المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رعاية الآثار النبوية


هيفولا
09-28-2013, 11:32 PM
رعاية الآثار النبوية


دعبد الوهاب الطريري

1- الآثار النبوية هي الوعاء المكاني للحدث الزماني، ورؤيتها مؤثرة في النفس، وناطقة بالحدث ومبينة له.
2- الوقوف على الآثار فطرة بشرية، ولذا كثر في أشعار الجاهلية والإسلام الحنين للأماكن والتشوق إليها لما ارتبط بها من أحداث، ولم يأت الإسلام بكبت هذه المشاعر الفطرية، أو مصادرتها.
3- وفي هدي النبي صلى الله عليه وسلم استنطاق للمكان، حيث يُنْزِل الحدث الزماني في وعائه المكاني، ليجعل المكان ناطقاً بما حدث ومن ذلك.
4- قوله صلى الله عليه وسلم : «والذي نفسي بيده، ليُهلَّن ابن مريم بفجِّ الرَّوحاء، حاجًّا، أو معتمرًا، أو لَيَثنينَّهما». فذكر المكان توثيقاً لصورة الحدث، والأظهر أنه ذكر ذلك وهو بفج الروحاء.
5- وعندما مر بوادي الأزرق قال: «أيُّ واد هذا؟». قالوا: وادي الأزرق. قال: «كأني أنظرُ إلى موسى عليه السلام هابطًا من الثنيَّة، وله جُوارٌ إلى الله بالتلبية».
كان يمكن أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا وهو بالمدينة، ولكنه قاله في نفس المكان الذي مر به موسى ليكون ثمة ربط بين الحدث ومكانه.
6- عندما مر بثنية هَرشَى قال: «أي ثَنية هذه؟». قالوا: ثنية هَرشى. قال: «كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء، عليه جبةُ صوف، خطام ناقته ليفٌ خُلبة، مارًّا بهذا الوادي ملبيًّا» .
7- وعندما مر بوادي عُسفان قال: «أيُّ واد هذا؟». قالوا: وادي عُسفان. قال: «لقد مرَّ به هودٌ وصالحٌ على بكرات حُمر خطمها اللّيف، أزرهم العَباء، وأرديتهم النَّمار، يلبون يحجون البيت العتيق».
لقد حكى النبي صلى الله عليه وسلم الحدث في مكانه وربط المكان بالزمان تجلية للحدث.
-استدعى النبي ذاكرة المكان لمسجد الخيف فأنزل الحدث الزماني في الوعاء المكاني فاكتمل المشهد كأنه رأي عين، فقال صلى الله عليه وسلم : (صلى في مسجد الخيف سبعون نبياً منهم موسى كأني انظر إليه وعليه عباءتان قطوانيتان وهو محرم...).
وفي حجة الوداع حينما انصرف صلى الله عليه وسلم من منى قيل له أين تنزل غداً؟ قال: في خيف بني كنانة حيث تعاقدوا على الكفر.
لقد جعل صلى الله عليه وسلم النزول فيه مجال استذكار واستنطاق لذاكرة المكان، وربط بين المكان والحدث ليكون في نزوله فيه إظهاراً لإظهار الله له على الدين كله، واسترجاعاً لما تعرض له في سبيل بلاغ الرسالة وإظهار الدين.
وتعاقب على النزول في المحصب أبو بكر وعمر والخلفاء من بعدهم.
وقد تتبع الصحابة رضي الله عنهم هذه الآثار بفطرتهم البشرية، وفقههم ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهذا عبد الله بن عمر يحكي أنهم لما عادوا إلى شجرة الرضوان من العام المقبل قال: فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها.
ولاحظ قوله: فما اجتمع منا اثنان. إنه عمل جماعي للصحابة يتطلبون المكان الذي وقعت تحته بيعة الرضوان.
ومثله ما رواه سعيد بن المسيب عن أبيه المسيب بن حزن وكان ممن بايع تحت الشجرة، قال: (فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها، فلم نقدر عليها).
وقوله: (فلم نقدر عليها). يدل على جهد جماعي في طلبها.
ويوضحه ما ذكره الحاكم في علوم الحديث عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: طلبناها غير مرة فلم نجدها.
وجاء عن أسماء رضي الله عنها أنها كانت كلما نزلت من الحَجُون قالت: صلى الله على رسوله وسلم، لقد نزلنا معه ها هنا ونحن خفافُ الحقائب، قليلٌ ظَهرنا، قليلةٌ أزوادنا.
فكانت رؤية المكان مهيجة لاستدعاء الحدث.
8- وكان ابن عمر يتتبع الأماكن التي نزل فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو صلى تحتها في طريق مكة، فإذا كان هذا فيما نزل فيه نزولاً عارضاً في الطريق فكيف بما تردد عليه أو أقام فيه.
-وكان ابن عمر من أكثر الصحابة مبالغة في تتبع أثر النبي حتى قال نافع: لو نظرت إلى ابن عمر إذا اتبع أثر النبي لقلت هذا مجنون.
- رأى أنس النبي يتتبع الدباء ـ القرع ـ من جوانب القصعة فقال: «فلم أزل أحب الدُّبَّاء من يومئذ» فإذا أحب أنس طعاما أكله النبي أفلا نحب مكانا نزل به النبي وصلى.
-وتبع الصحابةَ على ذلك التابعون لهم بإحسان، فهذا عمر بن عبد العزيز تتبع في أمارته في المدينة سنة 89 هـ الأماكن التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم فبنى فيها مساجد بالحجارة المطابقة، وبعض ما بناه باق إلى يومنا هذا، وكان ذلك بمشهد و رضا من الصحابة الذين أدركهم وجلة التابعين الذين كانوا في المدينة .
- وبقيت المدينة النبوية يتعاقب فيها العلماء وأئمة الإسلام كالزهري والإمام مالك وابن أبي ذئب ومن تبعهم بإحسان من علماء الإسلام ، وهذه الآثار قائمة محفوظة ولم ينقل عن أحد منهم حرف أو أقل منه في طمسها أو إزالتها، وحاشاهم.
- شاور هارون الرشيد الإمام مالكا أن ينقض منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجعله من ذهب وفضة وجوهر فقال له الإمام مالك: لا أرى أن يحرم الناس أثر رسول الله. فترك هارون ذلك.
9- وقد روى البخاري الأماكن التي نزلها النبي صلى الله عليه سلم في الطريق من المدينة إلى مكة موضعاً موضعاً وكذلك فصلها الحافظ ابن كثير في بسط مفصل، فما الحكمة من ذكرها وروايتها.
- نحن الأمة الوحيدة في العالم التي تستطيع أن تثبت تاريخياً وهي تشير: هنا عاش نبينا، هنا أوحي إليه ، هنا مشى، هنا صلى، هنا توفي ودفن .
-ارتبطت مشاعر المسلمين بآثار النبي محبة وتشوقا، فعندما ورد كتاب الوليد بنقض حجرات الرسول لم يُر في المدينة باكياً أكثر من ذلك اليوم.
- فقهاء المدينة أبو سلمة بن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد، وأبو أمامة بن سهل لما نقضت حجرات النبي بكوا حتى اخضلت لحاهم من الدمع
- بقيت هذه الآثار النبوية تتداولها بالحفظ والرعاية أجيال المسلمين ودول الإسلام إلى عصرنا هذا الذي جرى فيه على بعضها ما جرى.
-بقي الحديث عما يروى عن عمر رضي الله عنه من قطع شجرة بيعة الرضوان، فلتكن عنه تغريدات الغد بإذن الله. وأنتم أحبتي في رعاية الله.


هيفولا:)