المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 09.05.1435


adnan
06-07-2014, 03:16 PM
إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم


[ حكم الاستدلال بالتشبيه نفيا وإثباتا ]

أن لفظ (التشبيه) و(التركيب) لفظ فيه إجمال وهؤلاء أنفسهم - هم
وجماهير العقلاء - يعلمون أن ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك
ونفي ذلك القدر المشترك ليس هو نفس التمثيل والتشبيه الذي قام الدليل
العقلي والسمعي على نفيه وإنما التشبيه الذي قام الدليل على نفيه
ما يستلزم ثبوت شيء من خصائص المخلوقين لله سبحانه وتعالى إذ
هو سبحانه:

{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }
[الشورى: 11]

ولا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ولهذا اتفق جميع طوائف
المسلمين وغيرهم على الرد على هؤلاء الملاحدة وبيان أنه ليس كل
ما اتفق شيئان في شيء من الأشياء يجب أن يكون أحدهما مثلا للآخر
ولا يجوز أن ينفي عن الخالق سبحانه كل ما يكون فيه موافقة لغيره
في معنى ما فإنه يلزمه عدمه بالكلية كما فعله هؤلاء الملاحدة بل يلزم
نفي وجوده ونفي عدمه وهو غاية التناقض والإلحاد والكفر والجهل
فيما يجوز وما لا يجوز على الله من النفي والإثبات أنه لقائل أن يقول:
لا بد في هذا الباب من ضابط يعرف به ما يجوز على الله مما لا يجوز في
النفي والإثبات إذ الاعتماد في هذا الباب على مجرد نفي التشبيه أو مطلق
الإثبات من غير تشبيه ليس بسديد وذلك أنه ما من شيئين إلا بينهما قدر
مشترك وقدر مميز فالنافي إن اعتمد فيما ينفيه على أن هذا تشبيه قيل له:
إن أردت أنه مماثل له من كل وجه فهذا باطل وإن أردت أنه مشابه له من
وجه دون وجه أو مشارك له في الاسم لزمك هذا في سائر ما تثبته وأنتم
إنما أقمتم الدليل على إبطال التشبيه والتماثل الذي فسرتموه بأنه يجوز
على أحدهما ما يجوز على الآخر ويمتنع عليه ما يمتنع عليه ويجب له
ما يجب له ومعلوم أن إثبات التشبيه بهذا التفسير مما لا يقوله عاقل
يتصور ما يقول فإنه يعلم بضرورة العقل امتناعه ولا يلزم من نفي هذا
نفي التشابه من بعض الوجوه كما في الأسماء والصفات المتواطئة ولكن
من الناس من يجعل التشبيه مفسرا بمعنى من المعاني ثم إن كل من أثبت
ذلك المعنى قالوا: إنه مشبه ومنازعوهم يقولون: ذلك المعنى ليس من
التشبيه وقد يفرق بين لفظ التشبيه والتمثيل وذلك أن المعتزلة ونحوهم
من نفاة الصفات يقولون: كل من أثبت لله صفة قديمة فهو مشبه ممثل
فمن قال إن لله علما قديما أو قدرة قديمة كان عندهم مشبها ممثلا لأن
القديم عند جمهورهم هو أخص وصف الإله فمن أثبت له صفة قديمة
فقد أثبت لله مثلا قديما ويسمونه ممثلا بهذا الاعتبار ومثبتة الصفات
لا يوافقونهم على هذا بل يقولون: أخص وصفه لا يتصف به غيره مثل
كونه رب العالمين وأنه بكل شيء عليم وأنه على كل شيء قدير وأنه إله
واحد ونحو ذلك والصفة لا توصف شيء من ذلك ثم من هؤلاء الصفاتية
من لا يقول في الصفات إنها قديمة بل يقول: الرب بصفاته قديم ومنهم
من يقول: هو قديم وصفته قديمة ولا يقول: هو وصفاته قديمان ومنهم
من يقول: هو وصفاته قديمان ولكن يقول: ذلك لا يقتضي مشاركة الصفة
له في شيء من خصائصه فإن القدم ليس من خصائص الذات المجردة
بل من خصائص الذات الموصوفة بصفات وإلا فالذات المجردة لا وجود
لها عندهم فضلا عن أن تختص بالقدم وقد يقولون: الذات متصفة بالقدم
والصفات متصفة بالقدم وليست الصفات إلها ولا ربا كما أن النبي محدث
وصفاته محدثة وليست صفاته نبيا فهؤلاء إذا أطلقوا على الصفاتية اسم
التشبيه والتمثيل: كان هذا بحسب اعتقادهم الذي ينازعهم فيه أولئك ثم
تقول لأولئك: هب أن هذا المعنى قد يسمى في اصطلاح بعض الناس
تشبيها فهذا المعنى لم ينفعه عقل ولا سمع وإنما الواجب نفي ما نفته
الأدلة الشرعية والعقلية والقرآن قد نفى مسمى المثل والكفء والند
ونحو ذلك ولكن يقولون الصفة في لغة العرب ليست مثل الموصوف
ولا كفؤه ولا نده فلا يدخل في النص وأما العقل: فلم ينف مسمى التشبيه
في اصطلاح المعتزلة وكذلك أيضا يقولون: إن الصفات لا تقوم إلا بجسم
متحيز والأجسام متماثلة فلو قامت به الصفات للزم أن يكون مماثلا لسائر
الأجسام وهذا هو التشبيه وكذلك يقول: هذا كثير من الصفاتية الذين
يثبتون الصفات وينفون علوه على العرش وقام الأفعال الاختيارية به
ونحو ذلك ويقولون: الصفات قد تقوم بما ليس بجسم وأما العلو على
العالم فلا يصح إلا إذا كان جسما فلو أثبتنا علوه للزم أن يكون جسما
وحينئذ فالأجسام متماثلة فيلزم التشبيه فلهذا تجد هؤلاء يسمون من
أثبت العلو ونحوه مشبها ولا يسمون من أثبت السمع والبصر والكلام
ونحوه مشبها كما يقول صاحب الإرشاد وأمثاله وكذلك يوافقهم على
القول بتماثل الأجسام القاضي أبو يعلى وأمثاله من مثبتة الصفات والعلو
لكن هؤلاء يجعلون العلو صفة خبرية كما هو أول قولي القاضي أبي يعلى
فيكون الكلام فيه كالكلام في الوجه وقد يقولون: إن ما يثبتونه لا ينافي
الجسم كما يقولونه في سائر الصفات والعاقل إذ تأمل وجد الأمر فيما نفوه
كالأمر فيما أثبتوه لا فرق وأصل كلا م هؤلاء كلهم على إثبات الصفات
مستلزم للتجسيم والأجسام متماثلة والمثبتون يجيبون عن هذا تارة بمنع
المقدمة الأولى وتارة بمنع المقدمة الثانية وتارة بمنع كل من المقدمين
وتارة بالاستفصال ولا ريب أن قولهم بتماثل الأجسام قول باطل سواء
فسروا الجسم بما يشار إليه أو بالقائم بنفسه أو بالموجود أو بالمركب
من الهيولي والصورة ونحو ذلك فإما يبنى على صحة ذلك وعلى إثبات
الجوهر الفرد وعلى أنه متماثل وجمهور العقلاء يخالفونهم في ذلك
والمقصود: هنا أنهم يطلقون التشبيه على ما يعتقدونه تجسيما بناء
على تماثل الأجسام والمثبتون ينازعونهم في اعتقادهم كإطلاق الرافضة
النصب على من تولى أبا بكر وعمر رضي الله عنهما بناء على أن من
أحبهما فقد بغض عليا رضي الله عنه ومن أبغضه فهو ناصبي وأهل
السنة ينازعونهم في المقدمة الأولى ولهذا يقول هؤلاء: إن الشيئين
لا يشبهان من وجه ويختلفان من وجه وأكثر العقلاء على خلاف ذلك
وقد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع وبينا فيه حجج من يقول
بتماثل الأجسام وحجج من نفي ذلك وبينا فساد قول من يقول بتماثلها
وأيضا فالاعتماد بهذا الطريق على نفي التشبيه اعتماد باطل وذلك أنه
إذا أثبت تماثل الأجسام عما لا ينفون ذلك إلا بالحجة التي ينفون بها
الجسم وإذا ثبت أن هذا يستلزم الجسم وثبت امتناع الجسم: كان هذا
وحده كافيا في نفي ذلك لا يحتاج نفي ذلك إلى نفي مسمى التشبيه لكن
نفي التجسيم يكون مبنيا على نفي هذا التشبيه بأن يقال: لو ثبت له كذا
وكذا لكان جسما ثم يقال: والأجسام متماثلة فيجب اشتراكها فيما يجب
ويجوز ويمتنع وهذا ممتنع عليه لكن حينئذ يكون من سلك هذا المسلك
معتمدا في نفي التشبيه على نفي التجسيم فيكون أصل نفيه نفي الجسم
وهذا مسلك آخر سنتكلم عليه إن شاء الله وإنما المقصود هنا: أن مجرد
الاعتماد في نفي ما ينفي على مجرد نفي التشبيه لا يفيد إذ ما من شيئين
إلا يشتبهان من وجه بخلاف الاعتماد على نفي النقص والعيب ونحو ذلك
مما هو سبحانه مقدس عنه فإن هذه طريقة صحيحة وكذلك إذا أثبت له
صفات الكمال ونفي مماثلة غيره له فيها فإن نفي المماثلة فيما هو
مستحق له وهذا حقيقة التوحيد: وهو أن لا يشركه شيء من الأشياء
فيما هو من خصائصه وكل صفة من صفات الكمال فهو متصف بها
على وجه لا يماثله فيه أحد ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها إثبات
ما وصف به نفسه من الصفات ونفي مماثلته بشيء من المخلوقات فإن
قيل: هب الأمر كذلك ولكن إذا كان ذلك القدر المشترك لا يستلزم إثبات
ما يمتنع على الرب سبحانه ولا نفي ما يستحقه لم يكن ممتنعا كما إذا
قيل: إنه موجود حي عليم سميع بصير وقد سمى بعض المخلوقات حيا
سميعا عليما بصيرا فإذا قيل: يلزم أنه يجوز عليه ما يجوز على ذلك من
جهة كونه موجودا حيا عليما سميعا بصيرا قيل: لازم هذا القدر المشترك
ليس ممتنعا على الرب تعالى فإن ذلك لا يقتضي حدوثا ولا مكانا ولا نقصا
ولا شيئا مما ينافي صفات الربوبية وذلك أن القدر المشترك هو مسمى
الوجود أو الموجود أو الحياة أو الحي أو العلم أو العليم أو السمع أو
البصر أو السميع أو البصير أو القدرة أو القدير والقدير المشترك مطلق
كلي لا يختص بأحدهما دون الآخر فلم يقع بينهما اشتراك لا فيما يختص
بالممكن المحدث ولا فيما يخص بالواجب القديم فإن ما يختص به أحدهما
يمتنع اشتراكهما فيه فإذا كان القدر المشترك الذي اشتركا فيه صفة كمال
كالوجود والحياة والعلم والقدر ولم يكن في ذلك شيء مما يدل على
خصائص المخلوقين كما لا يدل على شيء من خصائص الخالق لم يكن
في إثبات هذا محذور أصلا بل إثبات هذا من لوازم الوجود فكل موجودين
لا بد بينهما من مثل هذا ومن نفي هذا لزمه تعطيل وجود كل موجود
ولهذا لما اطلع الأئمة على أن هذا حقيقة قول الجهمية سموهم معطلة
وكان جهم ينكر أن يسمى الله شيئا وربما قالت الجهمية هو شيء
لا كالأشياء فإن نفي القدر المشترك مطلقا لزم التعطيل العام والمعاني
التي يوقف بها الرب تعالى كالحياة والعلم والقدر بل الوجود والثبوت
والحقيقة ونحو ذلك: يجب لوازمها فإن ثبوت الملزوم يقتضي ثبوت اللازم
وخصائص المخلوق التي يجب تنزيه الرب عنها ليست من لوازم ذلك
أصلا بل تلك من لوازم ما يختص بالمخلوقات من وجود وحياة وعلم
ونحو ذلك والله سبحانه منزه عن خصائص المخلوقين وملزومات
خصائصهم وهذا الموضع من فهمه فهما جيدا وتدبره: زالت عنه عامة
الشبهات وانكشف له غلط كثير من الأذكياء في هذا المقام وقد بسط هذا
في مواضع كثيرة وبين فيها أن القدر المشترك الكلي لا يوجد في الخارج
إلا معينا مقيدا وإن معنى اشتراك الموجودات في أمر هو تشابهها من ذلك
الوجه وإن ذلك المعنى العام يطلق على هذا وهذا لأن الموجودات في
الخارج لا يشارك أحدهما الآخر في شيء موجود فيه بل كل موجود متميز
عن غيره بذاته وصفاته وأفعاله ولما كان الأمر كذلك كان كثير من الناس
متناقضا في هذا المقام فتارة يظن إثبات القدر المشترك يوجب التشبيه
الباطل فيجعل ذلك له حجة فيما يظن نفيه من الصفات حذرا من ملزومات
التشبيه وتارة يتفطن انه لا بد من إثبات هذا على تقدير فيجب به فيما
يثبته من الصفات لمن احتج به من النفاة ولكثرة الاشتباه في هذا المقام
وقعت الشبهة في أن وجود الرب هل هو عين ماهيته أو زائد على
ماهيته؟ وهل لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي أو التواطؤ أو التشكيك؟
كما وقع الاشتباه في إثبات الأحوال ونفيها وفي أن المعدوم هل هو شيء
أو لا؟ وفي وجود الموجودات هل هو زائد على ماهيتها أم لا؟ وقد كثر من
أئمة النظار الاضطراب والتناقض في هذه المقامات فتارة يقول أحدهم
القولين المتناقضين ويحكي عن الناس مقالات ما قالوها وتارة يبقى
في الشك والتحير وقد بسطنا من الكلام في هذه المقامات وما وقع من
اشتباه والغلط والحيرة فيها لأئمة الكلام والفلسفة مالا تتسع له هذه الجمل
المختصرة وبينا أن الصواب هو أن وجود كل شيء في الخارج هو ماهيته
الموجودين في الخارج بخلاف الماهية التي الذهن فإنهما مغيرة للموجود
في الخارج وأن لفظ الذات والشيء والماهية والحقيقة ونحو ذلك فهذه
الألفاظ كلها متواطئة فإذا قيل: إنها مشككة لتفاضل معانيها فالمشكك نوع
من المتواطئ العام الذي يراعى فيه دلالة اللفظ على القدر المشترك سواء
كان المعنى متفاضلا في موارده أو متماثلا وبينما أن المعدوم شيء أيضا
في العلم والذهن لا في الخارج فلا فرق بين الثبوت والوجود لكن الفرق
ثابت بين الوجود العلمي والعيني مع أن ما في العلم ليس هو الحقيقة
الموجودة ولكن هو العلم التابع للعالم القائم به وكذلك الأحوال التي تتماثل
فيها الموجودات وتختلف: لها وجود في الأذهان وليس في الأعيان إلا
الأعيان الموجودة وصفاتها القائمة بها المعينة فتتشابه بذلك وتختلف به
وأما هذه الجملة المختصرة فإن المقصود بها التنبيه على جمل جامعة من
فهمها علم قدر نفعها وانفتح له باب الهدى وإمكان إغلاق باب إضلال ثم
بسطها وشرحها له مقام آخر إذ لكل مقام مقال والمقصود: هنا أن
الاعتماد على مثل هذه الحجة فيما ينفي عن الرب وينزه عنه - كما يفعله
كثير من المصنفين - خطأ لمن تدبر ذلك وهذا من طرق النفي الباطلة
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=14670d8938f31703&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1
أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين
--- --- --- --- --- ---
المصدر : موقع " الدُرر السُنيَة الصديق .

و الله سبحانه و تعالى أعلى و أعلم و أجَلّ
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=14670d8938f31703&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1
صدق الله العلى العظيم و صدق رسوله الكريم

و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم

https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=14670d8938f31703&attid=0.4&disp=emb&zw&atsh=1

( نسأل الله أن يرزقنا إيمانا صادقاً و يقينا لاشكّ فيه )

( اللهم لا تجعلنا ممن تقوم الساعة عليهم و ألطف بنا يا الله )

( و الله الموفق )

=======================

و نسأل الله لنا و لكم التوفيق و شاكرين لكم حُسْن متابعتكم

و إلى اللقاء في الحديث القادم و أنتم بكل الخير و العافية





" إن شـاء الله "