المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قلوب العذارى: بين سي عبده وسي تامر


vip_vip
08-02-2010, 12:04 AM
قلوب العذارى: بين سي عبده وسي تامر


بقلم الأستاذة / إيمان القدوسي




لست من جيل (عبده الحامولي) ولكني قرأت عن افتتان الفتيات بصوته وأغانيه وكان (سي عبده) فتي أحلامهن القادر علي تحريك المشاعر الرقيقة التي مازالت تتفتح ، ولست أيضا من جيل (تامر حسني) فقد ظهر بعد أن أخذتنا المسئوليات بعيدا جدا ، لم أسمع عنه إلا بخصوص أزمة تهربه من الخدمة العسكرية التي لا أعرف كيف تمت تسويتها ، ولكني شاهدته مؤخرا عندما استضافه (عمرو الليثي) في برنامجه (واحد من الناس) وقد كان مفاجأة حقيقية بالنسبة لي.
كان الفتي يتحدث بأسلوب خاص شاعري وعاطفي وكأنه يناجي حبيبته ويبدو أنه يعرف أن رسالته موجهة للفتيات المولعات به وليست موجهة للمذيع أو للمشاهدين (البايخين) من أمثالي ، كان (يمثل) دور فارس الأحلام الرومانسي باقتدار ، أكبر مفاجأة بالنسبة لي كانت مشاهد الفتيات في حفلاته وهن يسقطن صرعي هواه ويتم حملهن علي نقالة الإسعاف ، ومن تماسكت منهن فقد أظهرت عبر الصراخ والبكاء واللوعة الشديدة مشاعر أكثر كثيرا مما يحتمله الموقف الذي هو مجرد الاستماع لمغني عادي جدا جدا.
وهنا قفزت (لماذا) كبيرة في دماغي ، قبل أن نظلم الفتيات والجيل الجديد ونتهمهن بالتفاهة والهيافة والبعد عن الدين لماذا لا نفكر بموضوعية في الأمر ؟
تأثير الغناء في الجنس الناعم معروف منذ القدم ومن أدلة ذلك الحديث النبوي الشريف والشهير حين كان الحادي (وهو من يقوم بالغناء أثناء سفر القافلة) وقد أخذه الطرب فقال كلاما رقيقا عذبا حتي تمايلت الإبل علي صوته فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم (يا أنجشه رفقا بالقوارير) أنجشة هو اسمه والقوارير هن النساء في الهودج يستمعن.
ويقول الشاعر أحمد شوقي في قصيدته
خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء
ثم يقول
أنتم الناس أيها الشعراء فاتقوا الله في قلوب العذاري
فالعذاري قلوبهن هواء
وعلي مدار التاريخ كان دائما هناك ذلك المطرب الذي يحرك القلوب (محمد عبد الوهاب) ثم (عبد الحليم حافظ) ثم (عمرو دياب)
بالنسبة لعبد الحليم حافظ بالذات تبدو المسألة محيرة فهو شاب نحيل عليل بعيد كل البعد عن الوسامة والقوة فماهو السر الذي يجذب الفتيات تحديدا ؟
السبب الأول هو وجود عاطفة جياشة قوية لدي الفتيات ، تلك العاطفة التي أودعها المولي عز و جل في قلوبهن تمهيدا للقيام بدورهن في الحياة بعد ذلك كزوجة محبة وأم حنون وراعية و حافظة للأسرة والمجتمع ، ولذلك تتماس الكلمات الرقيقة والصوت العذب معها ، وتكون كقطرات الندي التي تبلل البراعم المتفتحة.
السبب الثاني هو الصورة الذهنية للمطرب التي يصنعها الإعلام والدعاية المكثفة وتكون صورة متضخمة يلعب الخيال فيها دورا كبيرا وتكون الهالة التي تكونت حول الشخص أكبر كثيرا من حقيقته ولذلك طالما هو شهير ومؤثر فلا تهم كثيرا صفاته أو أوصافه الحقيقية.
أما السبب الثالث والأخير فهو تأثير السلوك الجمعي فالفتيات أكثر استجابة للإيحاء ولذلك تتجه المشاعر بشكل جماعي في اتجاه مطرب معين دون غيره من المطربين والذين قد يكون بينهم من يفضله صوتا وفنا.
فتاة صغيرة حالمة معجونة بالعاطفة الرقيقة والخيال سمعت صوتا عذبا يناجيها بأرق الألفاظ وأجملها وصاحب الصوت تحول بواسطة الدعاية إلى أسطورة وتجسيد حي لفتي الأحلام وهناك تدافع وتنافس من كل الفتيات عليه كل هذا يصنع الفواجع التي نراها وخاصة عندما يصادف ذلك قلبا خاليا من كل المشاغل والاهتمامات فيتمكن منه ويستقر.
وقد زاد هذا التأثير في العصر الحالي بشكل كبير وخطير من حيث عدد الفتيات ودرجة الشغف ، فقد كانت بنات الأمس تحت السيطرة أما بنات اليوم فحدث ولا حرج وذلك بسبب الحرية المتزايدة للفتيات وتأخر سن الزواج و ازدياد أهمية وتأثير الإعلام المرئي وسطوة العالم الافتراضي الخيالي الذي نعيش في ظله.
تتغاضي الأسر عن هذا الولع والشغف علي أساس أنه أخف وطأة من غيره فهو مجرد إعجاب بنجم من بعيد ، وهي فورة مراهقة وستذهب لحالها ، ولكن هذا الحال يحتاج وقفة أرجو ألا تكون للشجب والاستنكار و رمي البنات بكل الاتهامات الممكنة ، وأتمني أن تكون لطرح البدائل.
كيف نوجه عاطفة البنات الجياشة تلك لما فيه خيرهن وخير مجتمعهن ؟
هناك فتيات يتجهن للعمل الخيري ، وأعرف منهن فتيات جمعية رسالة وعن طريق مواساة الفقراء والأيتام والمسنين يوظفن طاقة الحب والرحمة والرعاية خير توظيف.
وهناك نسبة أكبر توظفها داخل أسرتها في مساعدة أمها أو رعاية جدتها أو العناية بإخوتها الصغار ، وهناك من يتجهن لممارسة الفنون الراقية كالرسم والكتابة ، أو ممارسة الرياضة أو ابتكار نشاط جديد يستوعبها تماما مثل (تصميم الأزياء) أو غيره.
في المدارس والجامعات لم تعد هناك أنشطة دينية أو سياسية لأسباب أمنية ولم تعد هناك أنشطة المدارس التقليدية (التدبير المنزلي وأشغال الإبرة و الصحافة والإذاعة المدرسية) لأسباب مادية ولم تعد هناك أنشطة ترفيهية أو تربوية لأن المدرسة أصبحت مجرد مكان يتكدس فيه الطلاب ، فصار منفذ الطاقة الوحيد المتاح للشباب هو التعصب الكروي أما البنات الفارغات فلا مجال أمام الانفجار العاطفي لديهن سوي التعصب لـ (سي تامر) .