المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من غرفة أبي عدت لكم


adnan
06-11-2014, 04:10 PM
الابنة / أحلام عبد العزيز
و نحمد الله على سلامة عودتها


من غرفة أبي عدت لكم

ما كان أجمل من صورة ساعي البريد :
هذا شخص الذي يجوب الأزقة مشيا أو على الدراجة حاملا إلى الناس
رسائل تفرحهم أو تحزنهم .كنت أحب إسمه بالعامية الذي
كنا نناديه به البوسطجي
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=146803e9ddce538c&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1

وعلمت في ما بعد أنه أجنبي أصلا لكنني أحببت كثيرا الإسم
بالعربية الفصحى ساعي البريد ولا أعلم كيف وضع هذا اللقب أو
هذه الكنية مع أن الساعي يعني العامل والجابي.كم أحببت شخص
البوسطجي هذا الساحر بإطلالته الحامل البشرى أو الخبر المشؤوم

...كانت طرقات البوسطجي على الباب تترجع في قلوب أهل البيت
ها قد أتت رسالة من هنالك من وراء البحر أو من خلف الأفق من البعيد
الذي كان حينذاك بعيدا جدا.لم تكن الرسالة تنفصل عن هاجس السفر
فهي تعني أولا أنها آتية من المهجر حاملة الكثير من الشوق والحنين

الرسالة الآتية من قلب البلاد
لم يكن لها بريق الرسالة الأخرى...
الرسالة إما أن تأتي من الخارج وإما لا تكون المهجر هو الذي كان
يضفي على الرسالة وهجها وعلى البوسطجي يسره الجميل أذكر أيضا
أن البوسطجي كان يحمل برقيات ولم أكن أفهم ما تعني هذه الرسائل
الصغيرة المطبوعة بأحرف سوداء.عندما عرفت أو إل بوستينو
أبهرتني...شخصيته فيها أكثر من شخصية الشاعر التشيلي المنفي
بابلو نيرودا شعرت أن البوسطجي هو الشاعر ببساطته المشرقة
وعفويته وحبه وعندما اكتشف مفهوم المجاز كما لقنه اياه.نيرودا راح
يستخدمه بألق شديد... خفف من حماستي إزاء الرواية المكتوبة
مع أنها جميلة

البوسطجي لا يدق الباب مرتين كم مصيب هذا العنوان...
إذا طرق البوسطجي الباب ولم يرد عليه أحد.يكون القدر هو الذي
رمى نرده ستظل الرسالة مغلقة ولن يفتحها أحد أو يقرأها ستنام في
أدراج القدر.كنت كلما صادفتني شخصية البوسطجي في رواية أو قصة
أقف أمامها طويلا وأعاود القراءة مستعيدة ذكرى الزمن الذي ولى الزمن
الجميل الذي كنت وما زلت أسميه زمن الأب.لطالما سررت بما كتب يحيى
حقي وإبراهيم أصلان وسواهما عن هذا البوسطجي الذي غاب وانطوت
معه حكاياته البديعة الآن ما عدنا نبصر بوسطجياوأبوابنا ما عادت
تطرقها يد موظف البريد بات يتصل بنا. لنذهب إلى المكتب ونتسلم
الرسائل الآن الرسائل التي باتت نادرة جدا أما ما يصلنا إلى البيت فهو
بريد عملي فواتير وإيصالات وهلم جرا صارت تصلنا عبر البريد
الإلكتروني الذي غزا الكون

هذا الكون الذي بات يوصف بالقرية العالمية
وما أبشعها قرية...
وما أبشع هذه الرسائل التي نقرأها على الشاشة الفضية.
من دون أن نلمسها ونتحسس دفئها ونشم حبرها.
ما كان أجمل زمنك أيها البوسطجي الجميل.