المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مواعظ من الآيات القرآنية ( 04 )


adnan
05-17-2014, 11:04 PM
الأخت / الملكة نـــور


مواعظ من الآيات القرآنية ( 04 )

المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية
أميـــر بن محمـــد المــــــدري
إمام و خطيب مسجد الإيمان - اليمن - عمران

{ و لا تَقُولُواْ لِمَن يُقْتَلُ فِى سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بل أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ - ( 11 )
وَ لَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ }

إن الله عز وجل يُبين لنا في هذه الآية الكريمة أن الذي يستشهدون ليسوا
أمواتا بل أحياء ،إن هنالك قتلى شهداء في معركة الحق . شهداء في سبيل
الله . قتلى أعزاء أحباء . قتلى كراما أذكياء - فالذين يخرجون في سبيل
الله , والذين يضحون بأرواحهم في معركة الحق , هم عادة أكرم القلوب
وأزكى الأرواح وأطهر النفوس - هؤلاء الذين يقتلون في سبيل الله ليسوا
أمواتا . إنهم أحياء . فلا يجوز أن يقال عنهم:أموات . لا يجوز أن يعتبروا
أمواتا في الحس والشعور , ولا أن يقال عنهم أموات بالشفة واللسان .
إنهم أحياء بشهادة الله سبحانه . فهم لا بد أحياء .

إنهم قتلوا في ظاهر الأمر ,
وحسبما ترى العين . . و الفكرة التي من أجلها قتلوا هؤلاء ترتوي
بدمائهم و تمتد , و تأثر الباقين وراءهم باستشهادهم يقوى و يمتد .
فهم ما يزالون عنصرا فعالا دافعا مؤثرا في تكييف الحياة وتوجيهها ,
و هذه هي صفة الحياة الأولى .. فهم أحياء أولا بهذا الاعتبار الواقعي
في دنيا الناس ..

ثم هم أحياء عند ربهم - إما بهذا الاعتبار ,
و إما باعتبار آخر لا ندري نحن كنهه . و حسبنا إخبار الله تعالى به :

{ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } .

لأن كنه هذه الحياة فوق إدراكنا البشري القاصر المحدود . و لكنهم أحياء

أحياء .
ومن ثم لا يغسلون كما يغسل الموتى , ويكفنون في ثيابهم التي
استشهدوا فيها . فالغسل تطهير للجسد الميت و هم أطهار بما فيهم
من حياة . و ثيابهم في الأرض ثيابهم في القبر لأنهم بعد أحياء .

أحياء .
فلا يشق قتلهم على الأهل والأحباء والأصدقاء . أحياء يشاركون في حياة
الأهل والأحباء والأصدقاء . أحياء فلا يصعب فراقهم على القلوب الباقية
خلفهم , ولا يتعاظمها الأمر , ولا يهولنها عظم الفداء .ثم هم بعد كونهم
أحياء مكرمون عند الله , مأجورون أكرم الأجر وأوفاه :
في صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم

( إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة
حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش , فاطلع عليهم
ربك إطلاعة . فقال:ماذا تبغون ? فقالوا:يا ربنا . وأي شيء نبغي
وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ? ثم عاد عليهم بمثل هذا .
فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا قالوا:نريد أن تردنا إلى
الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى - لما يرون
من ثواب الشهادة - فيقول الرب جل جلاله : إني كتبت أنهم
إليها لا يرجعون ) .

وعن أنس رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

( ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا , وله ما على
الأرض من شيء . إلا الشهيد , ويتمنى أن يرجع إلى الدنيا
فيقتل عشر مرات , لما يرى من الكرامة )
أخرجه مالك والشيخان .

ولكن من هم هؤلاء الشهداء الأحياء ?
إنهم أولئك الذين يقتلون (في سبيل الله). . في سبيل الله وحده , دون
شركة في شارة ولا هدف ولا غاية إلا الله . في سبيل هذا الحق الذي أنزله
. في سبيل هذا المنهج الذي شرعه . في سبيل هذا الدين الذي اختاره . .
في هذا السبيل وحده , لا في أي سبيل آخر , ولا تحت أي شعار آخر ,
ولا شركة مع هدف أو شعار . وفي هذا شدد القرآن وشدد الحديث ,
حتى ما تبقى في النفس شبهة أو خاطر . . غير الله . .

عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال:

( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ,
ويقاتل حمية , ويقاتل رياء . أي ذلك في سبيل الله ? فقال
(( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله )) .. .
أخرجه مالك والشيخان .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلا قال:

( يا رسول الله:رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضا
من الدنيا ? فقال:" لا أجر له " . فأعاد عليه ثلاثا .
كل ذلك يقول:" لا أجر له " )
أخرجه أبو داود .

و عنه - رضي الله عنه - قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

( تضمن الله تعالى لمن خرج في سبيل الله . لا يخرجه إلا جهاد
في سبيلي و إيمان بي وتصديق برسلي . . فهو علي ضامن أن
أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من
أجر أو غنيمة . والذي نفس محمد بيده , ما من كلم يكلم في سبيل
الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم , لونه لون دم وريحه ريح
مسك . والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما
قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله عز وجل أبدا . ولكن لا أجد
سعة فأحملهم , ولا يجدون سعة فيتبعوني ويشق عليهم أن
يتخلفوا عني . والذي نفس محمد بيده لوددت أن اغزو
في سبيل الله فأقتل , ثم اغزو فأقتل , ثم اغزو فأقتل )
أخرجه مالك والشيخان .

فهؤلاء هم الشهداء . هؤلاء الذي يخرجون في سبيل الله , لا يخرجهم
إلا جهاد في سبيله , وإيمان به , وتصديق برسله .

اللهم اكتب لنا الشهادة في سبيلك، اللهم ارحم شهداءنا،
اللهم تقبل شهداءنا، واجمعنا بهم في الفردوس الأعلى مع النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

{ وَ لَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ }

يقول الله عز وجل:

{ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ
وَنَقْصٍ مّنَ ٱلاْمَوَالِ وَٱلاْنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ }
البقرة:155،

وذلك الابتلاء والامتحان من الله حتى يميز الخبيث من الطيب،

{ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلاْمَوَالِ وَٱلاْنفُسِ
وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ
قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ }
البقرة:155، 156.

وهذا إخبـار من الله تعالـى ذكره أتبـاع رسوله صلى الله عليه وسلم أنه
مبتلـيهم ومـمتـحنهم بشدائد من الأمور لـيعلـم من يتبع الرسول مـمن
ينقلب علـى عقبـيه ، كما ابتلاهم فـامتـحنهم بتـحويـل القبلة من بـيت
الـمقدس إلـى الكعبة، وكما امتـحن أصفـياءه قبلهم، ووعدهم ذلك فـي آية
أخرى فقال لهم:

{ أمْ حَسِبْتُـمْ أنْ تَدْخُـلُوا الـجَنَّةَ وَلَـمَّا يَأتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ
مَسَّتْهُمُ البأساءُ والضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّـى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
مَتَـى نَصْرُ اللَّهِ ألا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ }
(تفسير الطبري) ..

ولقد ورد في فضل الصبر أن الله عز وجل إذا أمر ملائكته أن يقبضوا
روح العبد المؤمن فتقبض الملائكة روحه ثم يعودون، فيسألهم الله
عز وجل - وهو بهم أعلم - أقبضتم روح عبدي فلان؟ فتقول الملائكة:
نعم .. ويسألهم الله: ماذا قال عبدي فلان؟ – ماذا كان رد الفعل عند والده
عند أقرب الناس إليه؟ فتقول الملائكة: حمدك واسترجع – أي إن دأب
المسلم أن يقول عندما تصيبه مصيبة: إنا لله و إنا إليه راجعون - فيقول
الله عز وجل للملائكة: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد ..

{ وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة
قالوا:إنا لله وإنا إليه راجعون }

إنا لله . . كلنا . . كل ما فينا . . كل كياننا وذاتيتنا . . لله . . وإليه المرجع
والمآب في كل أمر وفي كل مصير . . التسليم . . التسليم المطلق . . تسليم
الالتجاء الأخير المنبثق من الالتقاء وجها لوجه بالحقيقة الوحيدة ,
وبالتصور الصحيح .

{ وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة
قالوا:إنا لله وإنا إليه راجعون }

وبشر يا مـحمد الصابرين، الذين يعلـمون أن جميع ما بهم من نعمة
فمنـي، فـيقرّون بعبوديتـي، ويوحدوننـي بـالربوبـية، ويصدّقون بـالـمعاد
والرجوع إلـيّ فـيستسلـمون لقضائي، ويرجون ثوابـي ويخافون عقابـي،
ويقولون عند امتـحانـي إياهم ببعض مـحنـي، وابتلائي إياهم بـما وعدتهم
أن أبتلـيهم به من الـخوف والـجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات
وغير ذلك من الـمصائب التـي أنا مـمتـحنهم بها. إنا مـمالـيك ربنا
ومعبودنا أحياء ونـحن عبـيده وإنا إلـيه بعد مـماتنا صائرون تسلـيـما
لقضائي ورضا بأحكامي .

هؤلاء هم الصابرون . .:

{ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }.

صلوات من ربهم . . يرفعهم بها إلى المشاركة في نصيب نبيه الذي
يصلي عليه هو وملائكته سبحانه . . وهو مقام كريم . . ورحمة . .
وشهادة من الله بأنهم هم المهتدون . .

أخبر الله أن الـمؤمن إذا سلـم الأمر إلـى الله ورجع واسترجع عند
الـمصيبة، كتب له ثلاث خصال من الـخير: الصلاة من الله، والرحمة،
وتـحقـيق سبـيـل الهدى .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

( مَنْ اسْتَرْجَعَ عِنْدَ الـمُصِيبَةِ جَبَرَ اللَّهُ مُصِيبَتَهُ، وأحْسَنَ عُقْبَـاهُ،
وَجَعَلَ لَهُ خَـلَفـا صَالِـحا يَرْضَاهُ ) .

اللهم تب علينا توبة صادقة نصوحاً. اللهم اغفر لنا وارحمنا برحمتك
يا أرحم الراحمين سبحانك اللهم وبحمدك نستغفرك ونتوب إليك.
أشهد أن لا إله إلا أنت، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم تسليماً كثيراً .