المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : باب آثار النَّبيّ صلَّى الله عليه و سلَّم


adnan
07-06-2014, 02:42 AM
الأخ / مصطفى آل حمد


باب آثار النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم
البداية والنهاية لابن كثير

باب آثار النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم التي كان يختص بها في حياته

فصل آداب الطَّعام‏:‏
وروى مسلم عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن زيد بن الحبَّاب، عن عكرمة
بن عمَّار، حدَّثني إياس ابن سلمة بن الأكوع أنَّ أباه حدَّثه أنَّ رجلاً أكل
عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بشماله‏.‏
فقال له‏:‏

‏(‏‏ ‏كل بيمينك‏ )‏‏.‏
قال‏:‏ لا أستطيع‏.‏
قال‏:‏

( ‏لا استطعت ما يمنعه إلا الكبر ‏‏)‏‏.‏
قال‏:‏ فما رفعها إلى فِيه‏.‏

وقد رواه أبو داود الطَّيالسيّ عن عكرمة، عن إياس، عن أبيه قال‏:‏
أبصر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بشر بن راعي العير وهو يأكل
بشماله فقال‏:‏

‏(‏‏ ‏كُلْ بيمينك )‏‏.‏
قال‏:‏ لا أستطيع‏.‏
قال‏:‏

‏(‏‏ ‏لااستطعت‏ ‏‏)‏‏.‏

فما وصلت يده إلى فيه بعد

وثبت في صحيح مسلم من حديث شعبة عن أبي حمزة، عن ابن عبَّاس
قال‏:‏ كنت ألعب مع الغلمان فجاء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فاختبأت
منه، فجاءني فحطاني حطوة أو حطوتين وأرسلني إلى معاوية في حاجة
فأتيته وهو يأكل‏.‏فقلت‏:‏ أتيته وهو يأكل‏.‏فأرسلني الثَّانية، فأتيته وهو يأكل‏.‏
فقلت‏:‏ أتيته وهو يأكل‏.‏
فقال‏:‏

‏(‏‏ ‏لا أشبع الله بطنه )‏‏.‏

وقد روى البيهقيّ عن الحاكم، عن علي بن حماد، عن هشام بن علي،
عن موسى بن إسماعيل، حدَّثني أبو عوانة عن أبي حمزة سمعت
ابن عبَّاس قال‏:‏ كنت ألعب مع الغلمان فإذا رسول الله قد جاء‏.‏فقلت‏:‏
ما جاء إلا إليَّ فذهبت فاختبأت على باب فجاء فخطاني خطوة وقال‏:‏

‏(‏‏ ‏إذهب فادع لي معاوية‏ ‏‏)‏

- وكان يكتب الوحي -‏.‏
قال‏:‏ فذهبت فدعوته له فقيل‏:‏ إنَّه يأكل‏.‏
فأتيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقلت‏:‏ إنَّه يأكل‏.‏
فقال‏:‏ ‏

(‏‏ ‏إذهب فادعه لي‏ )‏‏.‏
فأتيته الثَّانية فقيل‏:‏ إنَّه يأكل‏.‏
فأتيت رسول الله فأخبرته‏.‏
فقال في الثَّانية‏:‏

‏( ‏لا أشبع الله بطنه‏ ‏‏)‏‏.‏
قال‏:‏ فما شبع بعدها‏.‏

قلت‏:‏ وقد كان معاوية رضي الله عنه لا يشبع بعدها، ووافقته هذه الدَّعوة
في أيام إمارته فيقال‏:‏ إنَّه كان يأكل في اليوم سبع مرات طعاماً بلحم وكان
يقول‏:‏ والله لا أشبع وإنما أعيى‏.‏

وقال مالك عن زيد بن أسلم، عن جابر بن عبد الله قال‏:‏ خرجنا مع رسول
الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غزوة بني أنمار فذكر الحديث في الرَّجل الذي
عليه ثوبان قد خلقا، وله ثوبان في القنية فأمره رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم فلبسهما ثمَّ ولى‏.‏
فقال رسول الله‏:‏

(‏‏ ‏ماله ضرب الله عنقه‏؟‏‏ ‏‏)‏
فقال الرَّجل‏:‏ في سبيل الله‏.‏
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏

(‏‏ ‏في سبيل الله‏ ‏‏)‏‏.‏
فقتل الرَّجل في سبيل الله‏.‏
وقد ورد من هذا النَّوع كثير، وقد ثبت في الأحاديث الصَّحيحة بطرق
متعددة عن جماعة من الصَّحابة تفيد القطع كما سنوردها قريباً في باب
فضائله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال‏:‏

‏(‏‏ ‏اللَّهم من سببته أو جلدته أو لعنته وليس لذلك أهلاً،
فاجعل ذلك قربةً له تقرِّبه بها عندك يوم القيامة‏ ‏‏)‏‏.‏

وقد قدَّمنا في أول البعثة حديث ابن مسعود في دعائه صلَّى الله عليه وسلَّم
على أولئك النَّفر السَّبعة الذين أحدهم أبو جهل ابن هشام وأصحابه حين
طرحوا على ظهره عليه السلام الجَّزور وألقته عنه ابنته فاطمة،
فلمَّا انصرف قال‏:‏

(‏‏ ‏اللَّهم عليك بقريش، اللَّهم عليك بأبي جهل بن هشام،
وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة‏ ‏‏)‏

ثمَّ سمَّى بقية السَّبعة‏.‏

قال ابن مسعود‏:‏
فوالذي بعثه بالحقّ لقد رأيتهم صرعى في القليب قليب بدر، الحديث
وهو متفق عليه‏.‏ ‏

حديث آخر‏:‏

قال الإمام أحمد‏:‏
حدَّثني هشام، ثنا سليمان - يعني‏:‏ ابن المغيرة - عن ثابت، عن أنس
بن مالك قال‏:‏ كان منَّا رجل من بني النَّجار قد قرأ البقرة وآل عمران،
وكان يكتب لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فانطلق هارباً حتى لحق
بأهل الكتاب‏.‏قال‏:‏ فرفعوه وقالوا‏:‏ هذا كان يكتب لمحمد وأعجبوا به، فما
لبث أن قصم الله عنقه فيهم فحفروا له فواروه فأصبحت الأرض قد نبذته
على وجهها، ثمَّ عادوا فحفروا له وواروه فأصبحت الأرض قد نبذته على
وجهها، فتركوه منبوذاً‏.‏ورواه مسلم عن محمد بن راضي، عن أبي النَّضر
هاشم بن القاسم به‏.‏

طريق أخرى عن أنس‏:‏
قال الإمام أحمد‏:

‏ حدَّثنا يزيد بن هارون، ثنا حميد عن أنس أنَّ رجلاً كان يكتب للنَّبيّ
صلَّى الله عليه وسلَّم وكان قد قرأ البقرة وآل عمران، وكان الرَّجل إذا قرأ
البقرة وآل عمران عزَّ فينا - يعني‏:‏ عظم –
فكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يملي عليه‏:‏ ‏

{ غفوراً رحيماً‏ }‏

فيكتب عليماً حكيماً،
فيقول له النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏ ‏

(‏‏ ‏إكتب كذا وكذا‏ )‏‏.‏
فيقول‏:‏ أكتب كيف شئت‏.‏
ويملي عليه‏:‏

‏{ عليماً حكيماً‏ }.‏
فيكتب‏:‏ سميعاً بصيراً‏.‏
فيقول‏:‏ ‏

(‏‏ ‏أكتب كيف شئت‏ ‏‏)‏‏.‏

قال‏:‏ فارتد ذلك الرَّجل عن الإسلام فلحق بالمشركين وقال‏:‏ أنا أعلمكم
بمحمد، وإني كنت لا أكتب إلا ما شئت، فمات ذلك الرَّجل‏.‏
فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏

‏( ‏إنَّ الأرض لا تقبله‏ ‏‏)‏‏.‏

قال أنس‏:‏ فحدثني أبو طلحة أنَّه أتى الأرض التي مات فيها ذلك الرَّجل
فوجده منبوذاً‏.‏فقال أبو طلحة‏:‏ ما شأن هذا الرجل ‏؟‏قالوا‏:‏ قد دفنَّاه مراراً
فلم تقبله الأرض‏.‏وهذا على شرط الشَّيخين ولم يخرِّجوه‏.‏

طريق أخرى عن أنس‏:‏
وقال البخاري‏:
‏ ثنا أبو معمر، ثنا عبد الرَّزاق، ثنا عبد العزيز عن أنس بن مالك قال‏:‏
كان رجل نصراني فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنَّبيّ
صلَّى الله عليه وسلَّم فعاد نصرانياً‏.‏وكان يقول‏:‏ لا يدري محمد إلا ما كتبت
له، فأماته الله فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض‏.‏فقالوا‏:‏ هذا فعل محمد –
وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه - فحفروا له فأعمقوا
له في الأرض ما استطاعوا، فأصبحوا وقد لفظته الأرض، فعلموا أنَّه
ليس من النَّاس فألقوه