المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبتى الجمعة 179 بعنوان : ما ظهر منها و ما بطن


adnan
05-10-2013, 10:57 PM
الحمدُ لله لا يقول إلا حقًّا ، و لا يعِد إلا صِدقًا ، أحمدُه سبحانه و أشكره ،

من أطاعه فهو الأتقى ، و من عصاه فهو الأشقى .



و أشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ،

تبارك تدبِيرًا و أحسَن خلقًا ،

و أشهد أنّ سيّدنا و نبيَّنا محمّدًا عبد الله و رسوله ،

سيّدُ الخَلق طُرًّا و أرفعُهم ذِكرًا و أعظمُهم قدرًا ،

صلّى الله و سلّم و بارك عليه ، و على آله الأطهار

و أصحابه الأخيار من المهاجرين و الأنصار ،

و التابعين و من تبِعهم بإحسان ما تعاقبَ اللّيل و النهار .

فأوصيكم أيها الناس و نفسي بتقوى الله ،

فاتقوا الله رحمكم الله حيثما كنتم ، و قوموا بالأمر الذي من أجله خُلقتم ؛



{ وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }

[الذاريات:56] .



{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ }

[المؤمنون:115].

من غفل عن نفسه تصرمت أوقاته ، و اشتدت عليه حسراته .

لا بد من وقفةٍ صادقةٍ مع النفس في محاسبةٍ جادةٍ ، و مساءلةٍ دقيقةٍ ،

فوالله لتموتن كما تنامون ، و لتبعثنَّ كما تستيقظون ، و لتجزون بما كنتم تعملون .

هل الأعمار إلا أعوام ؟ و هل الأعوام إلا أيام ؟ و هل الأيام إلا أنفاس ؟

و إن عمراً ينقضي مع الأنفاس لسريع الانصرام .

أفلا معتبر بما طوت الأيام من صحائف الماضين ؟ و قلَّبت الليالي من سجلات السابقين ؟

و ما أذهبت المنايا من أماني المسرفين ؟ كل نفس من أنفاس العمر معدود .

و إضاعة هذا ليس بعده خسارة في الوجود .



{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا

وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا }

[آل عمران:30].

أيها المسلمون :



لا يزال الإنسان بخير ما كره الرذيلة و اشمأز من فعلها و تحرز من الوقوع فيها .

و تأملوا فى وصف الرسول صلى الله عليه و آله و سلم لمن وجد حلاوة الإيمان ٬



إنه يقول صلى الله عليه و سلم فى صفته



(.. أن يكره أن يعود فى الكفر كما يكره أن يقذف فى النار )



و تأملوا قول



هند " زوج " أبى سفيان رضي الله تعالى عنهما حين قالت



[.. أوتزني الحرة ؟ ]



ذاك فى منطقها مستحيل لأن قاعدة السيادة فى خلق أية سيدة ، أنها حصان رزان ،

أكبر من أن تُسف أو تذل ، أو يطمع فيها وغد...



إن ضمائر الركع السجود فى صحو دائم ٬ و قد يقترب الشيطان منها فى ساعة نحس !

لينفث فى أفقها دخانه ٬ و فى هذه اللحظة الغائمة



يقول الله سبحانه:



{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ *

وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ }



الأعراف201 ، 202



لكن هناك نفرا من الناس يجمعون بين الأضداد! فهم قد يؤدون العبادات الظاهرة ٬

و لكنهم يلمون بالخطايا و يستمرئون ستر الله عليهم فى الاستخفاء بالشر و الاستعلان بالخير ٬

و لعل أولئك هم المعنيون



بما رواه ثوبان رضى الله تعالى عنه

عن النبى صلى الله عليه و سلم قال



( لأعلمن أقواما من أمتى يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء

فيجعلها الله هباء منثورا !!

قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا ٬ لا نكون منهم و نحن لا نعلم!

قال: أما إنهم إخوانكم و من جلدتكم و يأخذون من الليل كما تأخذون.

و لكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها )



هؤلاء أناس غرهم حلم الله عليهم ، و جهل الخلق بهم ، فمضوا فى طريقهم بسيرة مزدوجة

٬ باطن قبيح و ظاهر مزوق .

و خطورة هؤلاء ترجع إلى سهولة الانخداع بهم و الوقوع فى شباكهم ٬

فإذا كان تاجرا حسبته أمينا و إذا كان موظفا حسبته شريفا ٬ و من الذى يستكشف البواطن ؟ ٬



و لذلك يقول الله فيهم



{ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً }

الفرقان 23



أحبتي الكرام :



لقد توافق وصف الكتاب و السنة لهؤلاء الناس و مصيرهم!

و يوم التغابن ستقع مقاصة رهيبة بين غرماء الدنيا ٬

بين الواتر و الموتور و الظالم و المظلوم ٬

و لن تكون التعويضات المطلوبة بضائع أو أموالا ٬ إنها الجنة أو النار .



عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه

أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال



( أتدرون من المفلس ؟

قالوا المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع!

فقال: إن المفلس من أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة و صيام و زكاة ٬

و يأتي قد شتم هذا ٬ و قذف هذا ٬ و أكل مال هذا ٬ و سفك دم هذا ٬ و ضرب هذا ٬

فيعطى هذا من حسناته و هذا من حسناته.

فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه!

ثم طرح فى النار )



إن الكافرين بالله المنكرين للقائه يسخرون من هذا الحساب المرتقب.



روى أحمد عن خباب بن الأرت رضي الله تعالى عنه قال:



[ كنت رجلا قينا - أي حدادا - و كان لى عند `العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه منه ٬

فقال: لا و الله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ! وخباب من المسلمين المستضعفين ٬

و العاصى من رؤساء مكة ، فقال خباب: و الله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث.

قال العاصُ ساخرا: فإنى إذا مت ثم بعثت جئتنى

و لى هناك مال و ولد فأعطيك دينك!! ]



فأنزل الله سبحانه هذه الآيات



{ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً *

أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً *

كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً *

وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً }



مريم 77 - 80



سينقلب إلى الله عريان مجرداًلا مال له و لا ولد بلا خل و لا خليل ،

وحيدا لا عزوة له و سيكلف بقضاء دينه فى النار

و بئس القرار و للمعاملات المالية شأن عند الله فإن من الناس من يستهين بحقوق الآخرين ٬

و يرى أن الحلال ما حل فى اليد ٬

بل منهم من يأخذ المال الجزل غير مبال بعاجلة أو آجلة فما مصير هؤلاء .



روت خولةُ بنت عامر امرأة

سيدنا حمزةَ سيدِ الشهداء رضي الله تعالى عنهما ، قالت:

سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول



( إن رجالا يتخوضون فى مال الله بغير حق

- أى يتصرفون فى أموال الناس بالباطل - فلهم النار يوم القيامة )



فهل يعي ذلك من أسسوا ثرواتهم من السحت ؟



ألا فاتقوا الله رحمكم الله ،



فالسعيد من كان صلاح باطنه كصلاح ظاهره ،

و صفاء سريرته كنقاء علانيته ، جملوا قلوبكم بالتقوى كما تجملون أبدانكم باللباس ،

تذكروا أن الله يعلم مافي أنفسكم فاحذروه ، و أنه سبحانه لا تخفى عليه خافية ،

و أنه يعلم خائنة الأعين و ماتخفي الصدور .



أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :



{ لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ

يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

البقرة 284



بارك الله لي و لكم فى القرآن الكريم و نَفَعني الله و إيَّاكم بالقرآنِ العظيم

و بهديِ محمّد سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم ، و أقول قولي هَذا ،

و أستَغفر الله لي ولَكم و لجميع المسلمين

فأستغفروه أنه هو الغفور الرحيم



الحمد لله المستحق للحمد و الثناء ، له الخلق و الأمر ، يحكم ما يريد و يفعل ما يشاء ،

أحمده سبحانه و أشكره و أتوب إليه و أستغفره و أعوذ بالله من حال أهل الشقاء .

و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الأسماء الحسنى ،

و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبده و رسوله ، أفضل الرسل و خاتم الأنبياء ،

صلى الله و سلم وبارك عليه و على آله و أصحابه البررة الأتقياء

و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .





أيها المسلمون :



فأعمالُ القلوبِ مِن أهمِّ الواجبات و أعظمِ القرُبات و أفضلِ الأعمال ،

فهي واجبةٌ مطلوبة كلَّ وقت و على جميعِ المكلَّفين ، و هي آكَد شعَب الإيمان ،

و صلاح الجسَد مرتبِط بصلاحِ القلب



كما في الحديثِ الصّحيح :



( ألا و إنَّ في الجسد مضغةً ، إذا صلَحت صلَح الجسد كلّه ،

و إذا فسَدت فسد الجسد كلّه ، ألا و هي القلب ) .



إنَّ عبوديّة القلبِ أعظمُ من عبوديّة الجوارح و أكثر و أدوَم ،

و صلاحُ حركاتِ جوارحِ العبدِ بحسَب صلاح حركاتِ قلبه ،

فإذا كان القلب سليمًا عامِرًا بمحبّة الله و محبّة ما يحبّه الله

و خشيةِ الله و خشيةِ الوقوع فيما يبغِضه الله صلَحت حركات جوارِحه كلِّها .



و أنظُروا رحمكم الله



في أمرَين عظيمَين لهما شأنٌ كبير في إصلاح البواطن و السرائر ،

تأمّلوا في صفتَي الإحسان و المراقبة .



أمّا الإحسان فهو لبُّ الإيمان و روحُه و كماله ،

بل إنَّ صفةَ الإحسان ـ رحمكم الله ـ تجمَع جميعَ خصالِ التعبُّد و رتبِها ،

فالعبادَات كلُّها منوطَة بالإحسان ،

فالإحسان جامعٌ لجميع شعَب الإيمان و أعمالِ القلوب ،

و كيف لا يكون ذلك



و قد بيّنه نبيّنا محمّد صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم بقوله :



( الإحسان أن تعبدَ الله كأنّك تراه ) .



فأحسِنوا حفِظكم الله



فإنّ الله يحبّ المحسنين ، و اجتهِدوا فرحمةُ الله قريبٌ من المحسنين ،

و أبشِروا فهل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسان ؟!



الإحسانُ أيها الإخوة في الله



يقتضي من المسلمِ إتقانَ العمل إتقانَ مَن يعلم علمَ اليقين

أنّ الله عزّ و جلّ مطّلعٌ عليه محيط به و محيطٌ بعمله .

أمّا المراقبة فهي عِلم القلبِ بقربِ الربّ، و مَن راقب اللهَ في سرِّه حفِظه في علانيّته ،

و مراقبةُ الله في الخواطر تحفَظ حركاتِ الظواهر .



هذا و اتقوا الله عباد الله



و أحسنوا التعاملَ مع الهموم تُفلِحوا ،

و حذارِ أن تكون همومكم من نسيجِ خيالكم و الواقع منها براء ،

و خذوا أمورَ الدنيا بأسهلِ ما يكون ، و غضّوا الطرفَ عن مُذكيات الهموم بالتغافل عنها ؛

فإن التغافل تسعة أعشار الحكمة .

و اعمَلوا على تخليص همّمكم من همّكم الدنيوي إلى همكم الأخروي ،

و إياكم و كثرةَ المعاصي فإنها كلاليب الهموم ، أجارنا الله و إياكم منها .

اللّهمّ اغفر لنا ذنوبنا كلها ، ما ظهر منها و ما بطن

اللّهمّ و ارحمنا و أغفر لنا و تب علينا إنكَ أنت التواب الرحيم

هذا وصلّوا و سلّموا على من أمركم الله بالصلاة عليه في محكَم التنزيل



فقال جلَّ من قائل عليما :



{ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا }



[الأحزاب: 56]

اللّهمّ صلِّ و سلِّم وبارِك على عبدِك و رسولك

سيدنا و نبيِّنا محمّد الحبيب المُصطفى و النبيّ المُجتبى ،

و على آله الطيبين الطاهرين ، و على أزواجِه أمّهات المؤمنين ،

و ارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين : أبي بكر و عمر و عثمان و عليٍّ ،

وعن الصحابة أجمعين ، و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يومِ الدين ،

و عنَّا معهم بعفوِك و جُودك و إحسانك يا أكرم الأكرمين .



و قال عليه الصلاة و السلام فيما أخرجه مسلم في صحيحه :



( مَن صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا ) .



فاجز اللّهمّ عنّا نبيّنا محمّدًا صلى الله عليه و سلم خيرَ الجزاء و أوفاه ،

و أكمله و أثناه ، و أتمَّه و أبهاه ، و صلِّ عليه صلاةً تكون له رِضاءً ،

و لحقِّه أداءً ، و لفضلِه كِفاء ، و لعظمته لِقاء ، و تلقى منك سبحانك قبول و رضاء ،

يا خيرَ مسؤول و أكرمَ مأمول يا رب الأرض و السماء .



اللّهمّ إنّا نسألك حبَّك ، و حبَّ رسولك محمّد صلى الله عليه و سلم ،

و حبَّ العملِ الذي يقرّبنا إلى حبّك .



اللّهمّ اجعل حبَّك و حبَّ رسولك صلى الله عليه و سلم أحبَّ إلينا

من أنفسنا و والدينا و الناس أجمعين .



اللّهمّ أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذلَّ الشركَ و المشركين ،

و أحمِ حوزةَ الدّين ، و أدِم علينا الأمن و الأمان و أحفظ لنا ولاة أمورنا ،

و رد كيد كل من أراد فتنة فى بلادنا فى نحره أو فى أى من بلاد المسلمين



اللّهمّ أمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،

و أنصر عبادَك المؤمنين فى كل بقاع الأرض و أحفظهم



اللّهمّ و اشف مرضاهم و أرحم موتاهم و أجمع شملهم و وحد كلمتهم



اللّهمّ آمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،

و أنصر عبادَك المؤمنين فى كل بقاع الأرض و أحفظهم

و أحفظ أخواننا فى برد الشام و فى فلسطين و مينمار و أفغانستان و جميع المسلمين

اللّهمّ و اشف مرضاهم و أرحم موتاهم و أجمع شملهم و داوى جرحاهم

و تقبل شهداءهم و أحفظ دينعم و أموالهم و أعراضهم



اللّهمّ أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين

اللّهمّ أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين

اللّهمّ أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين



اللّهمّ سقيا رحمة لا سقيا عذاب بفضلك و كرمك يا كريم يا تواب

ثم الدعاء بما ترغبون و ترجون من فضل الله العلى العظيم الكريم

أنتهت

و لا تنسونا من صالح دعاءكم .