المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غزوة أوطاس


adnan
10-17-2013, 08:46 PM
الأخ / مصطفى آل حمد


غزوة أوطاس

وكان سببها أن هوازن لما انهزمت ذهبت فرقة منهم فيهم
الرئيس مالك بن عوف النصري، فلجأوا إلى الطائف فتحصنوا بها،
وسارت فرقة فعسكروا بمكان يقال له أوطاس،
فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية من أصحابه عليهم
أبو عامر الأشعري فقاتلوهم فغلبوهم‏.‏
ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة،
فحاصر أهل الطائف كما سيأتي‏.‏

قال ابن إسحاق‏
" ولما انهزم المشركون يوم حنين أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف،
وعسكر بعضهم بأوطاس، وتوجه بعضهم إلى نخلة،
ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف،
وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك الثنايا‏.‏
قال‏:‏ فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهان السلمي ويعرف بابن الدغنة
وهي أمه دريد بن الصمة فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة،
وذلك أنه في شجار لهم، فإذا برجل فأناخ به، فإذا شيخ كبير،
وإذا دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام،
فقال له دريد‏:‏ ماذا تريد بي ‏؟‏
قال‏:‏ أقتلك‏.‏
قال‏:‏ ومن أنت ‏؟‏
قال‏:‏ أنا ربيعة بن رفيع السلمي، ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئاً‏.‏
قال‏:‏ بئس ما سلحتك أمك ‏!‏ خذ سيفي هذا من مؤخر رحلي في الشجار،
ثم اضرب به، وارفع عن العظام، واخفض عن الدماغ،
فإني كذلك كنت أضرب الرجال‏.‏
ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلك دريد بن الصمة،
قرب والله يوم منعت فيه نساءك،
فزعم بنو سليم أن ربيعة قال‏:‏ لما ضربته فوقع تكشف،
فإذا عجانه وبطون فخذيه مثل القراطيس من ركوب الخيل أعراء‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 387‏)‏
فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه،
فقالت‏:‏ أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثاً‏.‏"

ثم ذكر ابن إسحاق
ما رثت به عمرة بنت دريد أباها، فمن ذلك قولها‏:‏
" قالوا قتلنا دريداً قلت قد صدقوا * فظل دمعي على السربال منحدر
لولا الذي قهر الأقوام كلهم * رأت سليم وكعب كيف يأتمر
إذن لصبحهم غباً وظاهرة * حيث استقرت نواهم جحفل ذفر "

قال ابن إسحاق‏:‏
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قبل أوطاس
أبا عامر الأشعري، فأدرك من الناس بعض من انهزم، فناوشوه القتال،
فرمى أبو عامر فقتل، فأخذ الراية أبو موسى الأشعري وهو ابن عمه،
فقاتلهم ففتح الله عليه وهزمهم الله عز وجل‏.‏"

ويزعمون أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر الأشعري
بسهم فأصاب ركبته فقتله،
وقال‏:‏
" إن تسألوا عني فإني سلمه * ابن سمادير لمن توسمه
أضرب بالسيف رؤوس المسلمه "

قال ابن إسحاق‏:‏
" وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر
وحديثه‏:‏ أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس
عشرة أخوة من المشركين، فحمل عليه أحدهم،
فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام
ويقول‏:‏ اللهم اشهد عليه فقتله أبو عامر، ثم حمل عليه آخر،
فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام
ويقول‏:‏ اللهم اشهد عليه، فقتله أبو عامر‏.‏
ثم جعلوا يحملون عليه وهو يقول ذلك، حتى قتل تسعة وبقي العاشر،
فحمل على أبي عامر، وحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام
ويقول‏:‏ اللهم اشهد عليه‏.‏
فقال الرجل‏:‏ اللهم لا تشهد عليَّ، فكف عنه أبو عامر فأفلت،
فأسلم بعد فحسن إسلامه، "

فكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وسلم
إذا رآه قال‏:‏
‏(‏‏ ‏هذا شريد أبي عامر‏ )‏‏.‏

قال‏:‏ ورمى أبا عامر؛ أخوان‏:‏ العلاء وأوفى ابنا الحارث،
من بني جشم بن معاوية، فأصاب أحدهما قلبه، والآخر ركبته فقتلاه،
وولى الناس أبا موسى، فحمل عليهما فقتلهما،
فقال رجل من بني جشم بن معاوية يرثيهما‏:‏
" إن الرزية قتل العلا * ء وأوفى جميعاً ولم يسندا
هما القاتلان أبا عامر * وقد كان داهية أربدا
هما تركاه لدى معرك * كأن على عطفه مجسدا
فلم ير في الناس مثليهما * أقل عثاراً وأرمى يدا "
‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 388‏)‏

وقال البخاري‏:‏
ثنا محمد بن العلاء، وحدثنا أبو أسامة،
عن يزيد بن عبد الله، عن أبي بردة،

عن أبي موسى قال‏:‏

( ما فرغ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من حُنَينٍ ،
بعث أبا عامرٍ على جيشٍ إلى أوطاسٍ فلقي دُرَيدَ بنَ الصِّمَّةِ
فقُتِل دُرَيدٌ وهزم اللهُ أصحابَه .
فقال أبو موسى : و بعثني مع أبي عامرٍ
قال فرُمِيَ أبو عامر في رُكبتِه رماه رجلٌ من بني جشمٍ بسهمٍ .
فأثبتَه في رُكبتِه فانتهيتُ إليه
فقلتُ : يا عمِّ ! من رماك ؟
فأشار أبو عامرٍ إلى أبي موسى .
فقال : إنَّ ذاك قاتلي . تراه ذلك الذي رماني .
قال أبو موسى : فقصدتُ له فاعتمدتُه فلحقتُه
فلما رآني ولىَّ عني ذاهبًا فاتبعتُه وجعلتُ أقول له : ألا تستحي ؟
ألستَ أعرابيًّا ؟ ألا تثبتُ ؟ فكفَّ فالتقيتُ أنا وهو
فاختلفنا أنا وهو ضربتيَن ِ. فضربتُه بالسَّيفِ فقتلتُه
ثم رجعتُ إلى أبي عامرٍ فقلتُ : إنَّ اللهَ قد قتل صاحبَك
قال : فانزَعْ هذا السهمَ . فنزعتُه فنزا منه الماءُ
فقال : يا ابنَ أخي ! انطلِقْ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
فأَقْرِئْه مني السلامَ وقل له : يقول لك أبو عامرٍ : استغْفِرْ لي
قال : واستعملَني أبو عامرٍ على الناسِ ومكث يسيرًا ثم إنه مات
فلما رجعتُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دخلتُ عليه ،
وهو في بيتٍ على سريرٍ مُرمَّلٍ ، وعليه فراشٌ ،
وقد أثَّر رمالُ السريرِ بظهرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وجنبَيه
فأخبرتُه بخبرِنا وخبرِ أبي عامرٍ
وقلتُ له : قال : قُل له : يستغْفِرْ لي .
فدعا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بماءٍ فتوضَّأ منه ثم رفع يدَيه
ثم قال : اللهمَّ ! اغفِرْ لعُبيدٍ ، أبي عامرٍ حتى رأيتُ بياضَ إبطَيه
ثم قال : اللهمَّ ! اجعلْه يومَ القيامةِ فوقَ كثيرٍ من خلقِك ،
أو من الناسِ فقلتُ : ولي يا رسولَ اللهِ ! فاستغفِرْ
فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : اللهمَّ ! اغفر لعبدِاللهِ بنِ قَيسٍ ذَنبَه
وأَدخِلْه يومَ القيامةِ مدخلًا كريمًا
قال أبو بردةَ : إحداهما لأبي عامرٍ والأخرى لأبي موسى )
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=141c64290acf7036&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1

وقال الإمام أحمد‏:‏

" حدثنا عبد الرزاق، أنبا سفيان - وهو الثوري - عن عثمان البتي،
عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري
قال‏:‏ أصبنا نساء من سبي أوطاس ولهن أزواج،
فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج،
فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية‏:‏

‏{ ‏وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ‏}‏
‏[‏النساء‏:‏ 24‏]‏‏.‏"

قال‏:‏ فاستحللنا بها فروجهن‏.‏
وهكذا رواه الترمذي، والنسائي من حديث عثمان البتي به‏.‏
وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث شعبة،
عن قتادة عن، أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري‏
‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 4/ 389‏)‏

وقد رواه الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود،
والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة، زاد مسلم، وشعبة،
والترمذي من حديث همام، عن يحيى ثلاثتهم عن قتادة،
عن أبي الخليل، عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد‏:‏
أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
أصابوا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج من أهل الشرك،
فكان أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
كفوا وتأثموا من غشيانهن، فنزلت هذه الآية في ذلك‏:‏

‏{ ‏وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ‏}‏

https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=141c64290acf7036&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1

وهذا لفظ أحمد بن حنبل، فزاد في هذا الإسناد أبا علقمة الهاشمي
وهو ثقة، وكان هذا هو المحفوظ، والله أعلم‏.‏
وقد استدل جماعة من السلف بهذه الآية الكريمة
على أن بيع الأمة طلاقها‏.‏

روى ذلك عن ابن مسعود، وأبي بن كعب، وجابر بن عبد الله،
وابن عباس، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري وخالفهم الجمهور
مستدلين بحديث بريرة حيث بيعت، ثم خيرت في فسخ نكاحها أو إبقائه،
فلو كان بيعها طلاقها لها لما خيرت‏.‏

وقد تقصينا الكلام على ذلك في التفسير بما فيه كفاية
وسنذكره إن شاء الله في ‏(‏الأحكام الكبير‏)‏،
وقد استدل جماعة من السلف على إباحة الأمة المشركة
بهذا الحديث في سبايا أوطاس،
وخالفهم الجمهور وقالوا‏:‏ هذه قضية عين،
فلعلهن أسلمن أو كن كتابيات،
وموضع تقرير ذلك في ‏(‏الأحكام الكبير‏)‏ إن شاء الله تعالى‏.‏
من استشهد يوم حنين وأوطاس
أيمن ابن أم أيمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو أيمن بن عبيد‏.‏
وزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد جمح به فرسه
الذي يقال له الجناح فمات‏.‏
وسراقة بن مالك بن الحارث بن عدي الأنصاري من بني العجلان‏.‏
وأبو عامر الأشعري أمير سرية أوطاس‏.‏
فهؤلاء أربعة رضي الله عنهم‏.‏



البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله

في الله اخوكم مصطفى آل الحمد