المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 08.10.1435


adnan
08-04-2014, 09:30 PM
الأخ / إبراهيم أحمد
درس اليوم

[ دخلت امرأة النار في هرة ]




قصة الأسبوع (دخلت امرأة النار في هرة)

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَدَخَلَتْ فِيهَا
النَّارَقَالَ فَقَالَ :"وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلَا سَقَيْتِهَا حِينَ
حَبَسْتِيهَا وَلَا أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ )
. متفق عليه واللفظ للبخاري

وفي صحيح البخاري عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
أن النبي – صلى الله عليه وسلم – رأى تلك المرأة في صلاة الكسوف
حيث قال :

(..وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ....... فإذا امرأة تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ قُلْتُ مَا شَأْنُ هَذِهِ
قَالُوا حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا لَا أَطْعَمَتْهَا وَلَا أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ ) .

وجاء في رواية النسائي 1465 :

( حَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا امْرَأَةً مِنْ حِمْيَرَ تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ .............
فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا تَنْهَشُهَا إِذَا أَقْبَلَتْ وَإِذَا وَلَّتْ تَنْهَشُ أَلْيَتَهَا ) .

معاني المفردات

في هرّة :
بسبب قطّة

خشاش الأرض :
حشرات الأرض ، وما يدبّ عليها من العقارب والحيات ونحوهما

تخدشها هرّة :
تجرحها بمخالبها

تنهش أليتها :
تجرحها في مؤخرّتها

تفاصيل القصّة
المرأة هي منبع الحنان وموطن الرفق ، خلقها الله سبحانه وتعالى وجعل
من عاطفتها الفيّاضة جزءاً لا يتجزّأ من تكوينها ، فتراها تنطلق من
مشاعرها المرهفة وأحاسيسها الرقيقة لتحنو على من حولها وتغمره
بهذه العاطفة .

ولكن ماذا إذا نُزعت الرحمة من قلب أنثى وأجدبت فيها معاني الشفقة
لتفقد إنسانيّتها وفطرتها وأبرز صفاتها ؟ ، وكيف يكون الحال إذا وجدت
القسوة طريقها إلى نفسها لتدفعها إلى الإضرار والإفساد والتعذيب ،
في خُلُق معوج وسلوك منحرف ؟ لا شكّ حينها أن النتائج ستختلف ،
والموازين ستنقلب ، والقيم ستتبدّل ، فإذا بنا نرى الرحمة على الآخرين
تنقلب شدّة عليهم ، وإذا التوجّع من أصوات الأنين يحلّ محلّه الأنس بذلك
الصوت والراحة لسماعه .

وبين يدينا صورةٌ مخالفةٌ للأصل ، ومناقضةٌ للفطرة الأنثويّة ، أخبر عنها
رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، جرت وقائعها أيّام الجاهليّة ،
والقصّة أن امرأة من "حمير " كانت تملك هرّة ، فبدلاً من رعايتها
والاعتناء بها ، وبدلاً من إطعامها والإحسان إليها ، إذا بها تحبسها
وتمنعها من الخروج ، وليت الأمر اقتصر على ذلك فحسب ولكنها منعت
عنها الطعام والشراب ، دون أن تُلقي بالاً إلى أصوات الاستغاثة التي
كانت تصدر من الهرّة .

وظلّت الهرّة تعاني من الجوع والعطش أياما وليالي ، لم تجد فيها شيئاً
من طعام يشبع جوعتها ، أو قطرة ماءٍ يطفيء ظمأها ، ولم يُسمح لها
بمغادرة البيت علّها تظفر بشيء تأكله ولو كان من هوام الأرض
وحشراتها ، حتى فارقت الحياة ، والمرأة تنظر إلى ذلك كلّه دون
أن تحرّكها يقظة من ضميرٍ أو وازعٌ من خير .

ولكنّ ربّك بالمرصاد ، حرّم الظلم على نفسه ولا يرضى وقوعه على أحد ،
فكان عقابها الإلهيّ الذي رآه النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم كُسفت
الشمس أن الله سلّط عليها هرّة تجرحها بمخالبها مُقبلةً مُدبرة حتى يوم
القيامة ، ثم يكون مصيرها نار جهنّم والعياذ بالله .

وقفات مع حق الحيوان في شرعة النبي العدنان
في التحذير - الذي ورد في الحديث – من تعذيب الحيوانات وأذيّتها ،
دعوةٌ إلى الإحسان والرّحمة بالآخرين ، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلّق
بالحيوان ، والإسلام قائم على مبدأ الإحسان في معاملة الخالق والمخلوق
ولنتأمل كيف وجّه الله سبحانه وتعالى النظر إلى الحيوانات ، باعتبارها
نعمةً عظيمةً سُخّرت للبشر كي ينتفعوا بلحومها وأشعارها وأوبارها ، ثم
كيف جاء الحثّ على الرفق بتلك المخلوقات ، ذلك الرفق الذي يمنع من
تعذيب الحيوان أو ضربه ووسمه بالنار ، ويأمر بإحسان قتله ، وينهى
عن حدّ الشفرة أمامه حتى لا تتأذّى من النظر إليها .

وقد عاب القرآن الكريم ما كان عليه أهل الجاهليّة
من تعذيب الحيوانات بشقّ آذانها ،
قال تعالى :

{ إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا
* لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا *
وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ
فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ
فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا }
( النساء : 117-119 )

وصحّ عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله :

( لَا تَقُصُّوا نَوَاصِي الْخَيْلِ – مقدّم رأسها - وَلَا مَعَارِفَهَا –
شعر الرّقبة - وَلَا أَذْنَابَهَا فَإِنَّ أَذْنَابَهَا مَذَابُّهَا – أي تدفع عنها
الهوام كالذباب ونحوه - ، وَمَعَارِفَهَا دِفَاؤُهَا - أي كساؤها
الذي تدفأ به - ، نَوَاصِيَهَا مَعْقُودٌ فِيهَا الْخَيْرُ )
رواه أبو داود 2180 وصححه الألباني في صحيح أبي داود ،

وقال عليه الصلاة والسلام :

( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا
الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ
فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ )
رواه مسلم3615 ،

ونهى عليه الصلاة والسلام :

( أَنْ يُقْتَلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّوَابِّ صَبْرًا )
رواه مسلم 3620

وهو حبس الحيوان دون طعام أو شراب حتى الموت ، أو أن يُتّخذ
الحيوان هدفاً للرماية.

وعندما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم –
حماراً قد ُوسم في وجهه ، غضب لذلك وقال :

( لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ )
رواه مسلم 3953.

ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة
(صفحة الشيء : وجهه وجانبه) شاة وهو يحد شفرته (أي سكينه) وهي
تلحظ إليه ببصرها ، فقال :

( أفلا قبل هذا تريد أن تميتها موتتين؟؟!! )
رواه الطبراني في الأوسط 3728 وصححه الألباني في السلسلة 24

وفي مجال الاهتمام بغذاء الحيوان
يقول النبي – صلى الله عليه وسلم - :

( إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَظَّهَا مِنْ الْأَرْضِ )
رواه مسلم 3552

ومَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ:

( اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ
فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً )
رواه أبوداود وصححه الألباني في السلسلة 23

وفي مجال الركوب يقول النبي – صلى الله عليه وسلم - :

( اركبوا هذه الدواب سالمة وابتدعوها سالمة
ولا تتخذوها كراسي )
رواه أحمد 15086 وصححه الألباني في السلسلة 21

وأكد – صلى الله عليه وسلم – أن الإساءة للبهائم بنحو الضرب والتحميل
فوق طاقة من جملة الذنوب العظام فقال :

( لو غفر لكم ما تأتون إلى البهائم لغفر لكم كثيرا )
رواه أحمد 26214 وحسنه الألباني السلسلة 21

كما يدلّ الحديث أيضا أن الجزاء من جنس العمل ، فالمرأة عُوقبت بعد
مماتها بهرّة تُعذّبها وتخدش جسدها كما جاء في سياق النصّ .

وبهذا تكون القصّة قد جسّدت اهتمام الإسلام بالحيوان والدعوة إلى
الإحسان إليها ، وإعطاءه حقوقاً في كلّ ما يجلب لها النفع أو يدفع عنها
الضرّ ، وما يكفل لها العيش والحياة ، مما يثبت أسبقيّة هذا الدين العظيم
لكلّ المنظمات الحقوقيّة المعنيّة بالحيوانات والرفق بها.