المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحكم البليغة في خطب النبي صلى الله عليه و سلم / الجزء الأول ‏( ب )‏ - 04


adnan
09-30-2014, 11:51 PM
الأخت / غـــرام الغـــرام



الحكم البليغة
في خطب النبي صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع
الجزء الأول ( ب ) - 04
(http://www.ataaalkhayer.com/)


فهذا سيِّد الخلق وإمامُهم يحتاج إلى مُؤاذنة الناس، والحصول على رضاهم،
فيما سيردُّونه من أموالٍ، قد أصبحت مِلكًا لهم خاصًّا –
بأحد أسباب المِلك المشروعة في الدين –
فلو كان هناك مجالٌ للتأميم أو الاشتراكية؛ لأَمَّمها بينهم جميعًا،
ولسوَّى بينهم في قِسمتِها للاشتراكية القائمة بحُكم التأميم،
ولكنَّ الأمرَ على خلاف ذلك فلا تأميمَ، ولا اشتراكيةَ، وإنما هي الملكية
الفَرْدِية يقرَّرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها حرمتُها، وصِيانتها،
فيستأذِن مُلاَّكها، ويطلب رِضَاهم؛ ليشرِّع للناس أنه لا يحمِل لأحدٍ مالَ أحدٍ
إلا بطِيبٍ منه، وإذا كان هو نفسه - عليه الصلاة والسلام –
يؤاذِن الناسَ في التنازُل عن حقوقِهم، ويطلب رضاهم في ذلك؛
فغيرُه من الناس من باب أَوْلى، وهو أَوْلى بالمؤمنين من أنفسِهم؛
كما قرَّره القرآن.
وفيما تقدَّم من الآيات والأحاديث دلالةٌ واضحةٌ على بطلانِ الاشتراكيةِ،
وأنها ليست من الإسلام في شيءٍ، بل أوَّلُ مَن قال بها،
ودعا إليها "مَزْدَك" أحدُ رجالِ فارسَ، دعا إلى الاشتراكية في المال
والنساء؛ فتَبِعه على قوله كثيرٌ من الفقراء ورَعَاع الناس،
فوافقه الملك "قُبَاذ"، ولكن ابنه "أنوشِروان" بعد أن تولَّى الملكَ بعد أبيه
دعا بمَزْدَك فقتله وقتل أصحابه، وأبطل الاشتراكية،
واحترم الأموالَ كما احترم الدِّماء والأعراض،
وهذا الملِك الفارسي الذي أبطل الاشتراكية
فلا عبرةَ ببعضِ المنتسبين إلى العِلم القائلين بالاشتراكية في المال؛
فهؤلاء وأمثالُهم هم آلةُ السياسةِ، وأعوان الرئاسة، وهم كثيرٌ،
لا كثرهم الله .
قوله:

( كحرمةِ يومكم هذا، في شهرِكم هذا، في بلدِكم هذا )
أي: أنه شبَّه تحريم الدمِ والمالِ والعِرضِ، بما هو مستقِرٌّ تحريمُه
في نفوسِهم من ذلك اليومِ والشهرِ والبلدِ.
قال الحافظ:

[ فيه تأكيدُ التحريمِ وتغليظُه بأبلغِ ممكنٍ من تَكرارٍ ونحوه،
وفيه مشروعيةُ ضربِ المَثَل، وإلحاق النظير بالنظير؛ ليكونَ أوضحَ للسامعِ،
وإنما شبَّه حرمةَ الدمِ والعِرْض والمال، بحرمةِ اليوم والشهر والبلد؛
لأن المخاطَبين بذلك كانوا لا يَرَون تلك الأشياء، ولا يَرَون هَتْكَ حرمتِها،
ويَعِيبُون على مَن فعل ذلك أشدَّ العيب، وإنما قدَّم السؤالَ عنها تَذكارًا
لحرمتٍها، وتقريرًا لِما ثَبَت في نفوسهم؛
ليبني عليه ما أراد تقريرَه على سبيل التأكيد ]
وقوله:

( ألا كلُّ شيءٍ من أمرِ الجاهليةِ تحت قدميَّ موضوعٌ،
ودماء الجاهلية موضوعةٌ، وإن أوَّل دمٍ أضعُ دمُ ابن ربيعة بن الحارث
كان مسترْضِعًا في بني سعْد، فقتَلَتْه هُذَيل، ورِبَا الجاهليةِ موضوعٌ،
وأوَّل رِبًا أضعُ رِبَا العباس بن عبد المطلب؛ فإنه موضوعٌ كلُّه )
في هذه الجملة إبطالُ أفعالِ الجاهلية، وبيوعِها التي لم يتصل بها قبضٌ،
وأنه لا قِصاص في قتلها، وأن الإمام وغيرَه - ممن يأمر بالمعروف
أو ينهى عن منكر - ينبغي أن يبدأ بنفسه وأهلِه؛ فهو أقربُ إلى قَبُول قولِه،
وإلى طيب نفسِ مَن قرُب عهدُه بالإسلام.
وأما قوله:

( تحت قدميَّ )
فإشارةٌ إلى إبطاله.
وفي قوله:

( ألا كلُّ شيءٍ من أمر الجاهلية تحت قدميَّ موضوعٌ )
إضافته إلى الجاهلية إضافةُ ذمٍّ وعيبٍ؛ أي: كلُّ ما كان من أمرِ الجاهلية:
كفخرِها بالأحساب، وطعنِها في الأنساب، وتعصُّبها المذموم،
كلُّه موضوعٌ باطلٌ؛ كما أشار إليه بقوله:

( تحت قدميَّ موضوعٌ )
وقوله:

( ودماءُ الجاهلية موضوعةٌ )
أي: لا قِصاصَ فما دونه مما كان حاصلاً في الجاهلية.

حرمة الربا وأضراره :
وقوله :

( وربَا الجاهلية موضوعة )
الربا محرَّم بالكتاب والسنَّة والإجماع، ومفاسده كثيرة جدًّا،
نسأل الله السلامة، وقد قال بعض العلماء:

[ إن أَكَلةَ الرِّبا مجرَّب لهم سوءُ الخاتمةِ، والعياذ بالله ]
ومع هذا قد فشا الرِّبا في مجتمعنا فُشُوًّا شنيعًا ذريعًا، يُنذِر بضياع الثروة،

ومحوِ البركة، وسقوط المحبة، وانعدام التعاطف والتراحم بين الناس،
وآكلوا الرِّبا لا يَقُومُون يومَ القيامةِ،
أو لا يَقُومُون في الدنيا إلا كما يَقُومُ الذي يتخبَّطه الشيطان –
وهو المصروع - من المَسِّ، وهو الجنون، وهذا مُشاهَد فيهم في الدنيا؛
إذ هم - رغم وفرةِ أموالهم، ومزيد ثرائهم - لا يَزَالُون في هَمٍّ دائمٍ،
وفكر مستمِرٍّ، وقد حرَمهم الله - تعالى - من اللذائذ رغم توافُرِ أسبابها،
ومن النعم رغم وجود مقوِّماتها، وقد قال هؤلاءِ مثلَ ما قال الأوَّلون:

{ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا }
[ البقرة: 275 ]
وساروا على نهجِهم، واتَّبعوا طريقتهم، ثم هو مخرِب البيوت،
ومُزِيل الرحمة من القلوب، ومولِّد العداوة بين الأغنياء والفقراء؛
فإنه يُضْعِف التعاطف والتراحمَ، بل لا همَّ للأغنياء إلا ابتزازُ أموال الفقراء،
بكونهم كالذئاب، كلُّ واحدٍ ينتظر الفرصة التي تمكِّنه من افتراس الآخر
وأكْلِه، فحلَّت القسوةُ محل الرحمة، حتى إن الفقير ليموتُ جوعًا في البلاد
التي يتعامل أهلُها بالرِّبا، ولا يجد مَن يجُود عليه بما يَسُدُّ رَمَقَه،
فمُنِيت تلك البلاد بالانهيار الاقتصادي، والركود التجاري والبطالة؛
لذلك جاء الإسلام بتحريمِ التعامل بالربا، ليكون كلُّ واحدٍ من المسلمين
عونًا لأخيه، لا سيما عند شدَّة الحاجة إليه،
والله لا يشرَع للناسِ الأحكامَ بحسَب أهوائهم وشهواتهم كأصحاب القوانين،
ولكن بحسَب المصلحة الحقيقية العامة الشاملة وهو أعلمُ بمصالح عباده.
ويتضمَّن:
1- مراعاة حقِّ النساء، والوصيَّة بهنَّ .
2- التمسُّك بالكتاب والسُّنة.
3- القرآن منهجٌ لِمَن تَمسَّك به.

وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم :

( وأوَّل ربًا أضعُ ربَا العباس بن عبدالمطلب؛ فإنه موضوعٌ كلُّه )
هذا نظيرُ وَضْعه لدماء الجاهليَّة،
فأوَّل دَمٍ وضَعه من دمائهم دَمُ ابن ربيعة بن الحارث،
فالآمِر والناهي يَنْبَغي له أن يبدأَ بنفسه وبأهلِه؛ ليكون قُدوةً حَسَنة لغيره.
والرِّبا إذا وُضِع يبقى رأسُ المال لمالكه؛ كما في قوله تعالى :

{ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ }
[ البقرة: 279 ].
- مراعاة حق النساء والوصية بهن :
وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم :

( فاتَّقوا الله في النساء؛ فإنَّكم أخذتموهُنَّ بأمانةِ الله )
فيه الحثُّ على مراعاةِ حقِّ النساء، والوصية بهنَّ، ومعاشرتهنَّ بالمعروف؛
كما قال تعالى :

{ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }
[ النساء: 19 ].
قال ابنُ عطيَّة:
وإلى معنى الآية يُنظَرُ قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم :

( فاسْتَمْتِع بها وفيها عِوَجٌ )
أي: لا يَكُنْ منك سوءُ عِشْرةٍ مع اعْوِجَاجها، فعنها تَنْشأ المخالَفة،
وبها يقعُ الشِّقاق، وهو سببُ الخُلع

إذ إنَّ مُداراةَ النِّساء والغَضَّ عمَّا يَحصل منهنَّ - من الاعوجاج والمخالفة
سببٌ للاستمتاعِ بهنَّ، وبقاءِ المعاشرة معهنَّ؛
قال الترمذي في جامعه: باب ما جاء في مُداراة النساء،
وذكَر حديثَ أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :

( إنَّ المرأة كالضِّلَع، إن ذهبْتَ تُقِيمُها، كسَرتها،
وإن ترَكتها، اسْتَمْتَعْتَ بها على عِوَجٍ )
فعلى الرجل مُعاشَرُتها بالمعروف والإحسان إليها،
والتسامُح فيما يَصْدُر منها من خطأٍ ومخالفة، وعليه أن يَصونَها
ويَحفظَها من مخالطة الرجال الأجانب،
وألاَّ يَدَعَها تَجُوب الشوارعَ ومجتمعات الرجال؛ بحيث تكون مَطمعًا للفُسَّاق،
وموضِعًا للسُّخرية، بل عليها ملازمَة بيتها، وتدبيرُ شؤونِها،
والقيام على أطفالها، فهذا مما ينبغي للمرأة القيامُ به،
وعلى الرجل أمرُها بذلك.

قوله:

( واسْتَحْلَلْتُم فُروجَهنَّ بكلمةِ الله ).
تنوَّعت عبارات العلماء في ذلك، فقيل: المراد بكلمة الله هو كلمة الإخلاص:
لا إله إلا الله، محمد رسول الله؛ إذ إنَّ المسلمة لا تُباح لغير المسلم،
وقيل: إنَّ كلمة الله هي قوله تعالى :

{ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }
[ البقرة: 229 ]
وقيل: هي قوله تعالى :

{ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ }
[ النساء: 3 ].
وهذه الأقوال متلازِمة، فالرجل إذا تزوَّج المرأة،
فعليه أن يُمسكَها بالمعروف إن رضِيَها والْتَأَمَت حاله معها،
وإلاَّ فيُسَرِّحها بإحسانٍ؛ عملاً بالآية الكريمة،
ثم هي لا تَحِلُّ له؛ حتى يكون من أهل شهادة أنْ لا إله إلا الله،
وأنَّ محمدًا رسول الله، فالمسلمة لا تُباح لغير المسلم، وقد نكَحها امتثالاً
لقول الله تعالى :

{ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ }
[ النساء: 3 ].
قوله:

{ ولكم عليهنَّ ألاَّ يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تَكرَهونه،
فإن فَعَلْنَ ذلك، فاضْرِبُوهنَّ ضَرْبًا غيرَ مُبَرِّح }
أي: لا يَأْذَنَّ لأحدٍ تَكرَهونه في دخول بيوتكم، والجلوس في منازلكم؛
سواءٌ كان المأذونُ له رجلاً أجنبيًّا أو امرأةً، أو أحدًا من محارِم الزوجة،
فالنهي يَتناول جميعَ ذلك، وهذا حُكْم المسألة عند الفقهاء:
إنها لا يَحِلُّ لها أن تَأْذَنَ لرجلٍ أو امرأة، ولا مَحرمٍ، ولا غيره –
في دخول منزل الزوج، إلاَّ مَن عَلِمت أو ظنَّت أنَّ الزوج لا يَكرهه؛
لأنَّ الأصل تحريمُ دخول منزل الإنسان؛ حتى يُوجَد الإذنُ في ذلك منه،
أو ممن أَذِن له في الإذن في ذلك، أو عُرِفَ رضاه باطِّراد العُرف
بذلك ونحوه، ومتى حصَل الشكُّ في الرضا، ولَم يترجَّح شيءٌ،
ولا وُجِدت قرينةٌ - لا يَحِلُّ الدخول ولا الإذن، والله أعلم.
وقوله:

{ واضْرِبوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ }
أي: غير شاقٍّ، ولا مُؤثِّرٍ، وفيه دليلٌ على جواز ضَرْب الرجل امرأتَه؛
للتأديب والمصلحة.
قوله:

{ ولهنَّ عليكم رِزقُهنَّ، وكِسوتهنَّ بالمعروف }
فيه وجوب نفقة الزوجة وكِسوتها بالمعروف،
وهو ثابتٌ بالكتاب والسُّنة والإجماع، ومثله إعدادُ مسكنٍ لها، مُلائمٍ لمثلها.

للموضوع بقية إنتظرونا فى الجزء الأول ( ج )
إن شاء الله تعالى