المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مواعظ من الآيات القرآنية ( 03 )


adnan
05-16-2014, 11:21 PM
الأخت / الملكة نـــور



مواعظ من الآيات القرآنية ( 03 )


المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية
أميـــر بن محمـــد المــــــدري
إمام و خطيب مسجد الإيمان - اليمن - عمران

{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ }

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ،
وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :

قال الله تعالى :

{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ
وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ }

نزلت هذه الآية الكريمة في
صهيب الرومي رضي الله عنه، حينما تخلى للمشركين في مكة عن كل
ما يملك مقابل أن يخلون سبيله ليلحق بالرسول صلى الله عليه وسلم في
المدينة المنورة، احتجزوه ومنعوه من الهجرة وقال قائلهم يا صهيب
جئتنا صعلوكاً لا تملك شيئاً، وأنت اليوم ذو مال كثير! - يساومونه- فقال
لهم رضي الله عنه: أرأيتم إن دللتكم على مالي هل تخلون سبيلي؟ قالوا :
نعم . فدلهم على ماله بمكة ثم انطلق مهاجراً في سبيل الله لا يلوي على
شيء تاركاً كل ما يملك خلف ظهره وهاجرا إلى الله ورسوله ، فلما وصل
المدينة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فقال له عليه الصلاة والسلام مهنيئاً له على حسن صنيعه :

( ربح البيع أبا يحيى ربح البيع )

فلله در صهيب شرى نفسه طلباً لرضوان الله تعالى. هكذا تكون التضحية
وإلا فلا ! هذا صهيب وهذا فعله الذي غدا قرآناً يتلى إلى يوم القيامة فماذا
قدمت أنا؟ وماذا قدمت أنت أخي الحبيب طلباً لمرضات الله؟ ماذا قدمنا من
أموالنا في سبيل الله ؟ ماذا قدمنا من أوقاتنا في سبيل الله؟ هل تنازلنا عن
شيء ولو يسير من شهواتنا وملذاتنا من أجل الله؟ بل كم قد تنازلنا عن
إيماننا من أجل دنيانا ؟ أنرقع دنيانا بتمزيق ديننا ؟! كيف لو خيرنا بين
أموالنا وبين ديننا؟ أو بين أهلينا وبين إيماننا ؟

اللهم سترك يا ستير ، اللهم لا تفضحنا؟ ولا تمتحنا في إيماننا وتولنا
برحمتك يا أرحم الراحمين. هذا حالنا أيها الأخوة ونحن نرجو الجنة
ونطمع في نعيم الآخرة ونطمح إلى الدرجات العلى والمنازل الرفيعة
بجوار الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ولا نريد أن نقدم
ولو جزءً يسيراً من الثمن ..
يقول الله تعالى:

{ أَلم . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}

{ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ أمَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ }

احذروا أيها المسلمون من هجر كتاب الله عز وجل:

{ وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبّ إِنَّ قَوْمِى ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْءاَنَ مَهْجُوراً }
الفرقان:30 ..

فالحذر الحذر
من هجران كتاب الله، فهناك من يهجرون كتاب الله تلاوةً حيث تمضي
الأيام والأشهر والأسابيع والسنوات ولا يتلو من كتاب الله شيئاً والعياذ بالله،
وهناك من يهجرون كتاب الله فهماً وتدبراً، وهناك من يهجرون كتاب الله
تطبيقاً وحكماً وسياسة واقتصاداً وقضاءً، ونسأل الله تبارك وتعالى
أن يجعل القرآن حجة لنا لا علينا يا رب العالمين .

أيها المسلمون
سنقف وإياكم في هذه الدقائق الغالية
مع قول الله عز وجل في :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ
إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }

الآية فيها أمر للمسلمين ونداء لهم:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ }
البقرة:153

الله عز وجل يأمرنا نحن المسلمين خاصة نحن الذين نعيش في بيت
المقدس وأكناف بيت المقدس، ونعاني ما نعاني؛ ما أحوجنا أن نتدبر كلام
الله عز وجل ونستعين بتوجيهاته بالصبر والصلاة، الصبر الذي له أثر
كبير في نفوس ومسيرة حياة المؤمنين، فضلاً عن الأجر العظيم الذي
يناله المسلم من الله عز وجل حيث
يقول الباري سبحانه وتعالى:

{ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }
الزمر:10،

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:

( أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى المرء
على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء ).

و يقول لرسول صلى الله عليه وسلم في فضل الصبر:

( عجباً للمؤمن إن أمره كله خير ، و ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ،
إن أصابته ضراء – أي مصيبة في نفسه في ولده ، ماله ،
في بيته ، في دمه – صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء
– أي نعمة – شكر )

أي على كلتا الحالتين المسلم مُثاب و مأجور من عند الله تبارك و تعالى ..

اللهم اجعلنا من الصابرين ولا تجعلنا من القانطين
ولا من اليائسين يا رب العالمين .

ولا بد من الصبر على الطاعات ,
والصبر عن المعاصي , والصبر على جهاد المشاقين لله , والصبر على
الكيد بشتى صنوفه , والصبر على بطء النصر , والصبر على بعد الشقة ,
والصبر على انتفاش الباطل , والصبر على قلة الناصر , والصبر على
طول الطريق الشائك , والصبر على التواء النفوس , وضلال القلوب ,
و ثقلة العناد , و مضاضة الأعراض .

وحين يطول الأمد , ويشق الجهد , قد يضعف الصبر , أو ينفد , إذا لم
يكن هناك زاد ومدد . ومن ثم يقرن الصلاة إلى الصبر ; فهي المعين الذي
لا ينضب , والزاد الذي لا ينفد . المعين الذي يجدد الطاقة , والزاد الذي
يزود القلب ; فيمتد حبل الصبر ولا ينقطع . ثم يضيف إلى الصبر ,
الرضى والبشاشة , والطمأنينة , والثقة , واليقين

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ -}

الأحاديث في الصبر كثيرة نذكر بعضها
فعن خباب بن الأرث - رضي الله عنه - قال:

( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة
في ظل الكعبة . فقلنا:ألا تستنصر لنا ? ألا تدعو لنا ? فقال:
" قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض , فيجعل فيها
, ثم يؤتى بالمنشار , فيوضع على رأسه فيجعل نصفين , ويمشط
بأمشاط الحديد ((ما دون لحمه وعظمه , ما يصده ذلك عن دينه . .
والله ليتمن الله تعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء
إلى حضرموت فلا يخاف إلا الله , والذئب على غنمه ,
ولكنكم تستعجلون )

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال:

( كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا
من الأنبياء عليهم السلام , ضربه قومه فأدموه , وهو يمسح الدم
عن وجهه , وهو يقول( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) .

وعن يحيى بن وثاب ,
عن شيخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم

( الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي
لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم ) .

أيها المسلمون
إنه لا بد للإنسان الفاني الضعيف المحدود أن يتصل بالقوة الكبرى ,
يستمد منها العون حين يتجاوز الجهد قواه المحدودة . حينما تواجهه
قوى الشر الباطنة والظاهرة . حينما يثقل عليه جهد الاستقامة على
الطريق بين دفع الشهوات وإغراء المطامع , وحينما تثقل عليه مجاهدة
الطغيان والفساد وهي عنيفة . حينما يطول به الطريق وتبعد به الشقة
في عمره المحدود , ثم ينظر فإذا هو لم يبلغ شيئا وقد أوشك المغيب ,
ولم ينل شيئا وشمس العمر تميل للغروب . حينما يجد الشر نافشا
والخير ضاوياَ , ولا شعاع في الأفق ولا معلم في الطريق . .

هنا تبدو قيمة الصلاة . .
إنها الصلة المباشرة بين الإنسان الفاني والقوة الباقية . إنها الموعد
المختار لالتقاء القطرة المنعزلة بالنبع الذي لا يغيض . إنها مفتاح الكنز
الذي يغني ويقني ويفيض . إنها الانطلاقة من حدود الواقع الأرضي
الصغير إلى مجال الواقع الكوني الكبير . إنها الروح والندى والظلال
في الهاجرة , إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود . . ومن هنا كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في الشدة قال :

( أرحنا بها يا بلال )

و يكثر من الصلاة إذا حزبه أمر ليكثر من اللقاء بالله .

{ إن الله مع الصابرين }
معهم , يؤيدهم , ويثبتهم , ويقويهم , ويؤنسهم , ولا يدعهم يقطعون
الطريق وحدهم , ولا يتركهم لطاقتهم المحدودة , وقوتهم الضعيفة ,
إنما يمدهم حين ينفد زادهم , ويجدد عزيمتهم حين تطول بهم الطريق
. . وهو يناديهم في أول الآية ذلك النداء الحبيب: يا أيها الذين آمنوا . ..
و يختم النداء بذلك التشجيع العجيب :

{ إن الله مع الصابرين }

و صلى الله على محمد وعلى آله
و صحبه وسلم تسليما كثيراً .