المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ليله النصف من شعبان / نبيل الرفاعى


vip_vip
07-28-2010, 01:03 PM
أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة
×××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××× ×××××××××××××××××××××××××××××××
http://us.mg4.mail.yahoo.com/ya/download?mid=1%5f7735%5fAOcNw0MAANcUTEth2QDpaHrPd7 I&pid=1.6&fid=adnan&inline=1
الحمد لله ، شرح بفضله صدور أهل الايمان بالهدى ،
و أضل من شاء بحكمته وعدله فلن تجد له ولياً مرشداً .
أحمده سبحانه و أشكره ، و أتوب إليه و أستغفره ،
أحاط بكل شيءٍ علماً ، و أحصى كل شيءٍ عدداً ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهاً واحداً فرداً صمداً ،
و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبده و رسوله كرم أصلاً و طاب محتداً .
خصه ربه بالمقام المحمود و سماه محمداً ،
صلى الله و سلم و بارك عليه وعلى آله وأصحابه هم النجوم بهم يهتدى ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان و سار على نهجهم و اقتدى .
أمـــا بعـــد:
فأوصيكم ـ أيها الناس ـ و نفسي بتقوى الله عز و جل ،
اتقوا الله و أصلحوا ذات بينكم و أطيعوا الله و رسوله إن كنتم مؤمنين .
أصلحوا ذات بينكم ، فالإصلاح مصدر الطمأنينة و الهدوء و مبعث الاستقرار و الأمن ،
و ينبوع الألفة و المحبة . إنه عنوان الإيمان في الإخوان :
(( إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ))
[ الحجرات:10 ] .
معاشر المؤمنين :
روى ابن حبان في صحيحه من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال :
قال رسول الله (صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم) :
(( يطلع الله إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ))
و المشرك : كل من أشرك مع الله شيئا في ذاته تعالى ،
أو في صفاته ، أو في عبادته . و المشاحن : هو المعادي ، و الشحناء هي العداوة .
عباد الله : ومع اقتراب هذه الليلة الفضيلة و دنوها ،
و الجميع يرنو إلى نيل ما فيها من العفو و الغفران ، يستعذب الحديث و يستحسن ،
عن الإصلاح بين الناس ، و بيان مسلكه و كيفيته ،
و التحذير من الشحناء و الخصومة و التمادي فيهما .
أيها الإخوة ، لقد أقضت مضاجع القضاة القضايا ، و امتلأت كثيراً من السجون بالبلايا ،
ناهيك بما في مراكز الشرطة و أسِرَة المشافي من المآسي .
إن التنازع و التشاحن مفسد للبيوت و الأسر، مهلك للشعوب و الأمم ،
سافك للدماء ، مبدد للثروات .
(( وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ ))
[ الأنفال:46 ] .
بالخصومات و المشاحنات تنتهك حرمات الدين ، و يعم الشر القريب و البعيد .
و من أجل ذلك سمى رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) فساد ذات البين بالحالقة ،
فهي لا تحلق الشعر و لكنها تحلق الدين .
إن الأمة تحتاج إلى إصلاح يدخل الرضا على المتخاصمين ،
و يعيد الوئام إلى المتنازعين .
إصلاح تسكن به النفوس ، و تأتلف به القلوب . إصلاح يقوم به عصبة خيرون ،
شرفت أقدارهم ، و كرمت أخلاقهم ، و طابت منابتهم ،
و إنهم بمثل هذه المساعي الخيرة يبرهنون على نبل الطباع و كرم السجايا .
فئات من ذوي الشهامة من الرجال و المقامات العلية من القوم ،
رجال مصلحون ذو خبرة و عقل و إيمان و صبر ،
يخبرون الناس في أحوالهم و معاملاتهم ،
حذاق في معالجة أدوائهم ،
أهل إحاطة بنفوس المتخاصمين و خواطر المتباغضين و السعي بما يرضي الطرفين .
أيها الإحبة ، إن سبيل الإصلاح عزيمة راشدة ، و نية خيرة ، و إرادة مصلحة .
و بريد الإصلاح ، حكمة المنهج ، و جميل الصبر ، و طيب الثناء ،
سبيل و بريد يقوم به لبيب تقي ، يسره أن يسود الوئام بين الناس :
(( وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً ))
[ النساء:129 ] .
أيها الإخوة ، و للإصلاح فقه و مسالك دلت عليها نصوص الشرع
و سار عليها المصلحون المخلصون . إن من فقه الإصلاح حسن النية ،
و ابتغاء مرضاة الله ، و تجنب الأهواء الشخصية و المنافع الدنيوية .
إذا تحقق الإخلاص حل التوفيق و جرى التوافق
و أنزل الثبات في الأمر و العزيمة على الرشد .
أما من قصد بإصلاحه الترؤس و الرياء و ارتفاع الذكر و الاستعلاء
فبعيد أن ينال ثواب الآخرة ، و حري ألا يحالف التوفيق مسعاه
(( وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتَغَاء مَرْضَـٰتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ))
[ النساء:114 ] .
و من فقه الإصلاح سلوك مسلك السر و النجوى .
فلئن كان كثير من النجوى مذموماً فإن ما كان من صدقة أو معروف
أو إصلاح بين الناس فهو محمود مستثنى :
(( لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ
وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتَغَاء مَرْضَـٰتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ))
[ النساء:114 ] .
أيها الإخوة ، و هذا فقه في الإصلاح دقيق، فلعل فشل كثير من مساعي الصلح
بسبب فشو الأحاديث ، و تسرب الأخبار ، و تشويشات الفهوم
مما يفسد الأمور المبرمة و الاتفاقيات الخيرة .
إن من الخير في باب الإصلاح أن يسلك به مسلك النجوى و المسارة ،
فمن عرف الناس و خبر أحوالهم لا سيما فيما يجري بينهم من منازعات و خصومات
و ما يستتبع ذلك من حبٍ للغلبة و انتصار للنفس أدرك دقة هذا المسلك وعمق هذا الفقه .
إن من الناس من يأبى أن يسعى في الصلح فلان أو فلانةٌ ،
و آخر يصر على أن تكون المبادرة من خصمه .
و تمشياً مع هذه المسالك السرية و التحركات المحبوكة أذن الشارع للمصلح
بنوع من الكذب في العبارات و الوعود .
(( فليس الكذاب بالذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً )) .
هذا هو حديث رسول الله (صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم) ،
و في خبر آخر عنه يقول عليه أفضل الصلاة و السلام :
(( لا يصلح الكذب إلا في ثلاث ؛ رجل يصلح بين اثنين ،
و الحرب خدعة ، و الرجل يصلح امرأته )) .
و يقول نعيم بن حماد : قلت لسفيان بن عيينة :
أرأيت الرجل يعتذر من الشيء عسى أن يكون قد فعله و يُحرِّف فيه القول
ليرضي صاحبه أعليه فيه حرج ؟ قال : لا .
ألم تسمع قوله ( صلى الله عليه و سلم ) :
(( ليس بكاذب من قال خيراً، أو أصلح خيراً، أو أصلح بين الناس )) ،
و قد قال الله عز و جل :
(( لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَـٰحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ
وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ ٱبْتَغَاء مَرْضَـٰتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ))
[ النساء:114 ] .
إنها النفوس الشحيحة التي تحمل صاحبها وغيرها على ما تكره .
و لكن في مقابل هذه النفوس الشحيحة يترقى أصحاب المروءات من المصلحين الأخيار
ليبذلوا و يغرموا ، نعم يبذلون الوقت و الجهد، و يصرفون المال و الجاه ،
و لقد قدر الإسلام مروءتهم ، و حفظ لهم معروفهم ،
فجعل في حساب الزكاة ما يحمل عنهم غرامتهم ـ بارك الله فيهم ـ
لئلا يُجْحِفَ ذلك بسادات القوم المصلحين .
أيها الإخوة في الله ، و ميدان الصلح واسع عريض ؛ في الأفراد و الجماعات
و الأزواج و الزوجات ، و الكفار و المسلمين ، و الفئات الباغية و العادلة ،
في الأموال والدماء ، و النزاع و الخصومات .
و من أجل ذلك فقد عظم ثوابه ، و كبر أجره ،
فهو أفضل من درجة الصيام و الصلاة و الصدقة ،
فقد قال عليه الصلاة و السلام ألا أدلكم على أفضل
من درجة الصلاة والصيام و الصدقة ؟
قالوا : بلى يا رسول الله ، قال :
(( إصلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة ،
لا أقول تحلق الشعر و لكن تحلق الدِّينَ )) .
ولقد باشر الصلح بنفسه عليه الصلاة والسلام حين تنازع أهل قباء،
فندب أصحابه وقال: (( اذهبوا بنا نصلح بينهم )) .
و خرج عليه الصلاة و السلام للإصلاح بين أناس من بني عوف
حتى تأخر عن صلاة الجماعة . إذا كان الأمر كذلك ـ أيها الاخوة ـ ،
فمن ذا الذي لا يقبل الصلح و لا يسعى فيه ، ليسوا إلا أناس قد قست قلوبهم ،
و فسدت بواطنهم و خبثت نياتهم ؛ حتى كأنهم لا يحبون إلا الشر ،
ولا يسعون إلا في الفساد ، و لا يجنحون إلا إلى الظلم .
و الأشد و الأنكى أن ترى فئات من الناس ساءت أخلاقها ، و غلظت أكبادها ،
لا يكتفون بالسكوت و السكون ، بل في أجوائهم يستفحل الخصام ، و يقسو الكلام ،
و ما أشبه هؤلاء بأعداء الإسلام و أهل النفاق ، إنهم يلهبون نار العداوة
و يوقدون سعير البغضاء كلما خبت نار الفتن أوقدوها .
و لا غرو بعد ذلك أن تضيع الحقوق ، و تهدر الحرمات ، و يرق الدين ، و تنزع البركات .
ألا فاتقوا الله رحمكم الله ، اتقوه و أصلحوا ذات بينكم ،
جعلنا الله و إياكم ممن شملتهم مغفرته و رحمته ، إنه سميع مجيب .
أخوانى و أخواتى المسلمين و المسلمات
فأن الحمد لله ، لا تحصى نعمة و لا تحد ،
أحمده سبحانه و أشكره و أتوب إليه و أستغفره ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفواً أحد ،
و أشهد أن سيدنا ونبينا رسول الله محمد ،
اللهم صل و سلم و بارك على محمد و على آل محمد و التابعين
و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد : فاتقوا الله أيها الناس ، فتقوى الله خير زاد .
عباد الله : يقول الرسول ( صلى الله عليه و سلم )
في الحديث الصحيح الآخر الذي يرويه أبو ثعلبة الخشني :
(( إذا كان ليلة النصف من شعبان يطلع الله إلى خلقه
فيغفر للمؤمنين
و يترك أهل الضغائن و أهل الحقد بحقدهم ))
أخرجه الطبراني و غيره .
أيها الإخوة ، الكريم لا يحقد و لا يحسد و لا يبغي و لا يفجر ،
إن بلغه عن أخيه ما يكرهه التمس عذراً ، فقد علم أن الاعتذار يذهب الهموم ،
و يجلي الأحزان ، و يرفع الأحقاد ، و يزيل الصدود .
إن حقاً على ـ إخوة الإيمان ـ أن يسود بينهم أدب المحبة ، أدب ينفي الغش والدغل
مع استسلام لله بما يصنع ، و رضاً بما يكتب .
اسمعوا رحمكم الله إلى هذا الحديث :
روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) قال :
(( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين و يوم الخميس ،
فيغفر الله لكل عبد مسلم لا يشرك إلا رجلاً كانت بينه و بين أخيه شحناء ،
فيقال : أنظروا هذين حتى يصطلحا ، أنظروا هذين حتى يصطلحا )) .
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله :
يدل هذا الحديث على أن الذنوب إذا كانت بين العباد فسامح بعضهم بعضاً
سقطت المطالبة بها من قبل الله عز و جل .
الله أكبر يا عباد الله :
(( مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ ))
[ النساء:147 ] .
و سمع رسول الله (صلى الله عليه و سلم ) صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما ؛
إذ أحدهم يستوضع الآخر و يسترفقه – أي يطلب منه أن يخفف عنه دينه - ،
و هو يقول : و الله لا أفعل . فخرج عليهما رسول الله
( صلى الله عليه وسلم ) و هو يقول :
(( أين المتألي على الله ألا يفعل المعروف ؟ ))
فقال : أنا يا رسول الله .
فله أي ذلك أحب .
فعدل الرجل عن يمينه ، و استجاب لتذكير رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) ،
طاعة لله و رسوله ، و استجابة لداعي الحق .
و ثمة أمر آخر ياعباد الله ينبغي التنبيه إليه :
ألا و هو أن جميع الأحاديث الأخرى التي وردت في
تخصيص ليلة النصف من شعبان بصيام أو قيام
هي أحاديث إما ضعيفة أو موضوعة لم يثبت صحتها و نسبتها
إلى الصادق المصدوق ( صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم ) .
ألا فأتقوا الله رحمكم الله ؛ و لا تكلفوا أنفسكم مالم يكلفكم به ربكم جل و علا ،
فمن أراد الثواب الجزيل و الذكر الجميل و راحة القلب فليحلم على الجاهل ،
و ليعفو عن المعتدي و ليقبل الصلح فذلك أدعى لنيل المغفرة و الرضوان
(( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ ))
[الشورى:4].
هذا وصلوا وسلموا على نبي الهدى و دين الحق ،
اللهم صل و سلم و بارك عليه و على آله و أصحابه
و أتباعه بإحسان إلى يوم الدين .