المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفائدة 67 / من فوائد أبن القيم


adnan
04-07-2014, 10:30 PM
الأخت / الملكة نـــور



من كتاب الفوائد لأبن القيم يرحمه الله
الفائدة 67
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=1453735601b388cb&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1
[67] توكل على الله حق توكله
من ترك الاختيار والتدبير في رجاء زيادة أو خوف أو نقصان أو طلب
صحة أو فرار من سقم , و علم أن الله على كل كل شيء قليل , وأنه
المتفرد بالاختيار و التدبير , و أن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد
لنفسه, وأنه أعلم بمصلحته من العبد , و أقدر على على جلبها وتحصيلها
منه, وأنصح للعبد منه لنفسه , وأرحم به منه لنفسه, وأبر به منه بنفسه.
وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن ، يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة
ولا يتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة , فلا متقدم له بين يدي قضائه
وقدره ولا متأخر, فألقى نفسه بين يديه , وسلم الأمر كله إليه , و انطرح
بين يديه انطراح عبد مملوك ضعيف بين يدي ملك عزيز قوي قاهر ,
له ليتصرف في عبده بكل ما يشاء , و ليس للعبد التصرف بوجه من
الوجوه , فاستراح حينئذ من الهموم و الغموم والأنكاد والحسرات ,
وحمّل كله وحوائجه ومصالحه من لا يبالي بحملها ولا يثقله ولا يكترث
بها, فتولاها دونه و أراه لطفه و بره ولطفه و إحسانه فيها من غير تعب
من العبد و لا نصب ولا اهتمام منه , لأنه قد صرف اهتمامه كله إليه
و جعله وحده همه, فصرف عنه اهتمامه بحوائجه و مصالح دنياه ,
و فرغ قلبه منها , فما أطيب عيشه و ما أنعم قلبه و أعظم سروره و فرحه .

وان أبى إلا تدبيره لنفسه, واختياره لها ,
و اهتمامه بحظه , دون حق ربه , خلاه وما اختاره, و ولاه ما تولى ,
فحضره الهم و الغم و الحزن و النكد والخوف والتعب وكسف البال وسوء
الحال , فلا قلب يصفو , و لا عمل يزكو, ولا أمل يحصل , و لا راحة يفوز
بها , و لا لذة يهنأ بها, بل قد حيل حيل بينه وبين مسرته وفرحه وقرة
عينه , فهو يكدح في الدنيا كدح الوحش , و لا يظفر منها بأمل ,
و لا يتزود منها لمعاد ..

و الله سبحانه قد أمر العبد بأمر,
و ضمن له ضمانا , فان قام بأمره بالنصح و الصدق و الإخلاص
و الاجتهاد , قام الله سبحانه بما ضمنه له من الرزق والكفاية والنصر
وقضاء الحوائج , فانه سبحانه ضمن الرزق لمن عبده , و النصر لمن
توكل عليه و استنصر به , والكفاية لمن كان هو همه ومراده , والمغفرة
لمن استغفره, وقضاء الحوائج لمن صدقه في طلبها , و وثق به , و قوي
رجاؤه وطمعه في فضله وجوده . فالفطن الكيّس إنما يهتم بأمره وإقامته
وتوفيته لا بضمانه , فان الوفي الصادق,

{ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ }
التوبة 111

. فمن علامات السعادة
صرف اهتمامه إلى أمر الله دون ضمانه . ومن علا مات الحرمان فراغ
قلبه من الاهتمام بأمره وحبه و خشيته و الاهتمام بضمانه ,
و الله المستعان .

قال بشر بن الحارث :
أهل الآخرة ثلاثة : عابد وزاهد و صديق , فالعابد يعبد الله مع العلائق ,
و الزاهد يعبده على ترك العلائق , والصديق يعبده على الرضا والموافقة
, إن أراه أخذ الدنيا أخذها , و ان أراه تركها تركها .

اذا كان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في جانب فاحذر أن تكون في
الجانب الآخر, فان كان ذلك يفضي الى المشاقة و المحادة , وهذا أصلها
ومنه اشتقاقها, فان المشقة أن يكون في شق و من يخالفه في شق
, و المحادة أن تكون في حد و يكون هو في حد ..ولا تستسهل هذا فان
مبادئه تجر الى غايته, وقليله يدعو إلى كثيرة .

و كن في الجانب الذي فيه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
و إن كان الناس كلهم في الجانب الآخر, فان لذلك عواقب هي أحمد
العواقب وأفضلها, وليس للعبد شيء أنفع من ذلك في دنياه قبل آخرته ,
و أكثر الخلق إنما يكونون في الجانب الآخر, و لا سيما إذا قويت الرغبة
و الرهبة , فهناك لا تكاد تجد أحدا في الجانب الذي فيه الله ورسوله
صلى الله عليه و سلم , بل يعدّه الناس ناقص العقل سيء الاختيار
لنفسه , و ربما نسبوه إلى الجنون , و ذلك من مواريث أعداء الرسل ..
فإنهم نسبوهم الى الجنون لما كانوا في شق وجانب والناس في شق
وجانب آخر .ولكن من وطّن نفسه على ذلك فانه يحتاج إلى علم راسخ بما
جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يكون يقينا له لا ريب عنده فيه,
والى صبر تام على معاداة من عاداه و لومة من لامه , ولا يتم ذلك
إلا برغبة قوية في الله والدار الآخرة, بحيث تكون الآخرة أحب إليه من
الدنيا وآثر عنده منها, ويكون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليه
مما سواهما, وليس شيء أصعب على الإنسان من ذلك في مبادئ الأمر,
فان نفسه و هواه و طبعه و شيطانه و إخوانه ومعاشريه من ذلك الجانب
يدعونه إلى العاجل , فإذا خالفهم تصدوا لحربه , فإذا صبر وثبت جاءه
العون من الله وصار ذلك الصعب سهلا , و ذلك الألم لذة , فلا بد أن
يزيقه لذة تحيزه إلى الله و رسوله , و يريه كرامة ذلك , فيشتد به سروره
وغبطته , و يبتهج به قلبه , ويظفر بقوته وفرحه وسروره, ويبقى من
كان محاربا له - على ذلك - بين هائب له ومسالم له ومساعد وتارك,
ويقوى جنده, ويضعف جند العدو .

ولا تستصعب مخالفة الناس والتحيز إلى الله والرسول
و لو كنت وحدك , فان الله معك و أنت بعينه و كلاءته و حفظه لك ,
و إنما امتحن يقينك و صبرك . و أعظم الأعوان لك على هذا بعد عون الله
التجرد من الطمع و الفزع , فمتى تجردت منهما هان عليك التحيز إلى الله
ورسوله , و كنت دائما في الجانب الذي فيه الله ورسوله , و متى قام بك
الطمع و الفزع فلا تطمع في الأمر و لا تحدث نفسك به . فان قلت :
فبأي شيء أستعين على التجرد من الطمع و من الفزع ؟

قلت :
بالتوحيد والتوكل والثقة بالله , وعلمك بأنه لا يأتي بالحسنات إلا هو ,
و لا يذهب بالسيئات إلا هو, و أن الأمر كله لله ليس لأحد مع الله شيء .