المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بهاء الدين قراقوش .. المفترى عليه


adnan
12-05-2014, 07:38 PM
الأخت / الملكة نـــور



بهاء الدين قراقوش .. المفترى عليه

بهاء الدين قراقوش .. المفترى عليه :
هو أحد قواد بطل الإسلام صلاح الدين الأيوبي ، كان من أخلص أعوانه
وأقربهم إليه، وكان قائدًا مظفرًا، وكان جنديًّا أمينًا، وكان مهندسًا حربيًّا
منقطع النظير.

وكان مثالاً كاملاً للرجل العسكري، إذا تلقى أمرًا أطاع بلا معارضة
ولا نظر ولا تأخير، وإن أمر أمرًا لم يرض من جنوده بغير الطاعة
الكاملة، بلا اعتراض ولا نظر ولا تأخير. وكان أعجوبة في أمانته .

فمن هو قراقوش؟
لما أحس الفاطميون بقرب زوال ملكهم شرعوا يعبثون بنفائس القصر،
ويحملون منها ما يخف حمله ويغلو ثمنه، وكان القصر مدينة صغيرة،
كدَّس فيها الخلفاء الفاطميون[1] خلال قرون من التحف و الكنوز
و النفائس ما لا يحصيه العدُّ، و لو أن عشرة لصوص أخذوا منه ما
تُخفِي الثياب، لخرج كلٌّ منهم بغنى الدهر و لم يحس به أحد .

فوكل صلاح الدين قراقوش بحفظ القصر، فنظر فإذا أمامه من عقود
الجواهر والحلي النادرة و الكؤوس و الثريات و البسط المنسوجة بخيوط
الذهب ما لا مثيل له في الدنيا، هذا فضلاً عن العرش الفاطمي الذي
كان من أرطال الذهب ، و من نوادر اليواقيت و الجواهر
، و من الصنعة العجيبة ما لا يقوّم بثمن[2].

و كان في القصر فوق ذلك من ألوان الجمال في المئات و المئات
من الجواري المنحدرات من كل أمم الأرض ، ما يفتن العابد..

فلا فتنه الجمال ، و لا أغواه المال، و وفَّى الأمانة حقها ، و لم يأخذ لنفسه
شيئًا ، و لا ترك أحدًا يأخذ منها شيئًا .وهو الذي أقام أعظم المنشآت
الحربية التي تمت في عهد صلاح الدين، و إذا ذهبتم إلى مصر و زرتم
القلعة المتربعة على المقطم المطلة على المدينة ، فاعلموا أن هذه القلعة
، بل هذه المدينة العسكرية ، أثر من آثار قراقوش . و إذا رأيتم سور
القاهرة الذي بقي من آثاره إلى اليوم ما يدهش الناظر ، فاعلموا أن الذي
بَنَى السور و أقام فيه الجامع و حفر البئر العجيبة في القلعة هو قراقوش
و لما وقع الخلاف بين ورثة صلاح الدين و كادت تقع بينهم الحرب ،
ما كفَّهم و لا أصلح بينهم إلا قراقوش .
https://mail.google.com/mail/u/0/?ui=2&ik=8c4e62fb9f&view=fimg&th=14a1a9144ea1434c&attid=0.5&disp=emb&attbid=ANGjdJ_pCaW5JSm9wKophNTxDp9LeVoc65jUtOKAD3L NKXBWLNGrhC0YGO7BWZFx9dW9yEIMQzuHvX67i2qji4cMK20fj Oe0g4_nvPJX8Fxj7rIV6LqhcPi_JGSRqyc&sz=w716-h536&ats=1417791574708&rm=14a1a9144ea1434c&zw&atsh=1
و لما مات العزيز الأيوبي و أوصى بالملك لابنه المنصور وكان صبيًّا
في التاسعة، جعل الوصي عليه والمدبر لأمره قراقوش ، فكان الحاكم
العادل ، و الأمير الحازم ، أصلح البلاد، و أرضى العباد .

هذا قراقوش، فمن أين جاءت تلك الوصمة التي وُصم بها ؟!
و من الذي شوَّه هذه الصورة السويَّة ؟! إنها جريمة الأدب يا سادة .
لقد أساء المتنبي إلى كافور، فألبسه وجهًا غير وجهه الحقيقي ،
و أساء ابن مماتي إلى قراقوش ، فألبسه وجهًا غير وجهه الحقيقي .
و لم يعرف الناس من الاثنين إلا هذا الوجه المعار كوجوه الورق الذي
يلبسها الصبيان أيام العيد.

وابن مماتي هذا كاتب بارع و أديب طويل اللسان ، كان موظفًا في ديوان
صلاح الدين، و كان الرؤساء يخشونه و يتحامونه، و يتملقونه بالود حينًا
و بالعطاء حينًا . و لكن قراقوش و هو الرجل العسكري الذي لا يعرف
الملق ولا المداراة لم يعبأ به، ولم يخش شره، ولم يدرِ أن سن القلم أقوى
من سنان الرمح . فألَّف ابن مماتي رسالة صغيرة سمَّاها "الفافوش
في أحكام قراقوش" ، و وضع هذه الحكايات و نسبها إليه . و صدَّقها
الناس، ونسوا التاريخ .

ومات قراقوش الحقيقي وبقي قراقوش الفافوش ، كما مات كافور التاريخ
و بقي كافور المتنبي ، و كما نسي عنترة الواقع و بقي عنترة القصة .
هذا يا سادة سلطان الأدب ،

فيا أيها الأدباء اتقوا الله في هذا السلطان ،
و يا أيها الناس لا تنخدعوا بتزييف الأدباء .

المصدر :
كتاب (رجال من التاريخ - الجزء الأول)
للشيخ علي الطنطاوي.