المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 01.06.1435


adnan
04-01-2014, 09:55 PM
إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم

[ تأثير عارض الجهل على توحيد الألوهية ]

إن توحيد الربوبية الذي أقر به الخلق لا يكفي وحده، بل هو من الحجة
عليهم، فلا بد من الإقرار بتوحيد الألوهية الذي هو إفراد الله تعالى
بالعبادة الخالصة. وهو معنى (لا إله إلا الله)، (إذ الإله: هو الذي يؤله
فيعبد محبة وإنابة وإجلالاً وإكراماً... ولهذا كانت "لا إله الله أحسن
الحسنات، وكان التوحيد بقول (لا إله إلا الله) رأس الأمر) . وهذا هو حق
الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، كما في الحديث الصحيح
الذي رواه معاذ رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

( أتدري ما حق الله على عباده؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم
قال: حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا،
أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟، قال: قلت:
الله ورسوله أعلم، قال: حقهم أن لا يعذبهم ) .

ولهذا التوحيد لوازم ظاهرة وباطنة، وهي من أوامر الله تعالى للمؤمنين
به الموحدين، وهي قبل ذلك من موجبات العبودية لله الواحد القهار الذي
له صفات الكمال والجلال،
كما قال الله تعالى:

{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء
وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء }
[آل عمران: 26]،

وقال تعالى:

{ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ }
[النحل: 53]،

وقال تعالى:

{ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ
وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ }
[الأنعام: 17]،

وقال تعالى:

{ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ
وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ }
[يونس: 107]،

وقال تعالى:

{ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرّ
هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ }
[الزمر: 38]،

وقال تعالى:

{ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِير
ٍ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ }
[سبأ: 22-23]،

وقال تعالى:

{ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }
[القصص: 88]،

وقال تعالى:

{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء
وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }
[البينة: 5].

( ونظائر هذا في القرآن كثير، وكذلك في الأحاديث، وكذلك في إجماع
الأمة، لا سيما أهل العلم والإيمان منهم، فإنه عندهم قطب رحى الدين،
كما هو الواقع ) .

لذلك وجب على الإنسان المؤمن الموحد من أعمال القلب ومن أعمال
الجوارح ما يحقق به حقيقة التوحيد لله عز وجل، وما يحقق به حقيقة
العبودية في نفسه، فيحقق في نفسه تعظيم الرب جل وعلا ومحبته،
ورجاءه والخوف منه، والرضا به والتسليم له، والطاعة له والانقياد
عملاً بالقلب والجوارح معاً.ومن أهم الأعمال القلبية التي يتحقق بها كمال
التوحيد الرضا (وقد جاء هذا الرضا بأنواعه مبينا في سورة الأنعام التي
هي سورة التوحيد العظمى، فقد اشتملت على ثلاثة أنواع من الرضا هي
جماع التوحيد كله:

1- الرضا بالله ربا لا شريك له في التقرب والتأله والتعبد:

{ قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ }
[الأنعام: 164].
2- الرضا بالله حكما لا شريك له في التشريع والطاعة:

{ أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً }
[الأنعام: 114].

3- الرضا بالله وليا لا شريك له في محبته وموالاته:

{ قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }
[الأنعام: 14].

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:

( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا،
وبمحمد رسولا )

. وقال عليه الصلاة والسلام:

( من قال حين يسمع النداء: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا
وبمحمد رسولاً، غفرت له ذنوبه ) .

واللوازم الظاهرة التي يتحقق بها التوحيد تتلخص في أتباع أوامر الله
واجتناب نواهيه، وتحقيق ذلك بأتباع الرسول صلى الله عليه وسلم
والالتزام بالشريعة. وهذا هو مقتضى الشهادتين
(لا إله إلا الله، محمد رسول الله).

ومما يلي مقام الرضا من أعمال القلوب، مقام الصدق والإخلاص (وهذان
عملان قلبيان من أعظم أعمال القلوب وأهم أصول الإيمان. فأما الصدق،
فهو الفرقان بين الإيمان والنفاق، وأما الإخلاص، فهو الفرقان بين
التوحيد والشرك – في قول القلب واعتقاده، أو في إرادته ونيته –
والأعمال – التي رأسها وأعظمها شهادة أن (لا إله إلا الله) –
لا تقبل إلا بتحقق الصدق والإخلاص...

وأكذب الله المنافقين في دعوى الإيمان وقول الشهادة؛ لانتفاء الصدق،
فقال:

{ إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ }
[المنافقون: 1]...

كما أبطل سبحانه زعم أهل الكتاب والمشركين أن دينهم هو الحق بانتفاء
الإخلاص، فقال:

{ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ
حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ }
[البينة: 1]

إلى أن يقول

{ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء
وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }
[البينة: 5]

وقال تعالى:

{ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ
وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }
[التوبة: 31]...

فعلى محك الصدق والإخلاص بطلت أكثر دعاوي العابدين وهلك أكثر
الثقلين، فالصدق يخرج كل من عبد مع الله غيره، أو أراد غيره معه في
عمل من أعمال العبادة،
كما في الحديث الصحيح:
قال الله تبارك وتعالى:

( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه
معي غيري تركته وشركه )

والمنافي لهذا التوحيد هو الشرك بالله تعالى، وهو صور كثيرة واقعة في
حياة الناس اليوم لأسباب كثيرة، منها قلة الدعاة إلى توحيد الله تعالى
بالعبادة والطاعة، ومنها إعراض الناس عن تعلم أحكام الدين اشتغالا
منهم بالدنيا والشهوات، ومنها الجهل المتفشي في كثير من أقطار
المسلمين وخاصة الجهل بالدين الصحيح، وإلا، فعلم الضلالة والبدع
منتشر وله مؤسسات وهيئات تقوم عليه وترعاه وتنشره بين المسلمين.
والذي يهمنا من هذه الأسباب الجهل الذي أدى بالناس إلى التفريط في
حق خالقهم عليهم، فوقعوا في المخالفات التي تنافي توحيد الألوهية
بالكلية أو تنافي بعض تفاصيل هذا التوحيد. فما هي حدود العذر بالجهل
فيما يتعلق بتوحيد الألوهية؟.

الحكم في هذه المسألة ينبني على جملة من القواعد:
1- تحديد أبرز الصور التي تنافي توحيد الألوهية.

2- إذا قلنا: إنه لا تكفير ولا عقاب إلا بعد قيام الحجة، فلابد من تحديد
مناط قيام الحجة في هذه المسألة ونحن نحاول تطبيق هذه القاعدة على الواقع.

3- تحديد دائرة ما يعذر به في هذه المسألة وما لا يعذر.

تحديد أبرز الصور التي تنافي توحيد الألوهية:
- عدم إفراد الله تعالى بالعبادة، كمن أظهر الإيمان نفاقاً أو صلى أو ذبح
لغير الله أو دعا أو استغاث بغيره، أو أطاع مخلوقاً في تحليل ما حرم الله
أو تحريم ما أحل، ومنهم أهل الكتاب والمشركون الذين اتخذوا من دون
الله أولياء من الأنبياء أو غيرهم، وعبدوهم زاعمين أنهم يقربونهم إلى
الله زلفى، ومن هؤلاء أيضا غلاة القبوريين المنتسبون للإسلام ممن
يستغيثون بالأموات ويطلبون منهم قضاء الحاجات ويتقربون إليهم
بالذبح، ثم يزعمون أنهم إنما يفعلون ذلك معهم ليقربوهم إلى الله زلفى.

- الاعتراض والكراهية لما أنزل الله بعضه أو كله، وهذا مما وقعت فيه
الأمة كليا أو جزئيا، فوقع فيها الاعتراض على توحيد المعرفة والإثبات،
والاعتراض على الأمر الشرعي بالتحليل والتحريم، والاعتراض على
أمره الكوني. فاعترض كثير منهم على صفاته وشريعته وقضائه وقدره