المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من تفسير الدكتور راتب النابلسي (2)


adnan
01-16-2015, 09:38 PM
الأخت الزميلة / جِنان الورد



من تفسير الدكتور راتب النابلسي ( 2 )

من السهولة بمكان أن يتمكن الله عزَّ وجل من أن يقمع كيد الكفار:

{ ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ(4) }
( سورة محمد )

من أجل أن ترقى أنت، فالإنسان لا يتأفف بالمصائب، لا يتأفف بالخصوم،
لا يتأفف بالأعداء، هؤلاء بتقدير الله عزَّ وجل سَخَّرَهُم الله ليرقى المؤمن
بصبره وصدقه، أو ليظهر صدق الصادق وكذب الكاذب.

{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ
وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) }
(سورة الفرقان)

يهديك إليه، وينصرك على خصومك بعد أن يَظْهَر صدقك، وبعد أن يظهر
إخلاصك، وبعد أن تظهر تضحياتك، بعدئذٍ ينصرك الله على أعدائك، فالنبي
عليه الصلاة والسلام لاقى ما لاقى، الهجرة وحدها ابتلاء، خرج من مكة
متجهاً إلى غار ثور، أعد عدةً، وخصوم كثر تحلقوا حوله، وكادوا أن
يصلوا إليه، وقال قولته الشهيرة:

( يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ )
[ متفق عليه عن أنس بن مالك ].

شاءت حكمة الله عزَّ وجل أن يكون لأهل الحق انطلاقاً من الأنبياء صلوات
الله عليهم وحتى أقل الدُعاة أعداء، شاءت حكمة الله عزَّ وجل أن يكون
لكل نبيٍ عدواً من المجرمين، ما حكمة ذلك ؟ لو أن طريق الدعوة إلى الله
خاليةٌ من الخصوم، والمعارضين، وأهل الباطل الذين يكيدون للحق، لو أن
طريق الدعوة إلى الله طريقٌ محفوفةٌ بالورود والرياحين، طريقٌ سهلةٌ
ممهَّدةٌ كلُّها مسرَّات، لدعا إلى الله من هَبَّ ودَبْ، بعضهم صادق، أقلهم
هو الصادق وأكثرهم كاذب، ولكن حينما تكون لهذه الدعوة عقباتٌ كأداء،
وخصومٌ أشدَّاء، ومخاوف وتبعات لا يصمد فيها إلا الصادقون، فلو
مناقصة مثلاً ـ مناقصة بألف مليون ـ لو أن كل إنسان له الحق أن يدخل
فيها بطابع مالي من فئة المئة وخمسة وعشرين قرشاً، لقدِّمت طلباتٌ
لا تعد ولا تحصى، وكان أكثر هؤلاء الذين يقدِّمون الطلبات لا يملكون
مصاريف هذه المُناقصة، لماذا يجعل مبلغٌ ضخمٌ مبلغ تأمين ؟ حتى يدخل
الإنسان الجاد فقط هذا مثل، لو كان الاشتراك من دون تأمين، لكان كل
إنسان يقول لك: اجرِّب حظي ثم يقدم طلباً، قد ترسو عليه المناقصة وهو
ليس أهلاً لتنفيذ هذا العمل، ولكن يوضع مبلغٌ كبير كعقبةٍ من يجتازها فهو
جادٌ في تأمين هذا الطلب، هذا مثل.

{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا(24) }
( سورة السجدة )

أحرج الأوقات:
قال تعالى:

{ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي (29) }
(سورة الفرقان)

المفسِّرون يقولون: هذا قول الظالم،
أما قوله تعالى:

{ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) }
(سورة الفرقان)
هذا كلام الله عزَّ وجل، وليس كلام هذا الظالم

{ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي (29) }
(سورة الفرقان)
الوقف أولى بعد كلمة جاءني، ومن ثمَّ يقول الله عزَّ وجل معقباً
على هذا الاعتراف،على هذا الندم الذي يَدْمَى له القلب،
يقول الله عزَّ وجل:

{ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) }
(سورة الفرقان)

خذله في أحرج الأوقات.