المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فصل المباهلة‏


adnan
07-17-2014, 01:02 AM
الأخ / مصطفى آل حمد




فصل المباهلة‏

وقد ذكرنا في التَّفسير عند قوله تعالى في سورة البقرة‏:‏

‏{‏ قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ
فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ‏}‏
‏[‏البقرة‏:‏ 94-95‏]‏‏.‏

ومثلها في سورة الجمعة وهي قوله‏:‏ ‏

{ ‏قُلْ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ
فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ‏}‏
‏[‏الجمعة‏:‏ 6- 7‏]‏‏.‏

وذكرنا أقوال المفسرين في ذلك، وأنَّ الصَّواب أنَّه دعاهم إلى المباهلة،
وأن يدعو بالموت على المبطل منهم أو المسلمين، فنكلوا عن ذلك لعلمهم
بظلم أنفسهم وأنَّ الدَّعوة تنقلب عليهم ويعود وبالها إليهم‏.‏وهكذا دعا
النَّصارى من أهل نجران حين حاجُّوه في عيسى بن مريم، فأمره الله أن
يدعوهم إلى المباهلة في قوله‏:‏ ‏

{ ‏فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا
وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ
فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ‏ }‏
‏[‏آل عمران‏:‏ 61‏]‏‏.‏

وهكذا دعا على المشركين على وجه المباهلة في قوله‏:‏

‏{‏ قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً }‏
‏[‏مريم‏:‏ 75‏]‏‏.‏

وقد بسطنا القول في ذلك عند هذه الآيات في كتابنا ‏(‏التَّفسير‏)‏ بما فيه
كفاية، ولله الحمد والمنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏6/195‏)‏

حديث آخر يتضمن اعتراف اليهود بأنَّه رسول الله‏:‏
ويتضمن تحاكمهم ولكن بقصد منهم مذموم، وذلك أنهم ائتمروا بينهم أنَّه
إن حكم بما يوافق هواهم اتبعوه وإلا فاحذروا ذلك، وقد ذمَّهم الله في كتابه
العزيز على هذا القصد قال عبد الله بن المبارك‏:‏ ثنا معمر عن الزهري
قال‏:‏ كنت جالساً عند سعيد بن المسيّب، وعند سعيد رجل وهو يوقره وإذا
هو رجل من مزينة كان أبوه شهد الحديبية وكان من أصحاب أبي هريرة
قال‏:‏ قال أبو هريرة‏:‏ كنت جالساً عند رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
إذ جاء نفر من اليهود وقد زنا رجل منهم وامرأة فقال بعضهم لبعض‏:‏
اذهبوا بنا إلى هذا النَّبيّ فإنَّه نبي بعث بالتَّخفيف فإن أفتانا حداً دون الرَّجم
فعلناه واحتججنا عند الله حين نلقاه بتصديق نبيّ من أنبيائه‏.‏

قال مُرَّة عن الزهري‏:‏
وإن أمرنا بالرَّجم عصينا فقد عصينا الله فيما كتب علينا من الرَّجم في التَّوراة‏.‏

فأتوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو جالس في المسجد في أصحابه
فقالوا‏:‏ يا أبا القاسم ما ترى في رجل منَّا زنا بعد ما أحصن ‏؟‏فقام
رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولم يرجع إليهم شيئاً، وقام معه رجال
من المسلمين حتى أتوا بيت مدراس اليهود فوجدوهم يتدارسون التَّوراة‏.‏
فقال لهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏

‏( ‏يا معشر اليهود أنشدكم بالله الذي أنزل التَّوراة على موسى
ما تجدون في التوراة من العقوبة على من زنا إذا أحصن‏؟‏‏ ‏‏)‏

قالوا‏:‏ نجبيه، - والتجبية أن يحملوا اثنين على حمار فيولوا ظهر أحدهما
ظهر الآخر - قال‏:‏ وسكت حبرهم - وهو فتى شاب - فلمَّا رآه رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم صامتاً ألظ به النشدة‏.‏فقال حبرهم‏:‏ أمَّا إذ نشدتهم فإنَّا
نجد في التَّوراة الرَّجم على من أحصن‏.‏
قال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:

‏ ‏( ‏فما أوَّل ما ترخصتم أمر الله عزَّ وجل‏؟‏‏ ‏‏)‏

فقال‏:‏ زنا رجل منَّا ذو قرابة بملك من ملوكنا فأخَّر عنه الرَّجم، فزنا بعده
آخر في أسرة من النَّاس فأراد ذلك الملك أن يرجمه فقام قومه دونه
فقالوا‏:‏ لا والله لا نرجمه حتى يرجم فلاناً ابن عمه، فاصطلحوا بينهم
على هذه العقوبة‏.‏
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏

‏(‏‏ ‏فإني أحكم بما حكم في التَّوراة ‏‏)‏‏.‏

فأمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بهما فرجما‏.‏

قال الزهريّ‏:‏
وبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم‏:‏

‏{‏ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ
يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ‏}‏
‏[‏المائدة‏:‏ 44‏]‏‏.‏

وله شاهد في الصَّحيح عن ابن عمر‏.‏

قلت‏:‏ وقد ذكرنا ما ورد في هذا السِّياق من الأحاديث عند قوله تعالى‏:

{‏ يا أيُّها الرَّسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر
من الذين قالوا آمنَّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم
ومن الذين هادوا سمَّاعون للكذب سمَّاعون لقوم آخرين لم يأتوك
يحرِّفون الكَلِم عن مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه ‏}‏
‏[‏المائدة‏:‏ 41‏]‏‏.‏

يعني‏:‏ الجلد والتَّحميم الذي اصطلحوا عليه وابتدعوه من عند أنفسهم،
يعني‏:‏ إن حكم لكم محمد بهذا فخذوه، وإن لم تؤتوه فاحذروا، يعني‏:‏ وإن
لم يحكم لكم بذلك فاحذروا قبوله
قال الله تعالى‏:‏ ‏

{‏ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ
وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏ }
‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 41‏]‏‏.‏

إلى أن قال‏:‏

‏{ ‏وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ
ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ‏}‏
‏[‏المائدة‏:‏ 43‏]‏‏.‏

فذمَّهم الله تعالى على سوء ظنِّهم وقصدهم بالنِّسبة إلى اعتقادهم في
كتابهم، وإنَّ فيه حكم الله بالرَّجم وهم مع ذلك يعلمون صحَّته ثمَّ يعدلون
عنه إلى ما ابتدعوه من التَّحميم والتَّجبية‏.‏وقد روى هذا الحديث محمد بن
إسحاق عن الزهري قال‏:‏ سمعت رجلاً من مزينة يحدِّث سعيد بن المسيّب
أنَّ أبا هريرة حدَّثهم فذكره وعنده‏.‏
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لابن صوريا‏:‏

‏(‏‏ ‏أنشدك بالله وأذكِّرك أيامه عند بنيّ إسرائيل هل تعلم أنَّ الله
حكم فيمن زنا بعد إحصانه بالرَّجم في التَّوراة‏؟ )‏

فقال‏:‏ اللَّهم نعم، أما والله يا أبا القاسم إنهم يعرفون أنَّك نبيّ مرسل ولكنَّهم
يحسدونك‏.‏فخرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأمر بهما فرجما عند
باب مسجده في بني تميم عند مالك بن النَّجار‏.‏قال‏:‏ ثمَّ كفر بعد ذلك ابن
صوريا فأنزل الله‏:‏ ‏

{ يا أيُّها الرَّسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر }
الآيات‏.‏

وقد ذكر عبد الله بن صوريا الأعور في حديث ابن عمير وغيره بروايات
صحيحة قد بيناها في التفسير‏.‏

حديث آخر‏:‏
قال حماد بن سلمة‏:‏ ثنا ثابت عن أنس أنَّ غلاماً يهودياً كان يخدم النَّبيّ
صلَّى الله عليه وسلَّم فمرض فأتاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يعوده
فوجد أباه عند رأسه يقرأ التَّوراة
فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏

(‏‏(‏يا يهوديّ أنشدك بالله الذي أنزل التَّوراة على موسى هل تجدون
في التَّوراة نعتي وصفتي ومخرجي ‏؟‏)
فقال‏:‏ لا‏.‏
فقال الفتى‏:‏ بلى والله يا رسول الله إنَّا نجد في التَّوراة نعتك وصفتك
ومخرجك، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنَّك رسول الله‏.‏
فقال النَّبيّ لأصحابه‏:

‏ ‏(‏‏ ‏أقيموا هذا من عند رأسه ولوا أخاكم‏ )‏

ورواه البيهقيّ من هذا الوجه بهذا اللَّفظ‏.‏

حديث آخر‏:‏
قال أبو بكر ابن أبي شيبة‏:‏ ثنا عفَّان، حدَّثنا حماد بن سلمة عن عطاء
بن السَّائب، عن أبي عبيدة ابن عبد الله، عن أبيه قال‏:‏ إنَّ الله ابتعث نبيه
صلَّى الله عليه وسلَّم لإدخال رجل الجنَّة، فدخل النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم
كنيسة وإذا يهودي يقرأ التَّوراة، فلمَّا أتى على صفته أمسك‏.‏
قال‏:‏ وفي ناحيتها رجل مريض‏.‏
فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏

‏(‏‏ ‏ما لكم أمسكتم‏؟‏‏ ‏‏)‏

فقال المريض‏:‏ إنهم أتوا على صفة نبيّ فأمسكوا، ثمَّ جاء المريض يحبو
حتى أخذ التَّوراة‏.‏وقال‏:‏ إرفع يدك، فقرأ حتى أتى على صفته‏.‏فقال‏:‏ هذه
صفتك وصفة أمتك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمداً رسول الله
ثمَّ مات‏.‏
فقال النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم‏:‏

‏( ‏لوا أخاكم ‏‏)‏‏.‏ ‏

حديث آخر‏:‏
أنَّ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وقف على مدراس اليهود فقال‏:‏

‏( ‏يا معشر يهود أسلموا، فوالذي لا إله إلا هو إنَّكم لتعلمون
أني رسول الله إليكم‏ )‏‏.‏