المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة ثنتين و ستين


adnan
12-13-2014, 10:17 PM
الأخ / مصطفى آل حمد



ثم دخلت سنة ثنتين و ستين من الهجرة النبوية الشريفة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

يقال‏:‏
فيها قدم وفد المدينة النبوية على يزيد بن معاوية، فأكرمهم
وأجازهم بجوائز سنية‏.‏

ثم عادوا من عنده بالجوائز فخلعوه وولوا عليهم عبد الله بن حنظلة
الغسيل، فبعث إليهم يزيد جنداً في السنة الآتية إلى المدينة فكانت وقعة
الحرة على ما سنبينه في التي بعدها إن شاء الله تعالى‏.‏

وقد كان يزيد عزل عن الحجاز عمرو بن سعيد بن العاص، وولى عليهم
الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فلما دخل المدينة احتاط على الأموال
والحواصل والأملاك، وأخذ العبيد الذين لعمرو بن سعيد فحبسهم، - وكانوا
نحو ثلاثمائة عبد - فتجهز عمرو بن سعيد إلى يزيد وبعث إلى عبيده
أن يخرجوا من السجن ويلحقوا به، وأعد لهم إبلاً يركبونها، ففعلوا ذلك‏.‏

فما لحقوه حتى وصل إلى يزيد فأكرمه واحترمه ورحب به يزيد،
وأدنى مجلسه، ثم أنه عاتبه في تقصيره في شأن ابن الزبير‏.‏

فقال له‏:‏ يا أمير المؤمنين الشاهد يرى مالاً يرى الغائب، وإن جل أهل مكة
والحجاز ما لأوه علينا وأحبوه ولم يكن لي جند أقوى بهم عليه
لو ناهضته، وقد كان يحذرني ويحترس مني، وكنت أرفق به كثيراً
وأداريه لأستمكن منه فأثب عليه، مع أني قد ضيقت عليه ومنعته
من أشياء كثيرة‏.‏

وجعلت على مكة وطرقها وشعابها رجالاً لا يدعون أحداً يدخلها حتى
يكتبوا اسمه واسم أبيه، ومن أي بلاد هو وما جاء له، وماذا يريد، فإن
كان من أصحابه أو ممن عرف أنه يريده رددته صاغراً، إلا خليت سبيله‏.‏
وقد وليت الوليد وسيأتيك من عمله وأمره ما لعلك تعرف به فضل
مسارعتي واجتهادي في أمرك ومناصحتي لك إن شاء الله، والله
يصنع لك ويكبت عدوك‏.‏

فقال له يزيد‏:‏
أنت أصدق ممن رماك وحملني عليك، وأنت ممن أثق به وأرجو معونته
وأدخره لذات الصدع، وكفاية المهم وكشف نوازل الأمور العظام،
في كلام طويل‏.‏

وأما الوليد بن عتبة‏:
‏ فإنه أقام بالحجاز وقد همَّ مراراً أن يبطش بعبد الله بن الزبير فيجده
متحذراً ممتنعاً قد أعد للأمور أقرانها‏.‏

وثار باليمامة رجل آخر يقال له‏:‏
نجدة بن عامر الحنفي حين قتل الحسين، وخالف يزيد بن معاوية، ولم
يخالف ابن الزبير بل بقي على حدة، له أصحاب يتبعونه، فإذا كان ليلة
عرفة دفع الوليد بن عتبة بالجمهور وتخلف عنه ابن الزبير وأصحاب
نجدة، ثم يدفع كل فريق وحدهم‏.‏

ثم كتب نجدة إلى يزيد‏:‏
إنك بعثت إلينا رجلاً أخرق لا يتجه لأمر رشد، ولا يرعوي لعظة الحكيم،
فلو بعثت إلينا رجلاً سهل الخلق لين الكنف، رجوت أن يسهل به من
الأمور ما استوعر منها وأن يجتمع ما تفرق، فانظر في ذلك فإن فيه
صلاح خواصنا وعوامنا إن شاء الله تعالى‏.‏

قالوا‏:‏ فعزل يزيد الوليد وولى عثمان محمد بن أبي سفيان، فسار إلى
الحجاز وإذا هو فتى غرٌ حدثٌ غمر لم يمارس الأمور، فطمعوا فيه،
ولما دخل المدينة بعث إلى يزيد منها وفداً فيهم عبد الله بن حنظلة الغسيل
الأنصاري، وعبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة الحضرمي،
والمنذر بن الزبير، ورجال كثير من أشراف أهل المدينة، فقدموا على
يزيد فأكرمهم وأحسن إليهم وعظم جوائزهم

ثم انصرفوا راجعين إلى المدينة، إلا المنذر بن الزبير فإنه سار إلى
صاحبه عبيد الله بن زياد بالبصرة، وكان يزيد قد أجازه بمائة ألف نظير
أصحابه من أولئك الوفد، ولما رجع وفد المدينة إليها أظهروا شتم يزيد
وعيبه وقالوا‏:‏ قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر وتعزف
عنده القينات بالمعازف، وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه‏.‏

فتابعهم الناس على خلعه، وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل على الموت،
وأنكر عليهم عبد الله بن عمر بن الخطاب، ورجع المنذر بن الزبير من
البصرة إلى المدينة فوافق أولئك على خلع يزيد، وأخبرهم عنه أنه يشرب
الخمر ويسكر حتى ترك الصلاة، وعابه أكثر مما عابه أولئك‏.‏فلما بلغ ذلك
يزيد قال‏:‏ اللهم إني آثرته وأكرمته ففعل ما قد رأيت، فأدركه وانتقم منه‏.‏
ثم أن يزيداً بعث إلى أهل المدينة النعمان بن بشير ينهاهم عما صنعوا
ويحذرهم غب ذلك ويأمرهم بالرجوع إلى السمع والطاعة ولزوم
الجماعة، فسار إليهم ففعل ما أمره يزيد وخوفهم الفتنة‏.‏

وقال لهم‏:‏ إن الفتنة وخيمة، وقال‏:‏ لا طاقة لكم بأهل الشام‏.‏

فقال له عبد الله بن مطيع‏:‏ ما يحملك يا نعمان على تفريق جماعتنا
وفساد ما أصلح الله من أمرنا‏؟‏

فقال له النعمان‏:‏ أما والله لكأني وقد تركت تلك الأمور التي تدعو إليها،
وقامت الرجال على الركب التي تضرب مفارق القوم وجباههم بالسيوف،
ودارت رحى الموت بين الفريقين، وكأني بك قد ضربت جنب بغلتك
إلي وخلفت هؤلاء المساكين - يعني‏:‏ الأنصار - يقتلون في سككهم
ومساجدهم، وعلى أبواب دورهم‏.‏

فعصاه الناس فلم يسمعوا منه فانصرف وكان الأمر والله كما قال سواء‏.‏

قال ابن جرير‏:
‏ وحج بالناس في هذه السنة الوليد بن عتبة كذا قال وفيه نظر، فإنه إن
كان في وفد أهل المدينة وقد رجعوا من عند يزيد فإنما وفد عثمان
بن محمد بن أبي سفيان، وإن كان قد حج بالناس فيها الوليد فما قدم
وفد المدينة إلى يزيد إلا في أول سنة ثلاث وستين وهو أشبه والله أعلم‏.‏

وممن توفي في هذه السنة من الأعيان

بريدة بن الحصيب الأسلمي
كان إسلامه حين اجتاز به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مهاجر
إلى المدينة عند كراع الغميم، فلما كان هناك تلقاه بريدة في ثمانين نفساً
من أهله فأسلموا، وصلى بهم صلاة العشاء وعلمه ليلتئذٍ صدراً
من سورة مريم‏.‏

ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بعد أُحد فشهد معه
المشاهد كلها وأقام بالمدينة، فلما فتحت البصرة نزلها واختط بها داراً،
ثم خرج إلى غزو خراسان فمات بمرو في خلافة يزيد بن معاوية‏.‏
ذكر موته غير واحد في هذه السنة‏.‏

الربيع بن خيثم
أبو يزيد الثوري الكوفي، أحد أصحاب ابن مسعود قال له عبد الله بن مسعود‏:‏
ما رأيتك قط إلا ذكرت المخبتين، ولو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأحبك‏.‏وكان ابن مسعود يجله كثيراً‏.‏

وقال الشعبي‏:‏
كان الربيع من معادن الصدق، وكان أورع أصحاب ابن مسعود‏.‏

وقال ابن معين‏:‏
لا يسأل عن مثله، وله مناقب كثيرة جداً، أرخ ابن الجوزي وفاته
في هذه السنة‏.‏

علقمة بن قيس أبو شبل النخعي الكوفي
كان من أكابر أصحاب ابن مسعود وعلمائهم وكان يشبه بابن مسعود،
وقد روى علقمة عن جماعة من الصحابة وعنه خلق من التابعين‏.‏

عقبة بن نافع الفهري
بعثه معاوية إلى إفريقية في عشرة آلاف فافتتحها، واختط القيروان، وكان
موضعها غيضة لا ترام من السباع، والحيات، والحشرات، فدعا الله تعالى
فجعلن يخرجن منها بأولادهن من الأوكار والحجار، فبناها ولم يزل بها
حتى هذه السنة، غزا أقواماً من البربر والروم فقتل شهيداً رضي الله عنه‏.‏

عمرو بن حزم
صحابي جليل استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على نجران
وعمره سبع عشرة سنة وأقام بها مدة، وأدرك أيام يزيد بن معاوية‏.‏

مسلم بن مخلد الأنصاري
الزرقي ولد عام الهجرة، وسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وشهد فتح مصر، وولي الجند بها لمعاوية ويزيد، ومات في ذي القعدة
من هذه السنة‏.‏

مسلم بن معاوية الديلمي
صحابي جليل شهد بدراً وأُحداً والخندق مع المشركين، وكانت له في
المسلمين نكاية، ثم أسلم وحسن إسلامه، وشهد فتح مكة وحنيناً، وحج
مع أبي بكر سنة تسع، وشهد حجة الوداع، وعَمَّر ستين سنة في الجاهلية
ومثلها في الإسلام قاله الواقدي‏.‏قال‏:‏ وأدرك أيام يزيد بن معاوية،
وقال ابن الجوزي‏:‏ مات في هذه السنة‏.‏

وفيها‏:‏
توفيت الرباب بنت أنيف امرأة الحسين بن علي التي كانت حاضرة
أهل العراق إذ هم يعدون في السبت أو في الجمعة على زوجها
الحسين بن علي ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏