المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أين توجدُ السَّعادةُ


adnan
09-19-2014, 07:17 PM
الأخت / رنــا محمد
من مجموعة " أحبك لبنان " الصديقة



أين توجدُ السَّعادةُ

النَّجاحُ حليفُ مَن يعملون بِجرأة

هلْ توجدُ السَّعادةُ في النَّجاح ؟
تعدَّدت أقوالُ العُلماء والباحثين والفلاسفة منذ قديم الزَّمان، وتنوَّعت
تعريفاتُهم للسَّعادة: أهِيَ في جمع المال الوفير، أم هي في الجاه
والسُّلطان الكبير؟ أم هي في الجسم القويِّ والبدن السَّويّ؟ أم هي
في العلاقات الطيِّبة، والزَّوج الوفيّ، والصَّديق الوليّ؟ أمْ في هذا
وذاك، وفي غير أولئك من الميادين والمجالات؟!

يرى بعضُهم أنَّ :
السَّعادةَ يشعرُ بها المرءُ عندما يكونُ مَحبوبًا لِشَخصه، ومرغوبًا لذاته،
ومحطَّ أنظار الآخرين ولو كان ذا عُيوب أو مثالب.

ويرى آخرون أنَّ :
الإنسانَ يشعُرُ بالسعادة ويتلذَّذُ طَعمها عندما يصفح عن النّاس، ويُحسنُ
مُعاملتهم. يبيتُ وقلبُهُ سليمٌ تُجاه العالمين، ويُفيقُ وهو مُحبٌّ للجميع،
مُتفانٍ في خِدمتهم.

ويرى أصحابُ المبادئ وعاشقو القيم أنَّ :
المرءَ يكونُ سعيدًا عندما يستنيرُ عقلُه بمبادئه التي يعتقِدُها، وتنبُضُ
جنباتُ صدره بالقيم التي يُؤمن بها، ويكونُ مسروجًا بالمُثُل العُليا،
والخصال الحميدة، ويصلُ إلى درجة التَّوافُق بين المبادئ والأفعال،
ولا يُحِسُّ حينها بالتَّعب الجسدي والإرهاق العضلي.

ويرى أصحابُ الاتِّجاه الرُّوحي، والنُّزوع الدِّينيّ أنَّ :
السَّعادةَ تكمُنُ في إشباع الرّوح بأشواق الإيمان العميق بالله ربِّ العالمين
والشُّعور بالفقر إليه، والتَّعبُّد له، والتَّضرُّع إليه، والتَّوكُّل عليه،
والإخلاص له، وطاعته والفناء في محبَّته، وتطبيق أوامره
واجتناب مناهيه.

ولا ريبَ أَنَّ هذا الاتِّجاه هو أصوبُ سبيلاً،
وأقومُ قيلاً، وأصدقُ حُجَّةً، وأحسنُ تأويلا؛ لأنَّ السّعادة الحقيقيّة لا يشعر
بها إلاّ المؤمنون الصّادقون في إيمانهم بالله تعالى، الذين ذاقوا لذَّةَ
العُبوديّة له جلَّ ثناؤه، وعاشوا في رياض التَّوحيد، وتنسَّموا أريجَ
الطّاعات، وتشرَّبت نفوسُهم لذَّةَ العبادات.

هذا كلامٌ صحيحٌ، وحديثٌ صوابٌ لا يستطيعُ إنكارَه إلاَّ محرومٌ من لذَّة
الإيمان بالله تعالى، وما يفيضُ به الإيمانُ على أصحابه من بركاتٍ
وأعمال صالحات واطمِئنانٍ وقبولٍ، وليس من شأننا في هذا المقام
أن نُحاوِلَ إقناعَ مَنْ لا يرى للإيمان لذَّةً أو سعادةً؛ فلا لَومَ على كفيفٍ
لا يرى ضوءَ الشَّمس، ولا عَتْبَ على مريض الفم إذا لم يستَسِغْ طعمَ
العسل المُصفّى، وقديما قال الحكيمُ العربي: قدْ تُنكِرُ العينُ ضوءَ
الشَّمس من رمدٍ.

ولكنَّ صحَّةَ هذا المذهب لا تمنعُ من :
إردافه بمعانٍ ساميةٍ أخرى تصبُّ في نهر السَّعادة الفيّاض، حيثُ يرى
خبراءُ التَّنمية البشرية وتطوير الذّات، علاوةً على دعمهم المنهج
الإيمانيّ السّابق ذِكرُه، أنَّ المرءَ يذوقُ السّعادةَ في الحياة عندما يُمارِسُ
ما يُحِبُّ، ويفعلُ ما يتناسبُ ويتناسقُ مع مُيوله، وملَكاته، واهتماماته.
فإذا تفانى المرءُ في عملٍ يُحبُّه، ويؤمن بمدى جَدواه، ويكونُ مُوقِنًا
بفوائده وثمراته، وَفقَ خُطط مرسومة، وأهداف معلومة؛ فإِنَّ ذلك يغمسُهُ
في نهر السّعادة الرَّقراق، ويُذيقُه من طَعمها اللَّذيذ، وشرابها الشَّهيّ.
إذا حاولنا أن نجمع بين الأفكار السّابق ذكرُها، فيُمكن أن نصوغَ جملةً
مختصرة مُفادُها أنَّ السّعادةَ هي النَّجاحُ والتَّألُّقُ في الدُّنيا، والفوزُ
والفلاحُ في الآخرة. فما السّبيلُ المُوصلةُ إلى النَّجاح؟ وأين توجد
بُذورهُ الأولى؟ وما الكيفيَّةُ المُثلى لتنميته ورِعايته؟

https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=att&th=148836570d824b6a&attid=0.5&disp=emb&zw&atsh=1

قُدرةُ النَّجاح موجودةٌ في كيان كلِّ إنسانٍ:
رزقَ اللهُ سبحانه وتعالى كُلَّ إِنسانٍ الاستعدادَ للعيش في سعادةٍ، وغَرَسَ
في كيانه مُقوِّمات النَّجاح؛ بحيثُ يستطيعُ أَنْ يُحقِّقَ المزيدَ من التَّفوُّقِ
والتَّميُّز في حياته الخاصّة والعامّة، إذا صحَّ عزمُهُ على إدراك ذلك، كما
أَنَّه يستطيعُ أَنْ يُواجِهَ التَّحدِّيات اليَوميَّة، ويعيشَ بحماسٍ مُنقَطِعِ النَّظير،
ويشعُرَ بِبهجة السَّعادة، ويُحقِّقَ جميعَ طُموحاته، ويزدادَ ثِقةً في نفسه؛
فالحياةُ الدُّنيا قُفلٌ رقميٌّ، ومُهمَّةُ كلِّ واحدٍ مِنّا هي إيجادُ الأرقام الصَّحيحة
بالتَّرتيب الصَّحيح، حتّى يتمكَّنَ من الحُصول على أيِّ شيءٍ يُريدُهُ.
وقدْ لَخَّصت الآيةُ السّابعةُ والعشرون من سورة النَّحل أُسسَ النَّجاح
عند المُسلم في رٌكنين أساسيين هما: الإيمانُ بالله تعالى، والعمَلُ الصّالحُ.
قال جلَّ ثناؤُه:

{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
[النحل: 97]

للنَّجاح مبادئُ ومهاراتٌ مُجرَّبةٌ:
ثمَّةَ مبادئُ كثيرةٌ، ومهاراتٌ متعدِّدةٌ يُؤدِّي الاستمساكُ بها إلى جني قِطافِ
النَّجاح، وتَنَسُّمِ عبير السَّعادة، وبدراسة سِيَرِ العُظماء وتراجم النّاجحين،
وجد الباحثون حَبْلاً يربطُ خصائصَهم، ويجمعُ مكوِّنات النَّجاح لديهم،
ويمكن القول: إِنَّ كلَّ شيءٍ مِمّا ترغبُ في تحقيقه، وكلَّ عاملٍ تتصوَّرُ
بِأَنَّه مُهمٌّ وضروريٌّ لسعادتك، فإِنَّه مندرِجٌ ضمن أحد هذه المبادئ
المفاتيح التي سيأتي ذكرها بشيءٍ من التَّفصيل.

وهذه المفاتيح، هي في حقيقة الأمر، متناسقةٌ ومتناغمةٌ مع كلّ ما كُتِبَ
وقيلَ واكتُشِفَ عن السّعادة والنّجاح، وهي تُصوِّرُ خصائصَ حياةِ
وإنجازات رجال ونساء تميَّزوا بأدائهم المتميّز، وتركوا بصماتٍ
واضحةً في تاريخ الإنسانيّة بنجاحاتهم الباهرة.

حياتُك أيُّها الإنسان مزيجٌ من هذه المبادئ والمهارات،
وهي كفيلةٌ – بإذن الله تعالى وتوفيقه – أَنْ تُسعِدَك في كلّ لحظةٍ من
لحظات حياتك. عندما تُحدِّدُ عُنصرًا منها رغبةً في وصولِك إلى شاطئ
النَّجاح والسّعادة، فإِنَّك تكونُ بذلك قد حدَّدتَ هدفًا واضحًا لِتحقيقه،
ويُمكنُك عندها أَن تقيسَ مستوى أدائِك، وتُحدِّدَ المجالات والميادين
التي لا بُدَّ من إجراء تغييراتٍ فيها لكيْ ترتقيَ بحياتك في مدارج الفوز
والتَّألُّق. يجبُ أن تبدأ أوَّلاً بتحديد مَثلِك الأعلى، ومَقصِدك الأسمى
ورؤيتك الواضحة لمستقبلك المنشود. ومقصِدُنا الأسمى – نحن
المسلمين- إرضاءُ ربِّنا، وأسمى أمانينا الفِردسُ الأَعلى، ومثلُنا الأَعلى
في الدُّنيا نبيُّنا المُختار، وسيِّدُ الأبرار، محمد بنُ عبد الله عليه
أفضل الصلاة وأزكى التَّسليم.

وأنت، أخي القارئ، قد فطرك الله تعالى مُزوَّدًا بقُدراتٍ هائلة،
وكلُّ ما عليك أن تفعله أوَّلاً هو :
أن تُطلِقَ قواك الدَّاخليّةَ الكامنةَ، وأن تفتَح عينيك لترى صورةَ مستقبلِك
المنشود، كأَنَّها واقعٌ مشهود، تتقرَّاهُ بيديك، وتتلَذَّذُ برؤيته بعينيك.

وظيفتُك الأُولى أَنْ :
تضعَ برنامجَ عملٍ مُفصَّلٍ، وترسُمَ صورةً واضحةً لِلمَقصِد الذي تؤُمُّه،
وعليك أن تُبصِرَ نفسَك وتتخيَّلَ الحالَ السَّعيدةَ التي تكونُ عليها وقدْ
أَنجزتَ مشاريعك، وحقَّقتَ رؤيتك، ووصلتَ إلى مقصودك؛ هذه الصُّورةُ
الذِّهنيّةُ المنشودةُ التي تعيشُها في وجدانك تكونُ بِمثابةِ دليلٍ أو سُلَّمٍ
معياريٍّ تقيسُ به بينَ الفَينةِ والأُخرى مُستوى أدائك، ومدى التِزامِك
بالمسارِ الصَّحيح لتحقيق ما تصبو إليه، أو مدى انحرافك عن المسار،
وتساعِدُك هذه الصُّورة على تحويل هدفِك الذِّهنيّ إلى واقعٍ ملموس.
ومِن أجل هذا الغرض العظيم، غرضِ نيل أسمى أمانيك، وبلوغِ مُرادك،
وتحقيق أعظم أهدافك، وإنجاز أهم مشاريعك في الحياة، جاءت هذه
الدَّراسةُ تُحاولُ إسداء جملةٍ من المفاتيح والمبادئ المُجرَّبة في الحياة،
والتي أرى أنَّها سوف تكونُ لك أفضلَ ظهيرٍ، وخيرَ مُعينٍ إذا أنت أحسنت
دراستَها والإيمانَ بها والتَّفاعلَ معها. فإلى المفتاح الأوّل
على بركة الله تعالى.