المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سنة ثنتين و أربعين


adnan
11-16-2014, 08:28 PM
الأخ / مصطفى آل حمد

سنة ثنتين و أربعين
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=fimg&th=149b84aa33c2b2ee&attid=0.4&disp=emb&attbid=ANGjdJ-fNhPNEJu07aeFdid9y6dEsaLh9MnRkAB9QY3qhQh828VO0oIyJ Lw56-aLZVswNlfv84hGGd8QrtVJjRb_Z9Qo0dKGS6uSkzX2k4bdAOXL lQY78M2_7NerQUI&sz=w1600-h1000&ats=1416158845327&rm=149b84aa33c2b2ee&zw&atsh=1

فيها‏:‏
غزا المسلمون اللان والروم فقتلوا من أمرائهم وبطارقتهم خلقاً كثيراً،
وغنموا وسلموا‏.‏

وفيها‏:‏
ولي معاوية مروان بن الحكم نيابة المدينة‏.‏

وعلى مكة‏:‏ خالد بن العاص بن هشام‏.‏

وعلى الكوفة‏:‏ المغيرة بن شعبة‏.‏

وعلى قضائها‏:‏ شريح القاضي‏.‏

وعلى البصرة‏:‏ عبد الله بن عامر‏.‏

وعلى خراسان‏:‏ قيس بن الهيثم من قبل عبد الله بن عامر‏.‏

وفى هذه السنة
تحركت الخوارج الذين كانوا قد عفى عنهم علي يوم النهروان، وقد
عوفي جرحاهم وثابت إليهم قواهم، فلما بلغهم مقتل علي ترحموا على
قاتله ابن ملجم وقال قائلهم‏:‏ لا يقطع الله يداً علت قذال علي بالسيف،
وجعلوا يحمدون الله على قتل علي، ثم عزموا على الخروج على الناس
وتوافقوا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما يزعمون‏.‏

وفي هذه السنة
قدم زياد بن أبيه على معاوية - وكان قد امتنع عليه قريباً من سنة
في قلعة عرفت به يقال لها‏:‏ قلعة زياد - فكتب إليه معاوية‏:‏ ما يحملك
على أن تهلك نفسك‏؟‏أقدم عليَّ فأخبرني بما صار إليك من أموال فارس
وما صرفت منها وما بقي عندك، فائتني به وأنت آمن، فإن شئت أن تقيم
عندنا فعلت وإلا ذهبت حيث ما شئت من الأرض فأنت آمن‏.‏

فعند ذلك أزمع زياد السير إلى معاوية، فبلغ المغيرة قدومه فخشي أن
يجتمع بمعاوية قبله، فسار نحو دمشق إلى معاوية فسبقه زياد إلى
معاوية بشهر فقال معاوية للمغيرة‏:‏ ما هذا وهو أبعد منك وأنت جئت
بعده بشهر‏؟‏فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنه ينتظر الزيادة وأنا أنتظر
النقصان، فأكرم معاوية زياداً وقبض ما كان معه من الأموال وصدقه
فيما صرفه‏.‏

سنة ثلاث وأربعين

فيها‏:
‏ غزا بسر بن أبي أرطاة بلاد الروم فتوغل فيها حتى بلغ مدينة
قسطنطينية، وشتى ببلادهم فيما زعمه الواقدي، وأنكر غيره ذلك
وقالوا‏:‏ لم يكن بها مشتى لأحد قط، فالله أعلم‏.‏

قال ابن جرير‏:‏
وفيها‏:‏ مات عمرو بن العاص بمصر، ومحمد بن مسلمة، قلت‏:‏ وسنذكر
ترجمة كل منهما في آخرها، فولي معاوية بعد عمرو بن العاص على ديار
مصر ولده عبد الله بن عمرو‏.‏

قال الواقدي‏:‏
فعمل له عليها سنتين‏.‏

وقد كانت في هذه السنة - أعني سنة ثلاث وأربعين -وقعة عظيمة بين
الخوارج وجند الكوفة، وذلك أنهم صمموا -كما قدمنا - على الخروج
على الناس في هذا الحين‏.‏

فاجتمعوا في قريب من ثلثمائة عليهم المستورد بن علقمة، فجهز عليهم
المغيرة بن شعبة جنداً عليهم معقل بن قيس في ثلاثة آلاف، فصار إليهم
وقدم بين يديه أبا الرواع في طليعة هي ثلثمائة على عدة الخوارج،
فلقيهم أبو الرواع بمكان يقال له‏:‏ المذار فاقتتلوا معهم فهزمهم الخوارج‏.‏

ثم كروا عليهم فهزمتهم الخوارج، ولكن لم يقتل أحد منهم، فلزموا
مكانهم في مقاتلتهم ينتظرون قدوم أمير الجيش معقل بن قيس عليهم‏.‏
فما قدم عليهم إلا في آخر نهار غربت فيه الشمس، فنزل وصلى
بأصحابه، ثم شرع في مدح أبي الرواع فقال له‏:‏ أيها الأمير إن لهم
شدات منكرة، فكن أنت ردأ الناس، ومر الفرسان فليقاتلوا بين يديك‏.‏

فقال معقل بن قيس‏:‏ نعم ما رأيت، فما كان إلا ريثما قال له ذلك حتى
حملت الخوارج على معقل وأصحابه، فانجفل عنه عامة أصحابه، فترجل
عند ذلك معقل بن قيس وقال‏:‏ يا معشر المسلمين الأرض الأرض، فترجل
معه جماعة من الفرسان والشجعان قريب من مائتي فارس، منهم
أبو الرواع الشاكري

فحمل عليهم المستورد بن علقمة بأصحابه فاستقبلوهم بالرماح
والسيوف، ولحق بقية الجيش بعض الفرسان فدمرهم وعيرهم وأنبهم
على الفرار فرجع الناس إلى معقل وهو يقاتل الخوارج بمن معه من
الأنصار قتالاً شديداً، والناس يتراجعون في أثناء الليل‏.‏فصفهم معقل بن قيس
ميمنة وميسرة ورتبهم وقال‏:‏ لا تبرحوا على مصافكم حتى نصبح فنحمل
عليهم، فما أصبحوا حتى هزمت الخوارج فرجعوا من حيث أتوا‏.‏

فسار معقل في طلبهم وقدم بين يديه أبا الرواع في ستمائة فالتقوا بهم
عند طلوع الشمس فثار إليهم الخوارج فتبارزوا ساعة، ثم حملوا حملة
رجل واحد فصبر لهم أبو الرواع بمن معه، وجعل يدمرهم ويعيرهم
ويؤنبهم على الفرار ويحثهم على الصبر فصبروا وصدقوا في الثبات
حتى ردوا الخوارج إلى أماكنهم‏.‏فلما رأت الخوارج ذلك خافوا من هجوم
معقل عليهم فما يكون دون قتلهم شيء، فهربوا بين أيديهم حتى قطعوا
دجلة في أرض نهر شير، وتبعهم أبو الرواع، ولحقه معقل بن قيس‏.‏

ووصلت الخوارج إلى المدينة العتيقة فركب إليهم شريك بن عبيد - نائب
المدائن - ولحقهم أبو الرواع بمن معه من المقدمة‏.‏وحج بالناس في هذه
السنة مروان بن الحكم نائب المدينة‏.‏

وممن توفي بها‏:‏
عمرو بن العاص، ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهما‏.‏

أما عمرو بن العاص‏:
‏ فهو عمرو بن العاص بن وائل بن هشام بن سعد بن سهم بن عمرو
بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي السهمي، أبو عبد الله،
ويقال‏:‏ أبو محمد، أحد رؤساء قريش في الجاهلية، وهو الذي أرسلوه
إلى النجاشي ليرد عليهم من هاجر من المسلمين إلى بلاده فلم يجبهم
إلى ذلك لعدله، ووعظ عمرو بن العاص في ذلك‏.‏

فيقال‏:‏ إنه أسلم على يديه والصحيح أنه إنما أسلم قبل الفتح بستة أشهر
هو وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة العبدري‏.‏

وكان أحد أمراء الإسلام، وهو أمير ذات السلاسل، وأمده رسول الله
صلى الله عليه وسلم بمدد عليهم أبو عبيدة، ومعه الصديق، وعمر الفاروق
واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمان، فلم يزل
عليها مدة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقره عليها الصديق‏.‏

وقد قال الترمذي‏:‏
ثنا قتيبة، ثنا ابن لهيعة، ثنا مشرح بن عاهان، عن عقبة بن عامر قال‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏

‏(‏‏ ‏أسلم الناس، وآمن عمرو بن العاص ‏‏)‏‏.

وقال أيضاً‏:‏
ثنا إسحاق بن منصور، ثنا أبو أسامة، عن نافع، عن عمر الجمحي،
عن ابن أبي ملكية، قال‏:‏ قال طلحة بن عبيد الله‏:‏
سمعت رسول الله يقول‏:‏

‏(‏‏ إن عمرو بن العاص من صالحي قريش‏ )‏‏

وفى الحديث الآخر‏:‏ ‏

(‏‏ ‏ابنا العاص مؤمنان‏ ‏‏)‏‏

وفى الحديث الآخر‏:‏

‏(‏‏ ‏نِعم أهل البيت عبد الله، وأبو عبد الله، وأم عبد الله‏ ‏‏)‏‏

رووه في فضائل عمرو بن العاص، ثم إن الصديق بعثه في جملة من بعث
من أمراء الجيش إلى الشام فكان ممن شهد تلك الحروب، وكانت له
الآراء السديدة، والمواقف الحميدة، والأحوال السعيدة‏.‏

ثم بعثه عمر إلى مصر فافتتحها واستنابه عليها وأقره فيها عثمان بن عفان
أربع سنين، ثم عزله كما قدمنا، وولى عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح
فاعتزل عمرو بفلسطين وبقي في نفسه من عثمان رضي الله عنهما‏.‏

فلما قتل سار إلى معاوية فشهد مواقفه كلها بصفين وغيرها، وكان هو
أحد الحكمين‏.‏ثم لما أن استرجع معاوية مصر وانتزعها من يد محمد
بن أبي بكر، استعمل عمرو بن العاص عليها، فلم يزل نائبها إلى أن مات
في هذه السنة على المشهور‏.‏

وقيل‏:‏ إنه توفي سنة سبع وأربعين‏.‏

وقيل‏:‏ سنة ثمان وأربعين‏.‏

وقيل‏:‏ سنة إحدى وخمسين رحمه الله‏.‏

وقد كان معدوداً من دهاة العرب وشجعانهم، وذوي آرائهم وله أمثال
حسنة، وأشعار جيدة‏.‏

وقد روي عنه أنه قال‏:
‏ حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل، ومن شعره‏:‏

إذا المرء لم يترك طعاماً يحبه * ولم ينه قلباً غاوياً حيث يمما
قضى وطراً منه وغادر سبة * إذا ذكرت أمثالها تملأ الفما

وقال الإمام أحمد‏:‏
حدثنا على بن إسحاق، ثنا عبد الله - يعني ابن المبارك - أنا ابن لهيعة
حدثني يزيد بن أبي حبيب، أن عبد الرحمن بن شماسة حدثه قال‏:‏ لما
حضرت عمرو بن العاص الوفاة بكى فقال له ابنه عبد الله‏:‏ لم تبكي‏؟‏
أجزعاً على الموتفقال‏:‏ لا والله ولكن مما بعد الموت‏.‏فقال له‏:‏ قد كنت على
خير، فجعل يذكره صحبة رسول الله وفتوحه الشام‏.‏

فقال عمرو‏:‏ تركت أفضل من ذلك كله شهادة أن لا إله إلا الله، إني كنت
على ثلاثة أطباق ليس فيها طبق إلا عرفت نفسي فيه، كنت أول قريش
كافراً، وكنت أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلومت
حينئذ وجبت لي النار‏.‏فلما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت
أشد الناس حياء منه، فما ملأت عيني من رسول الله ولا راجعته فيما
أريد حتى لحق بالله حياء، فلو مت يومئذ قال الناس‏:‏ هنيئا لعمرو أسلم،
وكان على خير فمات عليه نرجو له الجنة‏.‏

ثم تلبست بعد ذلك بالسلطان وأشياء فلا أدرى علي أم لي، فإذا مت فلا
تبكين عليَّ باكية، ولا يتبعني مادح، ولا نار، وشدوا علي إزاري فأني
مخاصم، وشنوا عليَّ التراب شناً، فإن جنبي الأيمن ليس أحق بالتراب
من جنبي الأيسر، ولا تجعلن في قبري خشبة ولا حجراً، وإذا واريتموني
فاقعدوا عندي قدر نحر جزور أستأنس بكم‏.‏

وقد روى مسلم هذا الحديث في صحيحه من حديث يزيد بن أبي حبيب
بإسناده نحوه وفيه زيادات على هذا السياق‏.‏

فمنها‏:‏ قوله‏:‏ كي أستأنس بكم لأنظر ماذا أراجع رسل ربي عز وجل‏.‏

وفي رواية‏:‏
أنه بعد هذا حول وجهه إلى الجدار وجعل يقول‏:‏ اللهم أمرتنا فعصينا،
ونهيتنا فما انتهينا، ولا يسعنا إلا عفوك‏.‏

وفي رواية‏:‏
أنه وضع يده على موضع الغل من عنقه ورفع رأسه إلى السماء وقال‏:‏
اللهم لا قوي فانتصر، ولا بريء فأعتذر، ولا مستنكر بل مستغفر،
لا إله إلا أنت فلم يزل يرددها حتى مات رضي الله عنه‏.‏

وأما محمد بن مسلمة الأنصاري فقد أسلم على يدي مصعب بن عمير
قبل أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، شهد بدراً وما بعدها إلا تبوك، فإنه
استخلفه رسول الله على المدينة في قوله‏.‏

وقيل‏:‏ استخلفه في قرقرة الكدر، وكان فيمن قتل
كعب بن الأشرف اليهودي‏.‏

وقيل‏:‏ أنه الذي قتل مرحباً اليهودي يوم خيبر أيضاً‏.‏

وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على نحو من خمس عشرة
سرية، وكان ممن اعتزل تلك الحروب بالجمل وصفين ونحو ذلك، واتخذ
سيفاً من خشب‏.‏وقد ورد في حديث قدمناه أنه أمره رسول الله
صلى الله عليه وسلم بذلك وخرج إلى الربذة‏.‏

وكان من سادات الصحابة، وكان هو رسول عمر إلى عماله، وهو الذي
شاطرهم عن أمره، وله وقائع عظيمة، وصيانة وأمانة بليغة رضي الله عنه
واستعمله على صدقات جهينة‏.‏

وقيل‏:‏ إنه توفي سنة ست أو سبع وأربعين‏.‏

وقيل‏:‏ غير ذلك‏.‏

وقد جاوز السبعين، وترك بعده عشرة ذكور وست بنات، وكان أسمر،
شديد السمرة، طويلاً، أصلع رضي الله عنه‏.‏

وممن توفي فيها‏:‏
عبد الله بن سلام أبو يوسف الإسرائيلي أحد أحبار اليهود، أسلم حين قدم
رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة‏.‏

قال‏:‏ لما قدم رسول الله المدينة انجفل الناس إليه فكنت فيمن انجفل إليه،
فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه رجل كذاب،
فكان أول ما سمعته يقول‏:‏ ‏

(‏‏ ‏أيها الناس، افشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام،
تدخلوا الجنة بسلام‏ )‏‏

وقد ذكرنا صفة إسلامه أول الهجرة، وماذا سأل عنه رسول الله
صلى الله عليه وسلم من الأسئلة النافعة الحسنة رضي الله عنه‏.‏
وهو ممن شهد له رسول الله بالجنة، وهو ممن يقطع له بدخولها‏.‏