المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أصول الحوار


adnan
07-12-2014, 01:05 AM
الأخ / عبد العزيز محمد - الفقير إلي الله



أصول الحوار

أصول الحوار فتتمثل في الآتي:

الأصل الأول:
سلوك الطرق العلمية والتزامها
عندما يدخل المتحاوران في الحوار فانهما يلتزمان بالطرق العلمية من
هذه الطرق مثلاً: تقديم الأدلة المثبتة بمعنى: ان كل طرف يُقدِّم أدلته
المثبتة أو المرجحة للدعوى أما ان يكون كلاماً في هواء وكلاماً هباءً فهذا
معلوم انه بعيد عن الحوار فمن أصول الحوار ان تأتي بأمر واضح بيِّن
في نفسك اما بجلاء عباراته أو بجلاء دليله.

الأصل الثاني: صحة النقل
في الأمور المنقولة لا بد منها وفي هذين الطريقين جاءت القاعدة
الحوارية المشهورة: ان كنت ناقلاً فالصحة وان كنت مُدَّعياً فالدليل.
هذه قضية لا يجوز ان يدخل المتحاوران الا وقد تسلحا بها لان المادة التي
معهما أو يريدان ان يطرحاها في ما بينهما لا بد ان تكون مُدعمة بدليل ان
كانت قضايا عقلية واذا كانت أخباراً لا بد ان تكون مثبتة وفي التنزيل جاء
قوله سبحانه وتعالى:

{ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }
(البقرة:111)

وقد جاء ذلك في أكثر من آية، وجاء قوله تعالى:

{ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي }
(الانبياء:24)

وجاء في آية أخرى في بني اسرائيل:

{ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا اِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }
(آل عمران:93)

هذا هو الأصل الأول. الأصل الثاني: سلامة كلام المناظر ودليله من
التناقض لا بد في المتناظرين ان يكون كلامهما وأدلتهما سالمةً من
التناقض فالمتناقض ساقطٌ بداهةً ومن أمثلة ذلك: وصف فرعون لموسى
عليه السلام بقوله:

{ وَفِي مُوسَى اِذْ أَرْسَلْنَاهُ اِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ *
فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ }
(الذاريات:38-39)

وهو وصف قاله الكفار لكثير من الانبياء بما فيه كفار الجاهلية لنبينا
محمد صلى الله عليه وسلم فوصفوه بالوصفين: ساحر ومجنون وهذان
الوصفان السحر والجنون لا يجتمعان لان الشأن في الساحر العقل
والفطنة والذكاء أما المجنون فلا عقل معه البتة وهذا منه تهافتٌ ظاهر
وتناقض بيِّن ومثله أيضاً في ما ذكر بعض المفسرين وقد تكون مسألة
تحتاج الى نظر لكني سآتي بها للتمثيل فقط نعت كفار قريش لآيات محمد
صلى الله عليه وسلم بانها سحر مستمر في قوله تعالى:

{ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَاِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا
وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ }
(القمر:1-2).

قال بعض المفسرين:
وهو تناقض فالسحر لا يكون مستمراً والمستمر لا يكون سحراً.

الأصل الثالث:
ألا يكون الدليل هو عين الدعوى لانه اذا كان كذلك لم يكن دليلاً ولكنه
اعادة للدعوة بألفاظ وصيغ أخرى وعند بعض المحاورين من البراعة
في تزيين الألفاظ وزخرفتها ما يوهم بانه يُورد دليلاً وواقع الحال انه
اعادة للدعوى بلفظ مغاير وهذا تحايل في أصول الحوار باطل بل هو
حيدةٌ عن طلب الحق وسبيلٌ لاطالة النقاش من غير فائدة.

الأول مثلاً: لو ان أحداً عنده ولدان سعد وسعيد فأعطى سعداً
ولم يُعطِ سعيداً فقيل له: لماذا أعطيت سعداً؟قال: لانه ولدي وهذا تعليل
ساقط لانه سيقال له: وسعيد أيضاً ولدك فمثل هذا التعليل غير مقبول.

الأصل الرابع:
الاتفاق على منطلقات ثابتة وقضايا مسلمة وهذا الأصل مهم جداً وهو
الذي أشرت اليه في مقدمة الحديث: وهو الاتفاق على منطلقات ثابتة
وقضايا مُسَلَّمة أو بعبارة أصح: لا يجوز الخوض في المسلمات نقول:
هذه المسلمات والثوابت قد يكون مرجعها العقل أي: انها عقلية بحتة لا
تقبل البحث عند العقلاء متجلية مثلاً: حسن الصدق ان يكون الصدق حسناً
«متفقٌ عليه» قبح الكذب شكر المحسن معاقبة المذنب هذه قضايا
لا يختلف عليها أحد.

الأصل الخامس:
التجرد وقصد الحق والبعد عن التعصب والالتزام بأدب الحوار ان اتباع
الحق والسعي للوصول اليه والحرص على الالتزام به هو الذي يقود
الحوار الى طريق مستقيم لا عوج فيه ولا التواء ويحول دون الانسياق
وراء الهوى سواء كان هوى النفس أو هوى الجمهور أو هوى الأتباع
والعاقل فضلاً عن المسلم الصادق طالب حق باحث عن الحقيقة ينشد
الصواب ويتجنب الخطأ يقول أبو حامد الغزالي: التعاون على طلب الحق
من الدين ولكن له شروط وعلامات:

منها: ان يكون في طلب الحق كناشد ضالة لا يفرق بين ان تظهر الضالة
على يده أو على يد معاونه ويرى رفيقه معيناً لا خصماً ويشكره اذا
عرفه الخطأ وأظهره له.

ومن مقولات الامام الشافعي رحمه الله المحفوظة:
ما كلَّمتُ أحداً قط الا أحببت ان يُوفق ويُسدد ويُعان وتكون عليه رعاية الله
وحفظه وما ناظرني فباليت أظهرت الحجة على لساني أو على لسانه.

الأصل السادس:
أهلية المحاور اذا كان من الحق ألا يمنع صاحب الحق عن حقه فمن الحق
ألا يُعطى هذا الحق لمن لا يستحق كما ان من الحكمة والعقل والأدب في
الرجل ألا يعترض على ما ليس له أهلاً ولا يدخل في ما ليس هو فيه كفواً.
من الخطأ ان يتصدى للدفاع عن الحق من كان على الباطل وهذا ما يفعله
كثيرٌ من المستشرقين يظنون انفسهم انهم مدافعون عن الاسلام ومن هنا
جاءت الزلات من المستغربين حينما تبعوا آثار المستشرقين.

الأصل السابع:
الرضا والقبول بالنتائج الرضا والقبول بالنتائج التي يتوصل اليها
المتحاورون والالتزام الجاد بها وبما يترتب عليها، فهذا الأصل لا بد
ان يكون متفقاً عليه بينهما وهو الرضا والقبول بالنتائج واذا لم يتحقق
هذا الأصل كانت المناظرة ضرباً من العبث الذي يتنزه عنه العقلاء.