المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحوار منهجاً نبوياً


adnan
07-12-2014, 12:12 AM
الأخ / عبد العزيز محمد - الفقير إلي الله



الحوار منهجاً نبوياً

لقد اهتم النبي (صلى الله عليه وسلم) بأسلوب الحوار
وجعل منه منهجاً في خطاباته للناس ودعوته لهم، لما له من أثر وتأثير
بالغين في نفوس المدعوين وعقولهم ولما له من تحفيز على الطاعات
وترك للمعاصي، ولما فيه من تلقين توجيه تربوي لكل الدعاة
والمربين إلى يوم القيامة.

ومن أبرز حواراته صلى الله عليه وسلم
تلك التي كانت بينه وبين قومه المشركين ما يروي ابن هشام عن
ابن إسحاق
أن عتبة بن ربيعة كان في نادي قريش فقال:

( يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً
لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟ فقالوا: بلى يا أبا
الوليد قم إليه فكلمه فجاء عتبة حتى جلس إلى رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) فقال: يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت
من الشرف في العشيرة والمكانة في النسب وإنك قد أتيت قومك
بأمرٍ عظيم فرّقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم فاسمع مني
أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل يا أبا الوليد أسمع.قال:
يابن أخي إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من
أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا
حتى لا نقطع أمراً دونك وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا وإن
كان الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب
وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فقال له رسول الله
(صلى الله عليه وسلم): أفرغت يا أبا الوليد؟قال: نعم.
قال: فاسمع منى ثم قال:

{ حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ.}
سورة فصلت: الآيات (1 2 3 4).

ومضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
في القراءة وعتبة يسمع حتى وصل إلى قوله تعالى:

{ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُود }
سورة فصلت: الآية (13).

فأمسك عتبة بفيه وناشده الرحم أن يكف عن القراءة وذلك خوفاً
مما تضمنته الآية من تهديد.ثمّ عاد عتبة إلى أصحابه فلما جلس
بينهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟قال: ورائي أني سمعت قولاً
ما سمعت بمثله قط والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة
يا معشر قريش أطيعوني وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه
فاعتزلوه فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم فإن تصبه
العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم
وعزه عزكم.قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه.قال: هذا رأيي
فيه فاصنعوا ما بدا لكم.ثمّ إن أشراف قريش عادوا فكرروا
المحاولة التي قام بها عتبة بن ربيعة فذهبوا إليه مجتمعين
وعرضوا عليه الزعامة والمال وعرضوا عليه الطب إن كان الذي
يأتيه رئيّاً من الجان.فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
ما بي ما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف
فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولاً وأنزل عليّ كتاباً
وأمرني أن أكون بشيراً ونذيراً، فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم
فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن
تردوه إليّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم.)

وإنّ الحوار الذي وقع في صلح الحديبية بين النبي (صلى الله عليه وسلم)
ورجالات من قريش يمثلون وفوداً للتفاوض مع النبي (صلى الله عليه وسلم)
وكان على رأسهم بديل بن ورقاء الخزاعي ومنهم عروة بن مسعود
ومنهم سهيل بن عَمْرٍ الذي كتب الصلح مع النبي (صلى الله عليه وسلم)
كل ذلك قد مثّل فتحاً مبيناً للإسلام والمسلمين.

الحوار الجاد يتطلب احترام الآخر وحقه في الدفاع
عن رأيه وتحمل مسؤوليته في ما هو مقتنع به.