المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفوائد 108 & 109 / من الفوائد لأبن القيم


adnan
04-25-2014, 08:26 PM
الأخت / الملكة نـــور



من كتاب الفوائد لأبن القيم يرحمه الله
لفوائد 108 & 109
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=14593f34f9e315f5&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1
[108] من أقوال شفيق البلخي

قال شفيق بن ابرهيم :
أغلق باب التوفيق عن الخلق من ستة أشياء : اشتغالهم بالنعمة عن
شكرها . ورغبتهم في العلم , وتركهم العمل . و المسارعة الى الذنب
وتأخير التوبة . و الاغترار بصحبة الصالحين و ترك الاقتداء بفعالهم ..
و ادبار الدنيا عنهم وهم يتبعونها . و اقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها ..

قلت: وأصل ذلك عدم الرغبة والرهبة, وأصله ضعف اليقين, وأصله
ضعف البصيرة, وأصله مهانة النفس ودناءتها واستبدالها بالذي هو خير.
والا فلو مانت النفس شريفة كبيرة لم ترض بالدون. فأصل الخير كله-
بتوفيق الله ومشيئته- وشرف النفس وكبرها ونبلها. وأصل الشر خستها
ودناءتها وصغرها,
قال تعالى:

{ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا }
الشمس 9 10 ,

أي أفلح من كبّرها وكثّرها ونمّاها بطاعة الله , وخاب من صغّرها
وحقّرها بمعاصي الله .فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء الا بأعلاها
وأفضلها وأحمدها عاقبة, و النفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع
عليها كما يقع الذباب على الأقذار. فالنفس الشريفة العليّة لا ترضى بالظلم
و لا بالفواحش و لا بالسرقة و الخيانة , لأنها أكبر من ذلك و أجل
و النفس المهينة الحقيرة الخسيسة بالضد من ذلك . فكل نفس تميل الى
ما يناسبها ويشاكلها,
وهذا معنى قوله تعالى :

{ قُلْ كُلّ يَعْمَل عَلَى شَاكِلَته }
الاسراء 84,

أي على ما يشاكله و يناسبه , فهو يعمل على طريقته التي تناسب أخلاقه
وطبيعته, و كل انسان يجري على طريقته ومذهبه وعاداته الي ألفها
وجبل عليها . فالفاجر يعمل بما يشبه طريقته من مقابلة النعم بالمعاصي ,
و الاعراض عن المنعم , و المؤمن يعمل بما يشاكله من شكر النعم,
و محبته و الثناء عليه, و التودد اليه والحياء منه, والمراقبة له,
و تعظيمه و اجلاله .
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=14593f34f9e315f5&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1
[109] اعرف نفسك تعرف ربك
من لم يعرف نفسه, كيف يعرف خالقه؟ فاعلم أن اللع تعالى قد خلق في
صدرك بيتا وهو القلب, ووضع في صدره عرشا لمعرفته, يستوي عليه
المثل الأعلى, فهو مستو على عرشه بذاته بائن من خلقه, والمثل الأعلى
من معرفته ومحبته وتوحيده مستو على سرير القلب, وعلى السرير بساط
من الرضا. ووضع عن يمينه وعن شماله مرافق شرائعه وأوامره, وفتح
اليه بابا من جنة رحمته, والأنس به, والشوق الى لقائه, وأمطره من
وابل كلامه. ما أنبت فيه أصناف الرياحين, والأشجار المثمرة من أنواع
الطاعات, والتهليل والتسبيح والتحميد والتقديس وجعل في وسط البستان
شجرة معرفة, فهي:

{ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا }
ابراهيم 25,

من المحبة والانابة والخشية والفرح به والابتهاج بقربه. وأجرى الى تلك
الشجرة ما يسقيها من تدبّر كلامه وفهمه والعمل بوصاياه. وعلّق في ذلك
البيت قنديلا, أسرجه بضياء معرفته, والايمان به وتوحيده. فهو يستمد من:

{ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ
وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ }
النور 35.

ثم أحاط عليه حائطا يمنعه من دخول الآفات والمفسدين ومن يؤذي
البستان, فلا يلحقه أذاهم, وأقام عليه حرسا من الملائكة يحفظونه في
يقظته ومنامه, ثم أ‘لم صاحب البيت والبستان بالساكن فيه فهو دائما
همه اصلاح السكن ولم شعثه, ليرضاه السكن منزلا. واذا أحس بأدنى
شعث في السكن, بادر الى اصلاحه, ولمّه خشية انتقال السكن منه,
فنعم السكن ونعم المسكن ..

فسبحان الله رب العالمين,
كم بين هذا البيت وبيت قد استولى عليه الخراب, وصار مأوى للحشرات
والهوام, ومحلا لالقاء الأنتان والقاذورات فيه. فمن أراد التخلي وقضاء
الحاجة وجد خربة لا ساكن فيها, ولا حافظ لها, وهي معدة لقضاء
الحاجة, مظلمة الأرجاء, منتنة الرائحة, قد عمّها الخراب, وملأتها
القاذورات, فلا يأنس بها, ولا ينزل فيها الا من يناسبه سكنها من
الحشرات, والديدان والهوام. الشيطان جالس على سريرها, وعلى
السرير بساط من الجهل, وتخفق فيه الأهواء, وعن يمينه وشماله
مرافق الشهوات, وقد فتح اليه باب من حقل الخذلان والوحشة, والركون
الى الدنيا, والطمأنينة بها, والزهد في الآخرة, وأمطر من وابل الجهل
والهوى والشرك والبدع ما أنبت فيه أصناف الشوك والحنظل, والأشجار
المثمرة بأنواع المعاصي والمخالفات, من الزوائد والتنديبات , والنوادر
والهزليات والمضحكات, والأشعار الغزليات, والخمريات التي تهيج على
ارتكاب المحرمات, وتزهد في الطاعات . وجعل في وسط الحقل شجرة
الجهل به والاعراض عنه, فهي تؤتي أكلها كل حين من الفسوق
والمعاصي, واللهو واللعب, والمجون والذهاب مع كل ريح, واتباع كل
شهوة. ومن ثمرها الهموم والغموم والأحزان والآلام. ولكنها متوارية
باشتغال النفس بلهوها ولعبها, فاذا أفاقت من سكرها أحضرت كل هم
وغم, وحزن وقلق, ومعيشة ضنك, وأجرى الى تلك الشجرة ما يسقيها
من اتباع الهوى وطول الأمل والغرور .ثم ترك ذلك البيت وظلماته,
وخراب حيطانه, بحيث لا يمنع منه مفسدة, ولا حيوان ولا مؤذ ولا قذر
فسبحان خالق هذا البيتوذاك البيت, فمن عرف بيته وقدّر ما فيه من
الكنوز والذخائر والآلات انتفع بحياته ونفسه, ومن جهل ذلك جهل
نفسه وأضاع سعادته, وبالله التوفيق .

سئل سهل التستري: الرجل يأكل في اليوم أكلة؟ قال: أكل الصديقين,
قيل له: فأكلتين؟ قال: أكل المؤمنين, قيل له ثلاث أكلات؟ فقال:
قل لأهله يبنوا له معلفا .

قال الأسود بن سالم:
ركعتين اصليه لله أحب الي من الجنة بما فيها. فقيل له: هذا خطأ, فقال:
دعونا من كلامكم, الجنة رضى نفسي, والركعتان رضى ربي, ورضى
ربي أحب الي من رضى نفسي .

العارف في الأرض ريحانة من رياحين الجنة, اذا شمها المريد اشتاقت
نفسه الى الجنة ..

قلب المحب موضوع بين جلال محبوبه وجماله, فاذا لاحظ جلاله هابه
وعظّمه, واذ لاحظ جماله أحبه واشتاق اليه .