية التغيير
عموماً والتي قام بها سليمان عليه السلام خصوصاً؛ إلا إذا وقفنا وقفةً
أو وقفاتٍ خاصةً أمام موضوع التغيير والنماذج أو السنن التي تحكمه،
لكن ما نريد أن نختم به تلك الدروس العظيمة عن الهدهد في هذه المقالة
هو أن ما سبق أن قدمه الهدهد من معلومات تمثل حقائق يقينية في تقريره
وما أوصى به من توصيات لقائده وما قام وساهم به من عمل وجهد
في ضوء توظيف سليمان عليه السلام لطاقاته؛ قد ترتب عليه صياغة خطة
دقيقة ومحكمة لإدارة عملية تغيير مخططة ومتعمَّدة؛
انتهت إلى النجاح الكامل في تحويل هؤلاء القوم بقيادة ملكتهم من عبادة
الشمس إلى عبادة الله الواحد القهار، وأسلموا مع سليمان لله رب العالمين،
دون استخدام أي نوع من أنواع القهر والإجبار أو القتال،
فأي درجة من التناغم والتفاهم يمكن أن تحدث بين قائد وجنوده لتحقيق
رسالتهم وأهدافهم بكفاءة وفعالية أعلى من ذلك؟!