المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من سار نحو الهداية يسر الله له سبلها


بنت الاسلام
06-16-2013, 07:16 PM
الأخ / مصطفى آل حمد


من سار نحو الهداية يسر الله له سبلها

http://f1623.mail.vip.bf1.yahoo.com/ya/download?mid=2%5f0%5f0%5f1%5f24628226%5fAILvHkgAAB EFUb3N0AAAAO1zkqE&pid=5&fid=Inbox&inline=1 (http://www.ataaalkhayer.com/)

الحمد لله رب العالمين،

والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين،

اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم،

اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما،

وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا أتباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه

واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه

وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.

من الفوائد لابن القيم

من سار نحو الهداية يسر الله له سبلها

تكرر في القرآن جعل الأعمال القائمة بالقلب والجوارح

سبب الهداية والإضلال,

فيقوم القلب والجوارح أعمال تقتضي الهدى اقتضاء السبب لمسببه

والمؤثرة أثره.

وكذلك الضلال, فأعمال البر تثمر الهدى, وكلما ازداد منها ازداد هدى.

وأعمال الفجور بالضد,

وذلك أن الله سبحانه يحب أعمال البر فيجازي عليها بالهدى والفلاح,

ويبغض أعمال الفجور ويجازي عليها بالضلال والشقاء.

وأيضا

فانه البر ويحب أهل البر فيقرب قلوبهم منه بحسب ما قاموا به من البر,

ويبغض الفجور وأهله فيبعد قلوبهم منه بحسب ما اتصفوا به من الفجور,

فمن الأصل الأول قوله تعالى :

{ الم {1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }

[ البقرة 1- 2 ] ,

وهذا يتضمن أمرين :

الأمر الأول :

أنه يهدي من اتقى مساخطه قبل نزول الكتاب,

فان الناس على اختلاف مللهم ونحلهم قد استقر عندهم

أن الله سبحانه يكره الظلم والفواحش والفساد في الأرض ويمقت فاعل ذلك,

ويحب العدل والإحسان والجود والصدق والإصلاح في الأرض,

ويحب فاعل ذلك. فلما نزل الكتاب,

أثاب سبحانه أهل البر بأن وفقهم للإيمان به جزاء لهم على برهم وطاعتهم,

وخذل أهل الفجور والفحش والظلم بأن حال بينهم وبين الاهتداء به.

بنت الاسلام
06-16-2013, 07:20 PM
والأمر الثاني :

أن العبد آمن بالكتاب واهتدى به مجملا وقبل أوامره وصدق بأخباره,

وكان ذلك سببا لهداية أخرى تحصل له على التفصيل.

فان الهداية لا نهاية لها ولو بلغ العبد فيها ما بلغ,

ففوق هدايته هداية أخرى وفوق تلك الهداية هداية أخرى الى غير غاية.

فكلما اتقى العبد ربه ارتقى الى هداية أخرى,

فهو من مزيد هداية ما دام في مزيد من التقوى.

وكلما فوّت حظا من التقوى فاته حظ من الهداية بحسبه,

فكلما اتقى زاد هداه, وكلما اهتدى زادت تقواه.

قالتعالى :

{ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ {15}

يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ

بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

[ المائدة : 15 – 16 ]

وقال تعالى :

{ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }

[ الشورى : 13 ]

وقال تعالى:

{ سَيَذَّكَّرُمَن يَخْشَى }

[ الأعلى : 10 ]

وقال :

{ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ }

[ غافر : 13 ]

وقال :

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ }

[ يونس : 9 ]

فهداهم أولا للإيمان, فلما آمنوا هداهم للإيمان هداية بعد هداية,

ونظير هذا قوله تعالى :

{ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى }

[ مريم : 76 ]

وقوله تعالى :

{ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً }

[ الأنفال : 29 ]

ومن الفرقان ما يعطيهم من النور الذي يفرقون به بين الحق والباطل,

والنصر والعز الذي يتمكنون به من أقامة الحق وكسر الباطل,

فسر القرآن هذا بهذا.

وقال تعالى :

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ }

[ سبأ : 9 ]

وقال :

{ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }

[ 31من سورة لقمان, والآية 5من سورة إبراهيم,

والآية 19 من سورة سبأ, والآية 33من سورة الشورى ] .

فأخبر عن آياته المشهودة العيانية أنها أنما ينتفع بها أهل الصبر الشكر,

كما أخبر عن آياته الإيمانية القرآنية أنها

أنما ينتفع بها أهل التقوى والخشية والإنابة ومن كان قصده أتباع رضوانه,

وأنها أنما يتذكر بها من يخشاه سبحانه

كما قال :

{ طه {1} مَاأَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى {2} إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى }

[ طه : 1 – 3 ]

وقال في الساعة :

{ إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا }

[ النازعات : 45 ]

وأما من لا يؤمن بها ولا يرجوها ولا يخشاها

فلا تنفعه الآيات العيانية ولا القرآنية.

ولهذا ذكر الله سبحانه في سورة هود عقوبات الأمم المكذبين للرسل

وما حل بهم في الدنيا من الخزي,

قال بعد ذلك :

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْخَافَ عَذَابَ }

[ هود : 103 ]

فأخبر أن في عقوباته للمكذبين عبرة لمن خاف عذاب الآخرة.

وأما من لا يؤمن بها ولا يخاف عذابها فلا يكون ذلك عبرة وآية في حقه,

وإذا سمع ذلك قال :

[ لم يزل في الدهر الخير والشر, والنعيم والبؤس, والسعادة والشقاوة ] .

وربما أحال ذلك على أسباب فلكية وقوى نفسانية.

وإنما كان الصبر والشكر سببا لانتفاع صاحبهما بالآيات,

لأن الأيمان يبني على الصبر والشكر, فنصفه صبر ونصفه شكر,

فعلى حسب صبر العبد وشكره تكون قوة إيمانه.

وآيات الله إنما ينتفع بها من آمن بالله وآياته,

ولا يتم له الأيمان إلا بالصبر والشكر, فان رأس الشكر التوحيد,

ورأس الصبر ترك إجابة داعي الهوى.

فإذا كان مشركا متبعا هواه لم يكن صابرا ولا شكورا,

فلا تكون الآيات نافعة له ولامؤثرة فيه إيمانا

بنت الاسلام
06-16-2013, 07:22 PM
وأما الأصل الثاني :

وهو اقتضاء الفجور والكبر والكذب للضلال فكثير أيضا للقرآن كقوله تعالى :

{ يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ {26}

الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ

وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }

[ البقرة : 26 – 27 ]

وقال تعالى :

{ يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ

وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ }

[ إبراهيم : 27 ]

وقال تعالى :

{ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ }

[ النساء : 88 ]

وقال تعالى :

{ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }

[ البقرة : 88 ]

وقال تعالى :

{ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ }

[ الأنعام : 110 ]

فأخبر أنه عاقبهم على تخلفهم عن الأيمان

لما جاءهم وعرفوه وأعرضوا عنه بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم

وحال بينهم وبين الأيمان,

كما قال تعالى :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْاسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ

وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ }

[ الأنفال: 24 ]

فأمرهم بالاستجابة له ولرسوله حين يدعوهم الى ما فيه حياتهم,

ثم حذّرهم من التخلف والتأخرعن الاستجابة الذي يكون سببا

لأن يحول بينهم وبين قلوبهم.

قال تعالى :

{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }

[ الصف : 5 ]

وقال تعالى :

{ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ }

[ المطففين : 14 ]

فأخبر سبحانه أن كسبهم غطى على قلوبهم وحال بينها وبين الايمان بآياته,

فقالوا :

{ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ }

[ الأنعام : 25 ]

وقال تعالى في المنافقين :

{ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ }

[ التوبة : 67 ]

فجازاهم على نسيانهم له أن نسيهم فلم يذكرهم بالهدى والرحمة,

وأخبر أنه أنساهم أنفسهم فلم يطلبوا كمالها بالعلم النافع والعمل الصالح

وهما الهدى ودين الحق,

فأنساهم طلب ذلك ومحبته ومعرفته والحرص عليه عقوبة لنسيانهم له,

وقال تعالى في حقّهم :

{ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ {16}

وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ }

[ محمد : 16 – 17 ]

فجمع لهم بين أتباع الهوى والضلال الذي هو ثمرته وموجبه

كما جمع للمهتدين بين التقوى والهدى.

في الله أخوكم مصطفى الحمد