المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك


adnan
01-01-2014, 11:18 PM
الأخت / فــاتــوووو



فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=1434e02c26b4164f&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1
وقفة مع قوله تعالى:

{ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ }
في القرآن الكريم نقرأ قوله تعالى:

{ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ ۚ
لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }
(يونس: 94).
هذه الآية الكريمة وردت عقيب الحديث عن قصة موسى عليه السلام
مع بني إسرائيل، وقصته مع فرعون وما انتهى إليه من عاقبة ومصير.

والآية المذكورة قد تثير تساؤلاً من وجهين:

الأول: أن الآية الكريمة نسبت احتمال الشك إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم، مع العلم أن وقوع الشك منه ممتنع
غاية الامتناع.

الثاني: كيفية التوفيق بين قول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم:

{ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ }
مع قوله أيضًا في الكفرة:

{ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ }
(هود: 110) .
وللإجابة على هذا التساؤل نخصص مقالنا التالي، مستعرضين أقوال
المفسرين حول هذه الآية، بادئين بشيخ المفسرين الإمام الطبري،
فماذا يقول الطبري بخصوص معنى الآية؟

ذهب الإمام الطبري عند تفسير هذه الآية إلى القول بأن
الخطاب في الآية الكريمة موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
وأن الخطاب فيها من باب الحقيقة، وليس من باب المجاز؛ ثم وجِّه القول
فيما ذهب إليه مستدلاً له - على عادته - بما روي في هذا الشأن من
روايات؛ كالمروي عن ابن عباس رضي الله عنهما
في معنى الآية.قوله:

{ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ }

قال: التوراة والإنجيل، الذين أدركوا محمداً صلى الله عليه وسلم من أهل
الكتاب فآمنوا به. يقول: فاسألهم إن كنت في شك بأنك مكتوب عندهم.
وأيضًا بما روي عن ابن زيد في معنى الآية

قوله:

{ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ }
قال: هو عبد الله بن سلام، كان من أهل الكتاب، فآمن برسول الله صلى
الله عليه وسلم. وبما روي عن الضحاك في قوله:

{ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ }

يعني أهل التقوى وأهل الإيمان من أهل الكتاب، ممن أدرك نبي الله
صلى الله عليه وسلم.وافترض الطبري هنا سؤالاً، فقال: فإن قال قائل:
أَوَ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في شك من خبر الله أنه حق
ويقين، حتى قيل له

{ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ }
ثم أجاب عن هذا التساؤل، قائلاً: لا، ويؤكد نفي وقوع الشك عنه صلى
الله عليه وسلم بما روي في ذلك من آثار؛ كقول سعيد بن جبير، وقد سئل
عن قوله تعالى:

{ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ }
قال: لم يشك النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسأل.
وأيضًا بما روي عن قتادة في الآية نفسها، قال: ذُكر لنا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

( لا أشك، ولا أسأل )

وبعد أن ساق الطبري الروايات التي تؤيد ما ذهب إليه، نراه يجيب على
التساؤل الذي قد يعرض للناظر في هذه الآية، والمتعلق بوقوع الشك
من النبي صلى الله عليه وسلم، ويقرر في ذلك أن الكلام في الآية جار
على حسب أسلوب كلام العرب، وبما يوافق معهودهم ومعتادهم؛ وبيان
هذا أن من معهود العرب في كلامها أن يقول السيد لمملوكه:
(إن كنت مملوكي، فانته إلى أمري).
والعبد المأمور بذلك، لا يشك سيده القائل له ذلك، أنه عبده. كذلك قول
الرجل منهم لابنه: (إن كنت ابني فبرني) وهو لا يشك في ابنه أنه ابنه.
ويعقب على ما قرره بالقول: إن ذلك من كلامهم صحيح مستفيض فيهم.
ثم يأتي بشواهد من القرآن الكريم تدعم هذا الأسلوب المعهود في كلام العرب؛
كقوله تعالى:

{ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ }
(المائدة: 116).
وقد علم جل ثناؤه أن عيسى لم يقل ذلك. فهذه الآية الكريمة هي على
وزان الآية التي معنا. وأخيرًا، يخلص شيخ المفسرين إلى القول: لم يكن
صلى الله عليه وسلم شاكًا في حقيقة خبر الله وصحته، والله تعالى ذكره
كان عالماً بأمره.ولكنه جل ثناؤه خاطبه خطاب قومه بعضهم بعضًا،
إذ كان القرآن بلسانهم نزل. فالطبري إذن، يرى أن الخطاب في الآية
وارد على الحقيقة، وأن الشك من الرسول صلى الله عليه لم يقع،
وأن أسلوب الآية وارد حسب لسان العرب ومعهودهم، فلا إشكال
في الآية مطلقًا.

أما الإمام الزمخشري، فيرى أن
الخطاب في الآية ورد على سبيل الفَرَض والتمثيل، لا على سبيل الحقيقة
والتقرير؛ أي إنه يقرر أن الآية من باب المجاز، وليست من باب الحقيقة.
ثم هو هنا يثير سؤالاً، قد يرد على ما قرره؛ وحاصل ما أثاره: أن إثبات
الشك قد ورد في آية أخرى على سبيل الحقيقة،
وذلك في قوله تعالى:

{ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ }
(فصلت: 45).
وأجاب على هذا بالقول: فرق عظيم بين قوله:

{ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ }
بإثبات الشك لهم على سبيل التأكيد والتحقيق، وبين قوله:

{ فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ }
بمعنى الفرض والتمثيل، كأنه قيل: فإن وقع لك شك مثلاً.
وخيل لك الشيطان خيالاً منه تقديرًا

{ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ }
لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوب عندهم في التوراة
والإنجيل، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فأراد أن يؤكد علمهم بصحة
القرآن.وصحة نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، ويبالغ في ذلك، فقال:
فإن وقع لك شك - فرضًا وتقديرًا - وسبيل من خالجته شبهة في الدين أن
يسارع إلى حلها وإماطتها، إما بالرجوع إلى قوانين الدين وأدلته، وإما
بمقادحة العلماء المنبهين على الحق، فسل علماء أهل الكتاب، يعني: أنهم
من الإحاطة بصحة ما أنزل إليك من الأخبار والقصص،
إذ كان لهم علم بهذا.

هذا وجه الآية كما أورده الزمخشري. وحاصله - كما ترى - أن الغرض
من ورود الآية بهذا الأسلوب إنما هو وصف أحبار اليهود بالرسوخ في
العلم بصحة ما أنزل الله إلى رسول الله من القصص والأخبار؛ وليس
المراد منها وصف رسول الله بالشك فيه

وقد أطال الإمام الرازي النَفَس عند تفسير هذه الآية، وقرر بداية
أن الخطاب في الآية يحمل على أحد
وجهين رئيسين:

الأول: أن الخطاب في الآية للنبي عليه الصلاة والسلام، إلا أن المراد غيره؛
على غرار قوله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتّقِ اللّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ }
(الأحزاب: 1)
وقوله:

{ لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلك }
(الزمر: 65)
وقوله:

{ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ }
(المائدة: 116)
وهو أيضًا من قبيل قولهم في الأمثال المشهورة:
إياكِ أعني، واسمعي يا جاره.

وقد مال الرازي في تفسير الآية - كما يظهر من كلامه - إلى هذا الوجه،
واستدل له بأدلة تقويه وتدعمه، من ذلك:

- أن قوله تعالى في آخر السورة:

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي }
(يونس: 104)
يبين أن المذكور في أول الآية على سبيل الرمز،
هم المذكورون في هذه الآية على سبيل التصريح.

- أن الأسلوب الذي وردت فيه الآية، أسلوب معتاد في لسان العرب؛ بدليل
أن السلطان إذا كان له أمير، وكان تحت راية ذلك الأمير جمع، فإذا أراد
أن يأمر الرعية بأمر مخصوص، فإنه لا يوجه خطابه إليهم، بل يوجه ذلك
الخطاب إلى ذلك الأمير، الذي جعله أميرًا عليهم، ليكون ذلك أقوى تأثيرًا
في قلوبهم، وأمضى فاعلية في سلوكهم.