المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النموذج التركي


بنت الاسلام
06-13-2013, 12:08 AM
الأخ الدكتور / نور المعداوى


النموذج التركي
بقلم / الأستاذة إيمان القدوسى

http://f1623.mail.vip.bf1.yahoo.com/ya/download?mid=2%5f0%5f0%5f1%5f24466193%5fADgbDUwAAA pFUbicfwAAAJV1Qz8&pid=5&fid=Inbox&inline=1 (http://www.ataaalkhayer.com/)

كنت أتعجب من حساسية الغرب تجاه تركيا المعاصرة رغم أنها دولة علمانية
أوربية تتسارع خطواتها علي طريق التقدم والنمو وتلتزم بكل المعايير
العالمية ، كما أن مظاهر الحرية المطلقة تبدو جلية في سلوك أهلها
ومظهرهم ، ولكن عندما عشت فيها واختلطت بأهلها ورأيتها من الداخل
فهمت أبعادا كثيرة كانت غائبة عني .

الرؤية من الداخل ليست رؤية سائح يتعرف علي المعالم الأثرية والحضارية
ويلتقط أمامها الصور، ولا يكفي فيها التجول في الأسواق وتبادل التحية
بهزة رأس وابتسامة مع الماره الذين يتفرجون علي السائح كما يتفرج
هو عليهم ، وليست أيضا مشاهدة البرامج التلفزيونية ومطالعة الصحف
والتقارير الرسمية فكل ذلك هو الغطاء الذي يتدثر به المجتمع ـ أي مجتمع ـ
ولكن الحقيقة تكمن هناك في عمق البيوت حيث يتربي الأطفال
وتتحرك النساء بأمان بين المطبخ وحجرات البيت ، الحقيقة تعني
أشواق النفس وملاذها الآمن ، الحقيقة تعني جوهر الفلسفة الكامنة
في الروح والمحركة للسلوك .

وقد أتيحت لي الفرصة كاملة لسبر حقيقة المجتمع التركي فلمدة شهرين
ونصف صرت واحدة من نساء الحي نجتمع كل يوم جمعة في أحد البيوت
بالتبادل لتلاوة القرآن الكريم والتعارف وتبادل الخبرات وهاهي صورة
صادقة أقدمها لكم عن البيت التركي من الداخل .

بداية البيوت التي دخلتها هي بيوت متدينة ونسبتهم حاليا في تركيا
لا تقل بحال عن 20% والنسبة تتزايد باطراد و تعكس ثقافة متأصلة
وعادات اجتماعية راسخة ، أهم صفات البيت التركي هي النظافة الشديدة
والنظام كل شئ في موضعه وكأن البيت ليس به سكان يستخدمونه ،
أيضا الاتقان والاهتمام بالتفاصيل لا يوجد بيت يخلو من المفارش والزهور
والفازات والستائر واللوحات رغم أن بعض تلك البيوت رقيقة الحال جدا .

لا يوجد بيت بلا حديقة يزرعون فيها أشجار التين والمشمش والكرز والتوت
والعنب والزهور بأنواعها المختلفة وخاصة الفل ، أثناء سيرك في الشارع
تلفحك روائح الحدائق ويحيطك عبيرها وعلي طول الطريق تأسف لكم
الفاكهة والزهور التي سقطت علي الأرض بفعل الرياح المستمرة في
هز الشجر حتي في الصيف .

الاحترام والأدب سمة التربية في البيت التركي الصغار يقبلون يد الكبار
ويتلمسون رضاهم ، فتري ضابط الشرطة يجري لتقبيل يد إمام المسجد
الذي يمر أمامه ، الأطفال في البيت لا تسمع لهم هرجا بل يساعدون في تقديم
الخدمات للضيوف ، طفل يجمع مخلفات الطعام وآخر يقوم بإعادة تنظيم
الموائد الصغيرة الخفيفة التي يضعونها أمام كل ضيف علي حدة .

في كل بيت حصالة الصدقات بعضها يردد دعاءا كلما وضعت فيه شيئا ،
موجودة دائما يضع فيها الصغير والكبير والضيف وصاحب البيت ما يخرجه
لله فترسخ في النفس مفهوم الصدقة والتعاطف مع الغير ،
لا يوجد إسراف في البيت التركي ولا تقدم موائد عامرة بما لذ وطاب
للضيوف فيأكلون القليل ويهدر الباقي سرفا وسفها ،
رأيت كل ضيفة تحدد ما تحتاجه بالضبط فتقول أريد نصف الكمية
أو لا أريد هذا الصنف أو أريد حبه واحدة من الفاكهة وينفذ طلبها
بلا حساسية ، لا توجد مجاملات من نوعية
( كلي هذه عشان خاطري ،تذوقي تلك ،
لكنك لم تأكلي شيئا أكلنا لا يعجبك أكيد )
الأمر يمضي بسلاسة ولايترك في الأطباق شيئا .

مفهوم التدين لديهم هو العمل والفعل وليس الجدل والشكل ،
فهم يبحثون دائما عن ممارسة الإسلام وليس الحديث حوله ،
يتمني كل منهم أن تتاح له فرصة خدمة غيره أو مساعدة غريب
أو محتاج ولا أنسي الرجل التركي رقيق الحال الذي ظل يلح علي زوجي
لاستخدام تليفونه المحمول في أول يوم لوصولنا وكنا في مسيس الحاجة
للتليفون فعلا وبذل محاولات عديدة حتي استجاب من نريده
وتم الاتصال وعندما شعر بأنه نجح في فك أزمتنا أشرق وجهه بالفرح
ولم ينتظر منا كلمات الشكر بل ظل يردد ( الدعاء الدعاء )

هناك يقين أن ما يفعله المسلم يقصد به وجه الله وحده وهذا يطرد من النفس
الكبر والغرور والجدل وانتقاد الغير وتتبع عورات الآخرين ،
الإنسان التركي متدين بفطرته فلسفته وثقافته وعاداته الاجتماعية
مستمدة من الإسلام وحتي الشباب والفتيات الذين تبدو علي مظهرهم
البعد عن الدين فإن الدافع الديني كامن بداخلهم وسيظهر يوما .

هذا لا يعني المثالية ولكنه يعني فقط أن بلد الخلافة الإسلامية الأخيرة
مازالت تحتضن جذورها وبذورها في تربتها ، ويعني أيضا أن النموذج
التركي يخيف فعلا الكثيرين في الغرب والشرق .