adnan
05-26-2013, 03:18 AM
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه ،
و نؤمن به و نتوكل عليه ،
يجبر الكسر ، و يغفر الذنب و يعفو عن السيئات ،
و يقيل العاثر من العثرات ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
إلَه الأولين و الآخرين ،
و أشهد أن سيدنا محمداً عبد الله و رسوله ،
عبد ربه حق عبادته ، و دعا إلى دينه ،
فكان أتباعه بالحق هم الظاهرين ، صلى الله و سلم عليه و على آله و صحبه ،
نجومٌ في الدجى زاهرة ، و كواكبٌ على الهدى سائرين ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
فأتقوا الله عباد الله
و أعبدوه حق عبادته ، و أخلصوا له ، تقربوا إليه خوفاً و طمعاً .
أيها المسلمون
العبادات و القربات تتفاضل عند الله بتفاضل ما في القلوب
من الإيمان و الإخلاص و المحبة و الخشية و الخشوع و الإنابة .
و العابد حقاً و المتقرب لربه صدقاً ،
هو الذي تحقق في قلبه صدق الإمتثال للأوامر على وجهها ،
و أبتعد عن المخالفات بجميع وجوهها ،
يجمع بين الإخلاص و الحب و الخوف و حسن الطاعة .
و من أجل تبين هذا التفاضل و إدراك هذا التمايز ،
هذه وقفة مع أعظم فرائض الإسلام بعد الشهادتين ؛ مع الصلاة عماد الدين .
صفات المؤمنين المفلحين مبدوءة بها ،
وأستحقاقية ميراث الفردوس مختتمة بالمحافظة عليها :
{ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ *
وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـوٰةِ فَـٰعِلُونَ *
وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ *
إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ
فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَاء ذٰلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ *
وَٱلَّذِينَ هُمْ لاِمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ *
وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ * أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ *
ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ }
[ المؤمنون:1-11 ] .
و في إستعراض آخر من كتاب الله للمكرمين من أهل الجنة
تأتي المداومة على الصلاة في أول الصفات ،
و تأتي المحافظة عليها في خاتمتها
{ إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً *
وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً *
إِلاَّ ٱلْمُصَلّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ }
إلى قوله تعالى :
{ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَـئِكَ فِى جَنَّـٰتٍ مُّكْرَمُونَ * }
[ المعارج : 19-35 ].
أيها الإخوة الأحبة في الله
إنه ثناء على هؤلاء المصلين ما بعده ثناء ، و إغراء ما بعده إغراء ،
لكن هذه الصلاة التي أقاموها صلاة خاصة ، ذات صفات خاصة ، صلاة تامة كاملة ،
صلاة خاشعة في هيئة دائمة ، و محافظة شاملة .
إنها صفات و عناصر إذا حصل خللٌ فيها أو نقصٌ ؛
فقد حصل في صلاة العبد نقصٌ بقدر ذلك القصور ، بل قد يتحول الوعد إلى وعيد ،
و ينقلب رجاء الثواب إلى عرضة للعقاب ،
اقرءوا إن شئتم قول الحق سبحانه و تعالى :
{ فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ }
[ الماعون : 4، 5 ] .
وأقرءوا في صفات المنافقين:
{ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَاءونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }
[ النساء : 142 ] .
{ ... وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ ... }
[ التوبة : 54 ] .
أيها الإخوة يرعاكم الله :
إن روح الصلاة و لبها هو الخشوع و حضور القلب ،
حتى قال بعض أهل العلم :
صلاة بلا خشوع و لا حضور جثة هامدة بلا روح .
إن الخشوع ـ أيها الأحبة ـ حالة في القلب تنبع من أعماقه مهابةً لله و توقيراً ،
و تواضعاً في النفس و تذللاً . لينٌ في القلب ، و رقة تورث انكساراً و حرقة .
و إذا خشع القلب خشع السمع و البصر ، و الوجه و الجبين ،
و سائر الأعضاء و الحواس . إذا سكن القلب و خشع ،
خشعت الجوارح و الحركات ، حتى الصوت و الكلام :
{ وَخَشَعَتِ ٱلاصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً }
[ طه : 108 ] .
و قد كان من ذكر النبي صلى الله عليه و سلم في ركوعه :
( خشع لك سمعي و بصري ، و مخي و عظمي و عصبي )
و في رواية لأحمد :
( و ما استقلَّت به قدمي لله رب العالمين )
و حينما رأى بعض السلف رجلاً يعبث بيده في الصلاة
قال : لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه .
و يبين علي رضي الله تعالى عنه خشوع الصلاة فيقول :
[ هو خشوع القلب ، و لا تلتفت في صلاتك ،
و تلين كنفك للمرء المسلم ] .
يعني : حتى و أنت تسوي الصفوف مع إخوانك ، ينبغي أن يعلوَك الخشوع .
و يصف الحسن رحمه الله حال السلف بقوله :
[ كان الخشوع في قلوبهم ، فغضوا له البصر في الصلاة ] .
عباد الله
إن القلب إذا خشع ، سكنت خواطره ، و ترفعت عن الإرادات الدنيئة همته ،
و تجرد عن اتباع الهوى مسلكه ، ينكسر و يخضع لله ،
و يزول ما فيه من التعاظم و الترفع و التعالي و التكبر .
الخشوع سكون و إستكانة ، و عزوف عن التوجه إلى العصيان و المخالفة .
و الخاشعون و الخاشعات هم الذين ذللوا أنفسهم ، و كسروا حدتها ،
و عودوها أن تطمئنَّ إلى أمر الله و ذكره ، و تطلب حسن العاقبة ،
و وعد الآخرة ، و لا تغتر بما تزينه الشهوات الحاضرة ، و الملذات العابرة .
إذا خشع قلب المصلي أستشعر الوقوف بين يدي خالقه ، و عظمت عنده مناجاته ،
فمن قدَرَ الأمر حق قدره ، و أستقرَّ في جنانه عظمة الله و جلاله ،
و امتلأ بالخوف قلبه ، خشع في صلاته ، و أقبل عليها ، و لم يشتغل بسواها ،
و سكنت جوارحه فيها ، و أستحق المديح القرآني
{ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ }
[ المؤمنون : 1 ، 2 ] .
رُوي عن مجاهد يرحمه الله في قوله تعالى :
{ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ }
[البقرة:238] .
قال : القنوت : الركون و الخشوع ، و غض البصر ، و خفض الجناح .
قال : و كان العلماء إذا قام أحدهم في الصلاة هاب الرحمن عزَّ و جلَّ عن أن يشد نظره ،
أو يلتفت أو يقلب الحصى ، أو يعبث بشيء ،
أو يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا ما دام في الصلاة .
بالخشوع الحق ، يكون المصلون مخبتين لربهم ،
منكسرين لعظمته خاضعين لكبريائه ، خاشعين لجلاله :
{ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ
وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خـٰشِعِينَ }
[ الأنبياء : 90 ] .
و لتعلموا يرحمكم الله
أن الخشوع يتفاوت في القلوب بحسب تفاوت معرفتها لمن خشعت له ،
و بحسب مشاهدة القلوب للصفات المقتضية للخشوع .
و بمقدار هذا التفاوت يكون تفاضل الناس ، في القبول و الثواب ،
و في رفع الدرجات ، و حط السيئات .
عن عبد الله الصنابحي رضي الله عنه قال :
أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
( خمس صلوات افترضهن الله تعالى ،
من أحسن وضوءهن ، و صلاهن لوقتهن ، و أتم ركوعهن و خشوعهن ؛
كان له على الله عهدٌ أن يغفر له ، و من لم يفعل فليس له على الله عهد ؛
إن شاء غفر له ، و إن شاء عذبه ) .
و في خبر آخر عنه أخرجه مسلم و غيره
أنه صلى الله عليه و سلم قال :
( ما من امرئٍ مسلم تحضره صلاة مكتوبة
فأحسن وضوءها و خشوعها و ركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ،
ما لم يؤت كبيرة و ذلك الدهر كله ) .
و عن عثمان رضي الله تعالى عنه
عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :
( ... من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدِّث فيهما نفسه بشيء ؛
غفر له ما تقدم من ذنبه ) .
الصلاة الخاشعة هي الراحة الدائمة للنفوس المطمئنة الواثقة بوعد ربها المؤمنة بلقائه .
أين هذا من نفوس استحوذ عليها الهوى و الشيطان ؟!
فلا ترى من صلاتها إلا أجساداً تهوي إلى الأرض خفضاً و رفعاً .
أما قلوبها فخاوية ، و أرواحها فبالدنيا متعلقة ،
و نفوسها بالأموال و الأهلين مشغولة .
لما سمع بعض السلف قول الله تعالى :
{ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ }
[ النساء : 43 ] .
قال : كم من مصل لم يشرب خمراً.. هو في صلاته لا يعلم ما يقول ،
و قد أسكرته الدنيا بهمومها .
أيها الإخوة الكرام
و هناك نوع من الخشوع حذر منه السلف ،
و أنذروا و سموه : خشوع النفاق .
فقالوا : أستعيذوا بالله من خشوع النفاق .
قالوا : و ما خشوع النفاق ؟
قالوا : أن ترى الجسد خاشعاً ، و القلب ليس بخاشع .
و لقد نظر عمر رضي الله عنه إلى شاب قد نكس رأسه
فقال له عمر رضى الله تعالى عنه :
[ يا هذا ، أرفع رأسك ، فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب ،
فمن أظهر خشوعاً على ما في قلبه فإنما هو نفاق على نفاق ] .
و قال الحسن رضى الله تعالى عنه :
[ إن أقواماً جعلوا التواضع في لباسهم ، و الكبر في قلوبهم ،
و لبسوا مداعج الصوف ـ أي: الصوف الأسود ـ
و اللهِ لأَحدُهم أشدُّ كبراً بمدرعته من صاحب السرير بسريره ،
و صاحب الديباج في ديباجه ] .
فاتقوا الله يرحمكم الله
و أحفظوا صلاتكم ، و حافظوا عليها ، و أستعيذوا بالله من قلب لا يخشع ،
فقد كان من دعاء نبيكم محمد عليه أفضل الصلاة و السلام :
( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، و من قلب لا يخشع ،
و من نفس لا تشبع ، و من دعوة لا يستجاب لها )
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم :
{ وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَـٰشِعِينَ }
[ البقرة : 45 ، 46 ] .
فأتقوا الله معاشر المسلمين
و تخلقوا بأخلاق رسول الله و أهتدوا بهديه تفلحوا ،
و يتحقق لكم ما وعدكم به من الاستظلال بظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله .
بارك الله لي و لكم فى القرآن الكريم
و نَفَعني الله و إيَّاكم بالقرآنِ العظيم
و بهديِ محمّد سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم ،
أقول قولي هَذا، و أستَغفر الله لي و لَكم و لجميع المسلمين
فأستغفروه أنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله المتفرد بالعظمة و الجلال ، المتفضل على خلقه بجزيل النوال .
أحمده سبحانه و أشكره ، و أتوب إليه و أستغفره ، و هو الكبير المتعال ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
و أشهد أن محمداً عبده و رسوله، الداعي إلى الحق ،
و المنقذ بإذن ربه من الضلال ،
صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه خير صحبٍ و آلٍ ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم المآل .
أيها المسلمون
يذكر أهل العلم وجوهاً عدة ، يتبين فيها حضور القلب ،
و يتحقق فيها حال الخشوع ، و حقيقة التعبد .
من هذه الوجوه : الإجتهاد في تفريغ القلب للعبادة ، و الإنصراف عما سواها ،
و يقوى ذلك و يضعف بحسب قوة الإيمان بالله و اليوم الآخر ، و الوعد و الوعيد .
و منها : التفهم و التدبر لما تشتمل عليه الصلاة من قراءة و ذكر و مناجاة ؛
لأن حضور القلب و التخشع و السكون من غير فهم للمعاني لا يحقق المقصود .
و منها : الإجتهاد بدفع الخواطر النفسية ، و البعد عن الصوارف الشاغلة .
و هذه الصوارف و الشواغل عند أهل العلم نوعان :
صوارف ظاهرة و هي ما يشغل السمع و البصر ،
و هذه تعالَج باقتراب المصلي من سترته و قبلته و نظره إلى موضع سجوده ،
و الأبتعاد عن المواقع المزخرفة و المنقوشة ،
و النبي عليه الصلاة و السلام لما صلى في خميصة لها أعلام و خطوط نزعها
و قال عليه صلاة ربى و سلامه :
( إنها ألهتني آنفاً عن صلاتي )
متفق عليه من حديث عائشة .
و النوع الثاني : صوراف باطنة
من تشعب الفكر في هموم الدنيا و أنشغال الذهن بأودية الحياة ،
و معالجة ذلك بشدة و التفكر و التدبر لما يَقرأ و يَذكر و يُناجي .
و مما يعين على حضور القلب ، و صدق التخشع ؛
تعظيم المولى جل و علا في القلب ، و هيبته في النفس ،
و لا يكون ذلك إلا بالمعرفة الحقة بالله عزَّ شأنه ،
و معرفة حقارة النفس و قلة حيلتها ،
و حينئذٍ تتولد الاستكانة و الخشوع و الذل و الإنابة .
أمرٌ آخر أيها الإخوة يحسن التنبيه إليه
و هو دال على نوع من الإنصراف و التشاغل ، مع ما جاء من عظم الوعيد عليه ،
و خطر التهاون فيه ، ذلكم هو مسابقة الإمام في الصلاة ،
فما جعل الإمام إلا ليؤتم به ، فلا تتقدموا عليه ،
فقد قال عليه الصلاة و السلام :
( أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار )
متفق عليه من حديث أبي هريرة .
و في رواية :
( أو صورة كلب )
و أنظروا إلى حال الصحابة رضوان الله عليهم مع نبيهم و إمامهم
محمد صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم ،
يقول البراء بن عازب رضى الله تعالى عنه :
كان خلف النبي عليه الصلاة و السلام فكان إذا انحط من قيامه للسجود ،
لا يحني أحد منا ظهره حتى يضع رسول الله صلى الله عليه و سلم جبهته على الأرض و يكبر ،
و كان يستوي قائماً و هم لا يزالون سجوداً بعد .
و رأى ابن مسعود رجلاً يسابق إمامه
فقال له رضى الله تعالى عنه :
[ لا وحدك صليت ، و لا أنت بإمامك أقتديت ] .
فأتقوا الله يرحمكم الله
و أحسنوا صلاتكم ، و أتموا ركوعها و سجودها ،
و حافظوا على أذكارها، و حسن المناجاة فيها ،
رزقنا الله و إياكم الفقه في الدين و حسن العمل .
ألا و أكثِروا يرحمكم الله
من الصلاة و السلامِ على الحبيب رسولِ الله
كما أمركم بذلك ربّكم جلّ في علاه ،
و هو خير البرية و أزكى البشرية
محمّد بن عبد الله صاحب الحوض و الشفاعة ،
فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه ،
و ثنى بملائكته المسبِّحة بقدسِه ، و أيّه بكم أيها المؤمنون
فقال جلَّ من قائل عليما :
{ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا }
[ الأحزاب : 56 ]
اللّهمّ صلِّ و سلِّم وبارِك على عبدِك و رسولك
سيدنا و نبيِّنا محمّد الحبيب المُصطفى و النبيّ المُجتبى ،
و على آله الطيبين الطاهرين ، و على أزواجِه أمّهات المؤمنين ،
و ارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين : أبي بكر و عمر و عثمان و عليٍّ ،
وعن الصحابة أجمعين ، و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يومِ الدين ،
و عنَّا معهم بعفوِك و جُودك و إحسانك يا أكرم الأكرمين .
و قال عليه الصلاة و السلام فيما أخرجه مسلم في صحيحه :
( مَن صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا ) .
فاجز اللّهمّ عنّا نبيّنا محمّدًا صلى الله عليه و سلم خيرَ الجزاء و أوفاه ،
و أكمله و أثناه ، و أتمَّه و أبهاه ، و صلِّ عليه صلاةً تكون له رِضاءً ،
و لحقِّه أداءً ، و لفضلِه كِفاء ، و لعظمته لِقاء ، و تلقى منك سبحانك قبول و رضاء ،
يا خيرَ مسؤول و أكرمَ مأمول يا رب الأرض و السماء .
اللّهمّ إنّا نسألك حبَّك ، و حبَّ رسولك محمّد صلى الله عليه و سلم ،
و حبَّ العملِ الذي يقرّبنا إلى حبّك .
اللّهمّ اجعل حبَّك و حبَّ رسولك صلى الله عليه و سلم أحبَّ إلينا
من أنفسنا و والدينا و الناس أجمعين .
اللّهمّ أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذلَّ الشركَ و المشركين ،
و أحمِ حوزةَ الدّين ، و أدِم علينا الأمن و الأمان و أحفظ لنا ولاة أمورنا ،
و رد كيد كل من أراد فتنة فى بلادنا فى نحره أو فى أى من بلاد المسلمين
اللّهمّ أمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،
و أنصر عبادَك المؤمنين فى كل بقاع الأرض و أحفظهم
اللّهمّ و اشف مرضاهم و أرحم موتاهم و أجمع شملهم و وحد كلمتهم
اللّهمّ آمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،
و أنصر عبادَك المؤمنين فى كل بقاع الأرض و أحفظهم
و أحفظ أخواننا فى برد الشام و فى فلسطين و مينمار و أفغانستان و جميع المسلمين
اللّهمّ و اشف مرضاهم و أرحم موتاهم و أجمع شملهم و داوى جرحاهم
و تقبل شهداءهم و أحفظ دينعم و أموالهم و أعراضهم
اللّهمّ أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين
اللّهمّ أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين
اللّهمّ أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين
اللّهمّ سقيا رحمة لا سقيا عذاب بفضلك و كرمك يا كريم يا تواب
ثم الدعاء بما ترغبون و ترجون من فضل الله العلى العظيم الكريم
أنتهت
و نؤمن به و نتوكل عليه ،
يجبر الكسر ، و يغفر الذنب و يعفو عن السيئات ،
و يقيل العاثر من العثرات ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
إلَه الأولين و الآخرين ،
و أشهد أن سيدنا محمداً عبد الله و رسوله ،
عبد ربه حق عبادته ، و دعا إلى دينه ،
فكان أتباعه بالحق هم الظاهرين ، صلى الله و سلم عليه و على آله و صحبه ،
نجومٌ في الدجى زاهرة ، و كواكبٌ على الهدى سائرين ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
فأتقوا الله عباد الله
و أعبدوه حق عبادته ، و أخلصوا له ، تقربوا إليه خوفاً و طمعاً .
أيها المسلمون
العبادات و القربات تتفاضل عند الله بتفاضل ما في القلوب
من الإيمان و الإخلاص و المحبة و الخشية و الخشوع و الإنابة .
و العابد حقاً و المتقرب لربه صدقاً ،
هو الذي تحقق في قلبه صدق الإمتثال للأوامر على وجهها ،
و أبتعد عن المخالفات بجميع وجوهها ،
يجمع بين الإخلاص و الحب و الخوف و حسن الطاعة .
و من أجل تبين هذا التفاضل و إدراك هذا التمايز ،
هذه وقفة مع أعظم فرائض الإسلام بعد الشهادتين ؛ مع الصلاة عماد الدين .
صفات المؤمنين المفلحين مبدوءة بها ،
وأستحقاقية ميراث الفردوس مختتمة بالمحافظة عليها :
{ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ *
وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـوٰةِ فَـٰعِلُونَ *
وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ *
إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ
فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَاء ذٰلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ *
وَٱلَّذِينَ هُمْ لاِمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ *
وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ * أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْوٰرِثُونَ *
ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ }
[ المؤمنون:1-11 ] .
و في إستعراض آخر من كتاب الله للمكرمين من أهل الجنة
تأتي المداومة على الصلاة في أول الصفات ،
و تأتي المحافظة عليها في خاتمتها
{ إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً *
وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً *
إِلاَّ ٱلْمُصَلّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ }
إلى قوله تعالى :
{ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَـئِكَ فِى جَنَّـٰتٍ مُّكْرَمُونَ * }
[ المعارج : 19-35 ].
أيها الإخوة الأحبة في الله
إنه ثناء على هؤلاء المصلين ما بعده ثناء ، و إغراء ما بعده إغراء ،
لكن هذه الصلاة التي أقاموها صلاة خاصة ، ذات صفات خاصة ، صلاة تامة كاملة ،
صلاة خاشعة في هيئة دائمة ، و محافظة شاملة .
إنها صفات و عناصر إذا حصل خللٌ فيها أو نقصٌ ؛
فقد حصل في صلاة العبد نقصٌ بقدر ذلك القصور ، بل قد يتحول الوعد إلى وعيد ،
و ينقلب رجاء الثواب إلى عرضة للعقاب ،
اقرءوا إن شئتم قول الحق سبحانه و تعالى :
{ فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ }
[ الماعون : 4، 5 ] .
وأقرءوا في صفات المنافقين:
{ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَاءونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }
[ النساء : 142 ] .
{ ... وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ ... }
[ التوبة : 54 ] .
أيها الإخوة يرعاكم الله :
إن روح الصلاة و لبها هو الخشوع و حضور القلب ،
حتى قال بعض أهل العلم :
صلاة بلا خشوع و لا حضور جثة هامدة بلا روح .
إن الخشوع ـ أيها الأحبة ـ حالة في القلب تنبع من أعماقه مهابةً لله و توقيراً ،
و تواضعاً في النفس و تذللاً . لينٌ في القلب ، و رقة تورث انكساراً و حرقة .
و إذا خشع القلب خشع السمع و البصر ، و الوجه و الجبين ،
و سائر الأعضاء و الحواس . إذا سكن القلب و خشع ،
خشعت الجوارح و الحركات ، حتى الصوت و الكلام :
{ وَخَشَعَتِ ٱلاصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً }
[ طه : 108 ] .
و قد كان من ذكر النبي صلى الله عليه و سلم في ركوعه :
( خشع لك سمعي و بصري ، و مخي و عظمي و عصبي )
و في رواية لأحمد :
( و ما استقلَّت به قدمي لله رب العالمين )
و حينما رأى بعض السلف رجلاً يعبث بيده في الصلاة
قال : لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه .
و يبين علي رضي الله تعالى عنه خشوع الصلاة فيقول :
[ هو خشوع القلب ، و لا تلتفت في صلاتك ،
و تلين كنفك للمرء المسلم ] .
يعني : حتى و أنت تسوي الصفوف مع إخوانك ، ينبغي أن يعلوَك الخشوع .
و يصف الحسن رحمه الله حال السلف بقوله :
[ كان الخشوع في قلوبهم ، فغضوا له البصر في الصلاة ] .
عباد الله
إن القلب إذا خشع ، سكنت خواطره ، و ترفعت عن الإرادات الدنيئة همته ،
و تجرد عن اتباع الهوى مسلكه ، ينكسر و يخضع لله ،
و يزول ما فيه من التعاظم و الترفع و التعالي و التكبر .
الخشوع سكون و إستكانة ، و عزوف عن التوجه إلى العصيان و المخالفة .
و الخاشعون و الخاشعات هم الذين ذللوا أنفسهم ، و كسروا حدتها ،
و عودوها أن تطمئنَّ إلى أمر الله و ذكره ، و تطلب حسن العاقبة ،
و وعد الآخرة ، و لا تغتر بما تزينه الشهوات الحاضرة ، و الملذات العابرة .
إذا خشع قلب المصلي أستشعر الوقوف بين يدي خالقه ، و عظمت عنده مناجاته ،
فمن قدَرَ الأمر حق قدره ، و أستقرَّ في جنانه عظمة الله و جلاله ،
و امتلأ بالخوف قلبه ، خشع في صلاته ، و أقبل عليها ، و لم يشتغل بسواها ،
و سكنت جوارحه فيها ، و أستحق المديح القرآني
{ قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ }
[ المؤمنون : 1 ، 2 ] .
رُوي عن مجاهد يرحمه الله في قوله تعالى :
{ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ }
[البقرة:238] .
قال : القنوت : الركون و الخشوع ، و غض البصر ، و خفض الجناح .
قال : و كان العلماء إذا قام أحدهم في الصلاة هاب الرحمن عزَّ و جلَّ عن أن يشد نظره ،
أو يلتفت أو يقلب الحصى ، أو يعبث بشيء ،
أو يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا ما دام في الصلاة .
بالخشوع الحق ، يكون المصلون مخبتين لربهم ،
منكسرين لعظمته خاضعين لكبريائه ، خاشعين لجلاله :
{ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ
وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خـٰشِعِينَ }
[ الأنبياء : 90 ] .
و لتعلموا يرحمكم الله
أن الخشوع يتفاوت في القلوب بحسب تفاوت معرفتها لمن خشعت له ،
و بحسب مشاهدة القلوب للصفات المقتضية للخشوع .
و بمقدار هذا التفاوت يكون تفاضل الناس ، في القبول و الثواب ،
و في رفع الدرجات ، و حط السيئات .
عن عبد الله الصنابحي رضي الله عنه قال :
أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
( خمس صلوات افترضهن الله تعالى ،
من أحسن وضوءهن ، و صلاهن لوقتهن ، و أتم ركوعهن و خشوعهن ؛
كان له على الله عهدٌ أن يغفر له ، و من لم يفعل فليس له على الله عهد ؛
إن شاء غفر له ، و إن شاء عذبه ) .
و في خبر آخر عنه أخرجه مسلم و غيره
أنه صلى الله عليه و سلم قال :
( ما من امرئٍ مسلم تحضره صلاة مكتوبة
فأحسن وضوءها و خشوعها و ركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ،
ما لم يؤت كبيرة و ذلك الدهر كله ) .
و عن عثمان رضي الله تعالى عنه
عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :
( ... من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدِّث فيهما نفسه بشيء ؛
غفر له ما تقدم من ذنبه ) .
الصلاة الخاشعة هي الراحة الدائمة للنفوس المطمئنة الواثقة بوعد ربها المؤمنة بلقائه .
أين هذا من نفوس استحوذ عليها الهوى و الشيطان ؟!
فلا ترى من صلاتها إلا أجساداً تهوي إلى الأرض خفضاً و رفعاً .
أما قلوبها فخاوية ، و أرواحها فبالدنيا متعلقة ،
و نفوسها بالأموال و الأهلين مشغولة .
لما سمع بعض السلف قول الله تعالى :
{ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمْ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ }
[ النساء : 43 ] .
قال : كم من مصل لم يشرب خمراً.. هو في صلاته لا يعلم ما يقول ،
و قد أسكرته الدنيا بهمومها .
أيها الإخوة الكرام
و هناك نوع من الخشوع حذر منه السلف ،
و أنذروا و سموه : خشوع النفاق .
فقالوا : أستعيذوا بالله من خشوع النفاق .
قالوا : و ما خشوع النفاق ؟
قالوا : أن ترى الجسد خاشعاً ، و القلب ليس بخاشع .
و لقد نظر عمر رضي الله عنه إلى شاب قد نكس رأسه
فقال له عمر رضى الله تعالى عنه :
[ يا هذا ، أرفع رأسك ، فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب ،
فمن أظهر خشوعاً على ما في قلبه فإنما هو نفاق على نفاق ] .
و قال الحسن رضى الله تعالى عنه :
[ إن أقواماً جعلوا التواضع في لباسهم ، و الكبر في قلوبهم ،
و لبسوا مداعج الصوف ـ أي: الصوف الأسود ـ
و اللهِ لأَحدُهم أشدُّ كبراً بمدرعته من صاحب السرير بسريره ،
و صاحب الديباج في ديباجه ] .
فاتقوا الله يرحمكم الله
و أحفظوا صلاتكم ، و حافظوا عليها ، و أستعيذوا بالله من قلب لا يخشع ،
فقد كان من دعاء نبيكم محمد عليه أفضل الصلاة و السلام :
( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، و من قلب لا يخشع ،
و من نفس لا تشبع ، و من دعوة لا يستجاب لها )
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم :
{ وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَـٰشِعِينَ }
[ البقرة : 45 ، 46 ] .
فأتقوا الله معاشر المسلمين
و تخلقوا بأخلاق رسول الله و أهتدوا بهديه تفلحوا ،
و يتحقق لكم ما وعدكم به من الاستظلال بظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله .
بارك الله لي و لكم فى القرآن الكريم
و نَفَعني الله و إيَّاكم بالقرآنِ العظيم
و بهديِ محمّد سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم ،
أقول قولي هَذا، و أستَغفر الله لي و لَكم و لجميع المسلمين
فأستغفروه أنه هو الغفور الرحيم
الحمد لله المتفرد بالعظمة و الجلال ، المتفضل على خلقه بجزيل النوال .
أحمده سبحانه و أشكره ، و أتوب إليه و أستغفره ، و هو الكبير المتعال ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
و أشهد أن محمداً عبده و رسوله، الداعي إلى الحق ،
و المنقذ بإذن ربه من الضلال ،
صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه خير صحبٍ و آلٍ ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم المآل .
أيها المسلمون
يذكر أهل العلم وجوهاً عدة ، يتبين فيها حضور القلب ،
و يتحقق فيها حال الخشوع ، و حقيقة التعبد .
من هذه الوجوه : الإجتهاد في تفريغ القلب للعبادة ، و الإنصراف عما سواها ،
و يقوى ذلك و يضعف بحسب قوة الإيمان بالله و اليوم الآخر ، و الوعد و الوعيد .
و منها : التفهم و التدبر لما تشتمل عليه الصلاة من قراءة و ذكر و مناجاة ؛
لأن حضور القلب و التخشع و السكون من غير فهم للمعاني لا يحقق المقصود .
و منها : الإجتهاد بدفع الخواطر النفسية ، و البعد عن الصوارف الشاغلة .
و هذه الصوارف و الشواغل عند أهل العلم نوعان :
صوارف ظاهرة و هي ما يشغل السمع و البصر ،
و هذه تعالَج باقتراب المصلي من سترته و قبلته و نظره إلى موضع سجوده ،
و الأبتعاد عن المواقع المزخرفة و المنقوشة ،
و النبي عليه الصلاة و السلام لما صلى في خميصة لها أعلام و خطوط نزعها
و قال عليه صلاة ربى و سلامه :
( إنها ألهتني آنفاً عن صلاتي )
متفق عليه من حديث عائشة .
و النوع الثاني : صوراف باطنة
من تشعب الفكر في هموم الدنيا و أنشغال الذهن بأودية الحياة ،
و معالجة ذلك بشدة و التفكر و التدبر لما يَقرأ و يَذكر و يُناجي .
و مما يعين على حضور القلب ، و صدق التخشع ؛
تعظيم المولى جل و علا في القلب ، و هيبته في النفس ،
و لا يكون ذلك إلا بالمعرفة الحقة بالله عزَّ شأنه ،
و معرفة حقارة النفس و قلة حيلتها ،
و حينئذٍ تتولد الاستكانة و الخشوع و الذل و الإنابة .
أمرٌ آخر أيها الإخوة يحسن التنبيه إليه
و هو دال على نوع من الإنصراف و التشاغل ، مع ما جاء من عظم الوعيد عليه ،
و خطر التهاون فيه ، ذلكم هو مسابقة الإمام في الصلاة ،
فما جعل الإمام إلا ليؤتم به ، فلا تتقدموا عليه ،
فقد قال عليه الصلاة و السلام :
( أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار )
متفق عليه من حديث أبي هريرة .
و في رواية :
( أو صورة كلب )
و أنظروا إلى حال الصحابة رضوان الله عليهم مع نبيهم و إمامهم
محمد صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم ،
يقول البراء بن عازب رضى الله تعالى عنه :
كان خلف النبي عليه الصلاة و السلام فكان إذا انحط من قيامه للسجود ،
لا يحني أحد منا ظهره حتى يضع رسول الله صلى الله عليه و سلم جبهته على الأرض و يكبر ،
و كان يستوي قائماً و هم لا يزالون سجوداً بعد .
و رأى ابن مسعود رجلاً يسابق إمامه
فقال له رضى الله تعالى عنه :
[ لا وحدك صليت ، و لا أنت بإمامك أقتديت ] .
فأتقوا الله يرحمكم الله
و أحسنوا صلاتكم ، و أتموا ركوعها و سجودها ،
و حافظوا على أذكارها، و حسن المناجاة فيها ،
رزقنا الله و إياكم الفقه في الدين و حسن العمل .
ألا و أكثِروا يرحمكم الله
من الصلاة و السلامِ على الحبيب رسولِ الله
كما أمركم بذلك ربّكم جلّ في علاه ،
و هو خير البرية و أزكى البشرية
محمّد بن عبد الله صاحب الحوض و الشفاعة ،
فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه ،
و ثنى بملائكته المسبِّحة بقدسِه ، و أيّه بكم أيها المؤمنون
فقال جلَّ من قائل عليما :
{ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا }
[ الأحزاب : 56 ]
اللّهمّ صلِّ و سلِّم وبارِك على عبدِك و رسولك
سيدنا و نبيِّنا محمّد الحبيب المُصطفى و النبيّ المُجتبى ،
و على آله الطيبين الطاهرين ، و على أزواجِه أمّهات المؤمنين ،
و ارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين : أبي بكر و عمر و عثمان و عليٍّ ،
وعن الصحابة أجمعين ، و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يومِ الدين ،
و عنَّا معهم بعفوِك و جُودك و إحسانك يا أكرم الأكرمين .
و قال عليه الصلاة و السلام فيما أخرجه مسلم في صحيحه :
( مَن صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا ) .
فاجز اللّهمّ عنّا نبيّنا محمّدًا صلى الله عليه و سلم خيرَ الجزاء و أوفاه ،
و أكمله و أثناه ، و أتمَّه و أبهاه ، و صلِّ عليه صلاةً تكون له رِضاءً ،
و لحقِّه أداءً ، و لفضلِه كِفاء ، و لعظمته لِقاء ، و تلقى منك سبحانك قبول و رضاء ،
يا خيرَ مسؤول و أكرمَ مأمول يا رب الأرض و السماء .
اللّهمّ إنّا نسألك حبَّك ، و حبَّ رسولك محمّد صلى الله عليه و سلم ،
و حبَّ العملِ الذي يقرّبنا إلى حبّك .
اللّهمّ اجعل حبَّك و حبَّ رسولك صلى الله عليه و سلم أحبَّ إلينا
من أنفسنا و والدينا و الناس أجمعين .
اللّهمّ أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذلَّ الشركَ و المشركين ،
و أحمِ حوزةَ الدّين ، و أدِم علينا الأمن و الأمان و أحفظ لنا ولاة أمورنا ،
و رد كيد كل من أراد فتنة فى بلادنا فى نحره أو فى أى من بلاد المسلمين
اللّهمّ أمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،
و أنصر عبادَك المؤمنين فى كل بقاع الأرض و أحفظهم
اللّهمّ و اشف مرضاهم و أرحم موتاهم و أجمع شملهم و وحد كلمتهم
اللّهمّ آمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،
و أنصر عبادَك المؤمنين فى كل بقاع الأرض و أحفظهم
و أحفظ أخواننا فى برد الشام و فى فلسطين و مينمار و أفغانستان و جميع المسلمين
اللّهمّ و اشف مرضاهم و أرحم موتاهم و أجمع شملهم و داوى جرحاهم
و تقبل شهداءهم و أحفظ دينعم و أموالهم و أعراضهم
اللّهمّ أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين
اللّهمّ أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين
اللّهمّ أرزقنا الغيت و لا تجعلنا من القانطين
اللّهمّ سقيا رحمة لا سقيا عذاب بفضلك و كرمك يا كريم يا تواب
ثم الدعاء بما ترغبون و ترجون من فضل الله العلى العظيم الكريم
أنتهت