المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معجزات الفعل الإنساني (01-02)


adnan
02-19-2015, 09:37 PM
الأخ / عبد العزيز محمد - الفقير إلي الله



معجزات الفعل الإنساني (01-02)

اختصّ الله تعالى ذاته بإحداث المعجزات التّي يشاء حين يشاء فيجري
الخوارق التّي تجاوز حدود الزمان والمكان والطاقة وحتى الفهم البشري
لكنّه لم يحرم الإنسان من تحويل فعله إلى معجزات بشرية محكومة
بعوامل الزمان والمكان والطاقة ومؤثّرة فيها باتجاه تفجير إمكانات الخير
والصلاح في كل مجالات التحرّك والنشاط وذلك من خلال تحويل الأفكار
الحيّة الجيّدة إلى آلات فاعلة ومشروعات نافعة يحرّكها الفعل الإنساني
ويباركها صاحب الخلق والأمر سبحانه وتعالى فيكتسب الفعل الإنساني
بُعده الإبداعي في مجالات التربية والاقتصاد والإغاثة والجهاد والتحرير
وبناء الحضارة.

إذا كان القرآن الكريم ارتقاءً بالدليل من المعجزة الآنية إلى مشاهدة
النتائج عند التطبيق في الواقع فإنّ هذه القاعدة تشمل أيضا عمل الإنسان
المبدع الممسك بناصية الأسباب المتوكّل على ربّه الواثق في قدراته
العقلية والنفسية والعملية ليسرح في عالم التسخير الذي تمتدّ آفاقه
إلى جنبات الكون كلّه بأمر الله تعالى ومشيئته.

ولنا أن نتدبّر آي الذكر الحكيم لنقف على عديد الأمثلة البيّنة المشرقة
للفعل الإنساني المؤثّر كشرط لازم لحدوث المعجزة ونكتشف أنّ الله تعالى
يعلّمنا اتباع السنن واعتماد الأسباب حتّى عند الخوارق التي يجريها هو
سبحانه عز وجل والتي كان يمكن أن يجريها خارج السنن والأسباب:

1- فهذا إبراهيم عليه السلام :
يعيش تجربة إحياء الموتى ليس كمتفرّج ولكن عبر عمل يده وذلك
ليخرج الإنسان المؤمن من مدرّج التفرج إلى الالتحام ميدانيا وعمليا
بالتجربة:

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ
قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ
فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ
يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
(البقرة : 260).

إنّ الله تعالى هو الذي أجرى المعجزة ولكن بواسطة يد إبراهيم
عليه السلام الفاعلة.

2- وهذا موسى عليه السلام :
يسأل ربّه توفير الماء لقومه بعد أن نفد منهم في الصحراء وصار الموت
عطشا يتهدّدهم فلم يفجّر الله تعالى بئرا ولا عينا بفعل ”كُن” وهذا عنده
أيسر شيء لكنّه أمر سيدنا نبيّه أن يبذل جهدا رمزيا ليجني الثمرة
وتتحقّق على يده المعجزة:

{ وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ
فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا }
(البقرة : 60).

3- وهذه مريم :
تضع مولودها تحت النخلة وهي فتاة في مقتبل العمر وتحسّ بلسعة
الجوع وكان يمكن أن يطعمها ربّها بغير أسباب ومن غير أن تحرّك يدها
لكنّه يأمرها أن ” تعمل ” لتأكل حتّى وإن كان العمل المطلوب مجرّد
جهد رمزي:

{ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا }
(مريم : 25).

وماذا عسى فتاة نفساء أن تحرّك في جذع نخلة معمّرة ضخمة ؟
إنّه التأكيد على الفعل الإنساني ليكون شأن المؤمن في حياته كلّها.
هذه أمثلة تؤكّد على ضرورة بذل الجهد مهما كان رمزيا لتحقيق النتائج
الباهرة كتجربة إعادة الحياة والمحافظة عليها بالطعام والشراب.
ويحوي القرآن الكريم وصايا جليّةً بأهميّة الفعل الإنسانيّ القويّ مبطّنة
في تجارب تربويّة وروحيّة واجتماعيّة محورها أنبياء وعباد صالحون
هم محلّ قدوة وتمثُّل.

موسى والخضر :
عندما دخل النبيّ والعبد الصالح في العمليّة التعليمية لم يأخذ ذلك شكل
التلقين في حجرة مغلقة وإنّما اكتسى ثوب الحركة والنشاط والهمّة ليكون
تعليماً ميدانياً حيّاً يستجمع معاني الإيجابيّة والقوّة في التحصيل لذلك تكرّر
لفظ “فانطلَقا” ثلاث مرّات بعدد التجارب الّتي خاضاها في السفينة ومع
الغلام ثمّ في قرية البخلاء سورة الكهف (74-77) وتوحي كلمة الانطلاق
بالمعاني الّتي ذكرناها وهي بكلّ تأكيد ضدّ القعود والتلقّي الضعيف
والإرادة الهزيلة.

وقد أصبحت المدارس والمعاهد والجامعات الراقية تعتمد هذا المنهج
الحيويّ بدل القبوع الدائم في الأقسام وصار الأساتذة يصطحبون طلبتهم
إلى مكوّنات الطبيعة والمؤسّسات المختلفة والمتاحف ليتعلّموا من الواقع
بالإضافة إلى الكتب وقاعات الدروس.