المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سورة (ق) جامعة لأصول الإيمان


adnan
10-15-2013, 10:11 PM
الأخت / المـلكــة نــور
الفوائد ( للإمام الجليل شمس الدين
أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب )
الزرعي المعروف بابن القيّم [2]
سورة ( ق ) جامعة لأصول الإيمان
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=141bc338f7737c3d&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1 (http://www.ataaalkhayer.com/)

وقد جمعت هذه السورة من أصول الإيمان ما يكفى ويشفى ,
ويغني عن كلام أهل الكلام , ومعقول أهل المعقول ,
فإنها تضمّنت تقرير المبدأ والمعاد والتوحيد والنبوّة والإيمان بالملائكة ,
وانقسام الناس إلى هالك شقي , وفائز سعيد , وأوصاف هؤلاء وهؤلاء .
وتضمّنت إثبات صفات الكمال لله ,
وتنزيهه عما يضاد كماله من النقائص و العيوب .
وذكر فيها القيامتان الكبر والصغرى , والعالمين : الأكبر ,
وهو عالم الآخرة , والأصغر وهو عالم الدنيا .
وذكر فيها خلق الإنسان ووفاته وإعادته , وإحاطته سبحان به من كل وجه ,
حتى علم بوساوس نفسه , وإقامة الحفظة عليه ,
يحصون عليه كل لفظة يتكلم بها , وأنه يوافيه يوم القيامة ,
ومعه سائق يسوقه إليه , وشاهد يشهد عليه ,

فإذا أحضره الشاهد قال :

{ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ }
[ ق : 23 ]

أي : هذا الذي أمرت بإحضاره قد أحضرته ,

فيقال عند إحضاره :

{ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ }
[ ق : 24 ]

كما يحضر الجاني إلى حضرة السلطان فيقال : هذا فلان قد أحضرته ,
فيقول : اذهبوا به إلى السجن وعاقبوه بما يستحقّه .

وتأمّل كيف دلّت السورة صريحا
على أن الله سبحانه وتعالى يعيد هذا الجسد بعينه الذي أطاع وعصى ,
فينعمه ويعذّبه , كما ينعم الروح التي آمنت بعينها ,
ويعذّب التي كفرت بعينها, لا أنه سبحانه يخلق روحا أخرى غير هذه
فينعمها ويعذبها كما قال من لم يعرف المعاد الذي أخبرت به الرسل ,
حيث زعم أن الله سبحانه يخلق بدنا غير هذا البدن من كل وجه ,
عليه يقع النعيم والعذاب , والروح عندهم عرض من أعراض البدن ,
فيخلق روحا غير هذه الروح ,
وبدنا غير هذا البدن وهذا غير ما اتفقت عليه الرسل
ودلك عليه القرآن والسنّة وسائر كتب الله تعالى .
وهذا في الحقيقة إنكار للمعاد وموافقة لقول من أنكره من المكذبين ,
فإنهم لم ينكروا قدرة الله على خلق أجسام غير هذه الأجسام يعذبها وينعمها
كيف وهم يشهدون النوع الإنساني يخلق شيئا بعد شيء !
فكل وقت يخلق الله سبحانه أرواحا و أجساما غير الأجسام التي فنيت .

فكيف يتعجّبون من شيء يشاهدونه عيانا ؟
وإنما تعجّبوا بعودتهم بأعيانهم بعد أن مزّقهم البلى و صاروا عظاما ورفاتاً
فتعجّبوا أن يكونوا هم بأعيانهم مبعوثين للجزاء ,

لهذا قالوا :

{ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ }
[ الصافت : 16 ]

و قالوا :

{ ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ }
[ ق : 3 ]

ولو كان الجزاء إنما هو لأجسام غير هذه , لم يكن ذلك بعثا ولا رجعا ,
بل يكون ابتداء ,

ولم يكن لقوله :

{ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ }
[ ق : 4 ]

كبير معنى . فانه سبحانه جعل هذا جوابا لسؤال مقدّر ,
وهو : انّه يميز تلك الأجزاء التي اختلطت بالأرض
واستحالت إلى العناصر بحيث لا تتميّز , فأخبر سبحانه
بأنه قد علم ما تنقصه الأرض من لحومهم وعظامهم وأشعارهم ,
وأنه كما هو عالم بتلك الأجزاء ,
فهو قادر على تحصيلها وجمعها بعد تفرّقها وتأليفها خلقا جديدا ,
وهو سبحانه يقرر المعاد بذكر كمال علمه , وكمال قدرته , وكمال حكمته .

فان شبه المنكرين له كلها تعود إلى ثلاثة أنواع :
( أحدها ) : اختلاط أجزائهم بأجزاء الأرض
على وجه لا يتميّز ولا يحصل معه تميز شخص عن شخص آخر .
( الثاني ) : أن القدرة لا تتعلّق بذلك .
( الثالث ) : أن ذلك أمر لا فائدة فيه ,
أو أن الحكمة اقتضت دوام هذا النوع الإنساني شيئا بعد شيء ,
هكذا أبدأ , كلما مات جيل خلفه جيل آخر .
فأمّا أن يميت النوع الإنساني كله ثم يحييه فلا حكمة في ذلك