المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة أربع وسبعين


adnan
01-05-2015, 08:27 PM
الأخ / مصطفى آل حمد



ثم دخلت سنة أربع وسبعين
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

فيها
عزل عبد الملك طارق بن عمرو عن إمارة المدينة وأضافها إلى الحجاج
بن يوسف الثقفي، فقدمها فأقام بها أشهراً ثم خرج معتمراً ثم عاد إلى
المدينة في صفر فأقام بها ثلاثة أشهر، وبنى في بنى سلمة مسجداً‏.‏
وهو الذي ينسب إليه اليوم، ويقال إن الحجاج في هذه السنة وهذه المدة
شتم جابراً وسهل بن سعد وقرعهما لم لا نصراً عثمان بن عفان،
وخاطبهما خطاباً غليظاً قبحه الله وأخزاه، واستقصى أبا إدريس
الخولاني أظنه على اليمن، والله أعلم‏.‏

قال ابن جرير‏:
‏ وفيها نقض الحجاج بنيان الكعبة الذي كان ابن الزبير بناه وأعادها على
بنيانها الأول، قلت‏:‏ الحجاج لم ينقض بنيان الكعبة جميعه‏:‏ بل إنما هدم
الحائط الشامي حتى أخرج الحجر من البيت ثم سده وأدخل في جوف
الكعبة ما فضل من الأحجار، وبقية الحيطان الثلاثة بحالها، ولهذا بقى
البنيان الشرقي والغربي وهما ملصقان بالأرض كما هو المشاهد
إلى يومنا هذا‏.‏ولكن سد الغربي بالكلية وردم أسفل الشرقي حتى جعله
مرتفعاً كما كان في الجاهلية، ولم يبلغ الحجاج وعبد الملك ما كان بلغ
ابن الزبير من العلم النبوي الذي كانت أخبرته به خالته عائشة
فلما تمكن ابن الزبير بناها كذلك، ولما بلغ عبد الملك هذا الحديث
بعد ذلك قال‏:‏ وددنا لو تركناه وما تولى من ذلك‏.‏

وفى هذه السنة
ولى المهلب بن أبى صفرة حرب الأزارقة عن أمر عبد الملك لأخيه بشر
بن مروان أن يجهز المهلب إلى الخوارج في جيوش من البصرة والكوفة،
ووجد بشر على المهلب في نفسه حيث عينه عبد الملك في كتابه‏.‏ فلم يجد
بدَّاً من طاعته في تأميره على الناس في هذه الغزوة، وما كان له من
الأمر شيء، غير أنه أوصى أمير الكوفيين عبد الله بن مخنف أن يستبد
بالأمر دونه وأن لا يقبل له رأياً ولا مشورة، فسار المهلب بأهل البصرة
وأمراء الأرباع معه على منازلهم حتى نزل برامهرمز، فلم يقم عليها
إلا عشراً حتى جاء نعي بشر بن مروان، وأنه مات بالبصرة واستخلف
عليها خالد بن عبد الله، فأرخى بعض الجيش ورجعوا إلى البصرة فبعثوا
في آثارهم من يردهم، وكتب خالد بن عبد الله إلى الفارِّين يتوعدهم إن
لم يرجعوا إلى أميرهم، ويتوعدهم بسطوة عبد الملك، فعدلوا يستأذنون
عمرو بن حريث في المسير إلى الكوفة فكتب إليهم‏:‏
إنكم تركتم أميركم وأقبلتم عاصين مخالفين، وليس لكم إذن ولا إمام
ولا أمان، فلما جاءهم ذلك أقبلوا إلى رحالهم فركبوها ثم ساروا إلى بعض
البلاد فلم يزالوا مختفين بها حتى قدم الحجاج والياً على العراق مكان بشر
بن مروان كما سيأتي بيانه قريباً‏.‏

وفى هذه السنة
عزل عبد الملك بكير بن وشاح التميمي عن إمرة خراسان وولاها أمية
بن عبد الله بن خالد بن أسيد القرشي ليجتمع عليه الناس، فإنه قد كادت
الفتنة تتفاقم بخراسان بعد عبد الله بن خازم‏.‏فلما قدم أمية بن عبد الله
خراسان عرض على بكير بن وشاح أن يكون على شرطته فأبى وطلب
منه أن يوليه طخارستان، فخوفوه منه أن يخلعه هنالك فتركه مقيماً عنده‏.‏
قال ابن جرير‏:‏ وحج بالناس فيها الحجاج وهو على إمرة المدينة ومكة
واليمن واليمامة‏.‏

قال ابن جرير‏:‏
وقد قيل إن عبد الملك اعتمر في هذه السنة ولا نعلم صحة ذلك‏.‏

ذكر من توفي فيها من الأعيان‏:‏
رافع بن خديج بن رافع الأنصاري
صحابي جليل شهد أحداً وما بعدها، وصفين مع علي وكان يتعانا المزارع
والفلاحة، توفي وهو ابن ستة وثمانين سنة، وأسند ثمانية وسبعين حديثاً
وأحاديثه جيدة‏.‏ وقد أصابه يوم أحد سهم في ترقوته فخيره رسول الله
صلى الله عليه وسلم بين أن ينـزعه منه وبين أن يترك فيه العطبة ويشهد
له يوم القيامة، فاختار هذه، وانتقض عليه في هذه السنة فمات
منه رحمه الله‏.‏

أبو سعيد الخدري
هو سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي صحابي جليل من فقهاء
الصحابة استصغر يوم أحد، ثم كان أول مشاهده الخندق، وشهد مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنى عشرة غزوة، وروى عنه أحاديث
كثيرة، وعن جماعة من الصحابة، وحدث عنه خلق من التابعين وجماعة
من الصحابة، كان من نجباء الصحابة وفضلائهم وعلمائهم‏.‏

عبد الله بن عمر
ابن الخطاب القرشي العدوي‏.‏ أبو عبد الرحمن المكي ثم المدني أسلم قديماً
مع أبيه ولم يبلغ الحلُم وهاجراً وعمره عشر سنين، وقد استصغر يوم
أحد، فلما كان يوم الخندق أجازه وهو ابن خمس عشرة سنة فشهدها
وما بعدها، وهو شقيق حفصة بنت عمر أم المؤمنين، أمهما زينب
بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون‏.‏وكان عبد الله بن عمر ربعة من
الرجال آدم له جمة تضرب إلى منكبيه جسيماً يخضب بالصفرة ويحفى
شاربه، وكان يتوضأ لكل صلاة ويدخل الماء في أصول عينيه، وقد أراده
عثمان على القضاء فأبى ذلك، وكذلك أبوه، وشهد اليرموك والقادسية
وجلولاء وما بينهما من وقائع الفرس، وشهد فتح مصر، واختط بها داراً،
وقدم البصرة وشهد غزو فارس وورد المدائن مراراً وكان عمره يوم مات
النبي صلى الله عليه وسلم ثنتين وعشرين سنة، وكان إذا أعجبه شيء
من ماله يقربه إلى الله عز وجل، وكأن عبيده قد عرفوا ذلك منه، فربما
لزم أحدهم المسجد فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال أعتقه، فيقال له‏:‏ إنهم
يخدعونك، فيقول‏:‏ من خدعنا لله انخدعنا له، وكان له جارية يحبها كثيراً
فأعتقها وزوجها لمولاه نافع، وقال‏:‏ إن الله تعالى يقول‏:‏

‏{ ‏لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ‏ }‏
‏[‏آل عمران‏:‏ 92‏]‏‏.‏

واشترى مرة بعيراً فأعجبه لما ركبه فقال‏:‏ يا نافع أدخله في إبل الصدقة،
وأعطاه ابن جعفر في نافع عشرة آلاف فقال‏:‏ أو خيراً من ذلك‏؟‏ هو حر
لوجه الله، واشترى مرة غلاماً بأربعين ألفاً وأعتقه فقال الغلام‏:‏ يا مولاي
قد أعتقتني فهب لي شيئاً أعيش به فأعطاه أربعين ألفا، واشترى مرة
خمسة عبيد فقام يصلى فقاموا خلفه يصلون فقال‏:‏ لمن صليتم هذه
الصلاة‏؟‏ فقالوا‏:‏ لله ‏!‏ فقال‏:‏ أنتم أحرار لمن صليتم له، فأعتقهم‏.‏

والمقصود أنه ما مات حتى أعتق ألف رقبة، وربما تصدق في المجلس
الواحد بثلاثين ألفاً، وكانت تمضى عليه الأيام الكثيرة والشهر لا يذوق فيه
لحماً إلا وعلى يديه يتيم، وبعث إليه معاوية بمائة ألف لما أراد أن يبايع
ليزيد، فما حال عليه الحول وعنده منها شيء، وكان يقول‏:‏ إني لا أسأل
أحداً شيئاً وما رزقني الله فلا أرده‏.‏

وكان في مدة الفتنة لا يأتي أمير إلا صلى خلفه، وأدى إليه زكاة ماله،
وكان أعلم الناس بمناسك الحج، وكان يتتبع آثار رسول الله
صلى الله عليه وسلم ويصلي فيها، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم
نزل تحت شجرة وكان ابن عمر يتعاهدها ويصب في أصلها الماء، وكان
إذا فاتته العشاء في جماعة أحيا تلك الليلة، وكان يقوم أكثر الليل، وقيل‏:‏
إنه مات وهو في الفضل مثل أبيه، وكان يوم مات خير من بقي، ومكث
ستين سنة يفتي الناس من سائر البلاد، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم
أحاديث كثيرة، وروى عن الصديق وعن عمر وعثمان وسعد
وابن مسعود وحفصة وعائشة وغيرهم‏.‏

وعنه خلق منهم بنوه حمزة وبلال وزيد وسالم وعبد الله وعبيد الله وعمر
إن كان محفوظ، وأسلم مولى أبيه وأنس بن سيرين والحسن
وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وطاووس وعروة وعطاء
وعكرمة ومجاهد وابن سيرين والزهري ومولاه نافع‏.‏

وثبت في الصحيح عن حفصة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏

‏(‏‏ ‏إن عبد الله رجل صالح لو كان يقوم الليل‏)‏ )‏‏.‏

وكان بعد يقوم الليل، وقال ابن مسعود‏:‏ إن من أملك شباب قريش
لنفسه عن الدنيا ابن عمر‏.‏

وقال جابر‏:‏
ما منا أحد أدرك الدنيا إلا مالت به ومال بها، إلا ابن عمر، وما أصاب أحد
من الدنيا شيئاً إلا نقص من درجاته عند الله وإن كان عليه كريماً‏.‏

وقال سعيد بن المسيب‏:‏
مات ابن عمر يوم مات وما من الدنيا أحد أحب أن لقي الله
بمثل عمله منه‏.‏

وقال الزهري‏:‏
لا يعدل برأيه فإنه أقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين سنة،
فلم يخف عليه شيء من أمره ولا من أمر أصحابه رضي الله عنهم‏.‏

وقال مالك‏:‏
بلغ ابن عمر ستاً وثمانين سنة وأفتى في الإسلام ستين سنة،
تقدم عليه وفود الناس من أقطار الأرض‏.‏

وقال الزبير بن بكار وآخرون‏:‏
توفي سنة ثلاث وسبعين والأول أثبت، والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 9/9‏)‏

عبيد بن عمير
ابن قتادة بن سعد بن عامر بن خندع بن ليث، الليثي ثم الخندعي،
أبو عاصم المكي قاضي أهل مكة، قال مسلم بن الحجاج‏:‏ ولد في حياة
النبي صلى الله عليه وسلم، وقال غيره‏:‏ ورآه أيضاً، وروى عن أبيه،
وله صحبة وعن عمر وعلي و أبي هريرة وابن عباس وابن عمر
وعبد الله بن عمر وأم سلمة وغيرهم، وعنه جماعة من التابعين
وغيرهم، ووثقه ابن معين وأبو زرعة وغير واحد‏.‏وكان ابن عمر يجلس
في حلقته ويبكي وكان يعجبه تذكيره، وكان بليغاً، وكان يبكي حتى
يبل الحصى بدموعه‏.‏

قال مهدي ابن ميمون، عن غيلان بن جرير، قال‏:‏
كان عبيد بن عمير إذا آخى أحداً في الله استقبل به القبلة فقال‏:‏
اللهم اجعلنا سعداء بما جاء به نبيك، واجعل محمداً شهيداً علينا بالإيمان،
وقد سبقت لنا منك الحسنى غير متطاول علينا الأمد، ولا قاسية قلوبنا
ولا قائلين ما ليس لنا بحق، ولا سائلين ما ليس لنا به علم‏.‏وحكى
البخاري، عن ابن جريج، أن عبيد بن عمير مات قبل ابن عمر
رضى الله عنه‏.‏

أبو جحيفة
وهب بن عبد الله السُّوائي، صحابي رأى النبي صلى الله عليه وسلم،
وكان دون البلوغ عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لكن روى عنه
عدة أحاديث، وعن علي والبراء بن عازب، وعنه جماعة من التابعين،
منهم إسماعيل بن أبي خالد، والحكم وسلمة بن كهيل والشعبي
وأبو إسحاق السبيعي، وكان قد نزل الكوفة وابتنى بها داراً وتوفي
في هذه السنة، وقيل‏:‏ في سنة أربع وتسعين، فالله أعلم‏.‏

وكان صاحب شرطة علي، وكان علي إذا خطب يقوم أبو جحيفة
تحت منبره‏.‏

سلمة بن الأكوع
ابن عمرو بن سنان الأنصاري وهو أحد من بايع تحت الشجرة، وكان
من فرسان الصحابة ومن علمائهم، كان يفتي بالمدينة وله مشاهد معروفة
في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، توفي بالمدينة وقد جاوز
السبعين سنة‏.‏

مالك بن أبي عامر
الأصبحي المدني وهو جد الإمام مالك بن أنس، روى عن جماعة
من الصحابة وغيرهم، وكان فاضلاً عالماً توفي بالمدينة‏.‏

أبو عبد الرحمن السلمي
مقرئ أهل الكوفة بلا مدافعة واسمه عبد الله بن حبيب، قرأ القرآن على
عثمان بن عفان وابن مسعود، وسمع من جماعة من الصحابة وغيرهم،
وأقرأ الناس القرآن بالكوفة من خلافة عثمان إلى إمرة الحجاج،
قرأ عليه عاصم بن أبي النجود وخلق غيره، توفي بالكوفة‏.‏

أبو معرض الأسدي
اسمه مغيرة بن عبد الله الكوفي، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم،
ووفد على عبد الملك بن مروان وامتدحه، وله شعر جيد، ويعرف
بالأقطشي، وكان أحمر الوجه كثير الشعر توفي بالكوفة
في هذه السنة، وقد قارب الثمانين سنة‏.‏

بشر بن مروان
الأموي أخو عبد الملك بن مروان، ولي إمرة العراقين لأخيه عبد الملك،
وله دار بدمشق عند عقبة اللباب، وكان سمحاً جواداً، وإليه ينسب دير
مروان عند حجير، وهو الذي قتل خالد بن حصين الكلابي يوم مرج راهط،
وكان لا يغلق دونه الأبواب ويقول‏:‏ إنما يحتجب النساء، وكان طليق
الوجه، وكان يجيز على الشعر بألوف، وقد امتدحه الفرزدق والأخطل،
والجهمية تستدل على الاستواء على العرش بأنه الاستيلاء ببيت الأخطل‏:‏
قد استوى بشر على العراق * من غير سيف ودم مهراق

وليس فيه دليل فإن هذا استدلال باطل من وجوه كثيرة، وقد كان الأخطل
نصرانياً وكان سبب موت بشر أنه وقعت القرحة في عينه فقيل له يقطعها
من المفصل فجزع فما أحس حتى خالطت الكتف، ثم أصبح وقد خالطت
الجوف، ثم مات ولما احتضر جعل يبكي ويقول‏:‏ والله لوددت أني كنت
عبداً أرعى الغنم في البادية لبعض الأعراب، ولم أل ما وليت، فذكر قوله
لأبي حازم - أو لسعيد بن المسيب -، فقال‏:‏ الحمد لله الذي جعلهم عند
الموت يفرون إلينا ولم يجعلنا نفر إليهم، إنا لنرى فيهم عبراً،
وقال الحسن‏:‏ دخلت عليه فإذا هو يتململ على سريره ثم نزل عنه إلى
صحن الدار، والأطباء حوله مات بالبصرة في هذه السنة، وهو أول أمير
مات بها ولما بلغ عبد الملك موته حزن عليه وأمر الشعراء أن يرثوه
والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏