المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ابن الجوزي - الواعظ المربي ( الجزء الأول )


adnan
03-06-2015, 07:46 PM
الأخت / الملكة نـــور




ابن الجوزي - الواعظ المربي ( الجزء الأول )


تتمة سلسلة علماء الحديث
ابن الجوزي - الواعظ المربي ( الجزء الأول )

نسب ابن الجوزي :
هو الإمام العالم الزاهد الحافظ المؤرخ الواعظ جمال الدين أبو الفرج
عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله
بن حمادى بن أحمد بن محمد بن جعفر الجوزي بن عبد الله بن القاسم
بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القاسم
بن محمد بن أبي بكر الصديق، القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي،
المعروف بأبي الفرج ابن الجوزي.

و الجوزي نسبة إلى :
شجرة جوز كانت في داره بواسط
ولم يكن بواسط جوزة غيره[1]، وقيل غير ذلك[2]. .

نشأة ابن الجوزي :
ولد ابن الجوزي – رحمه الله- بدرب حبيب في بغداد سنة 511هـ/ 1117م
[3]، واختلف كذلك في تاريخ مولده[4]. وعلى هذا فإن ابن الجوزي
ولد بغداد في فترة سيطرة السلاجقة على الخلافة العباسية، وبالتحديد
في خلافة المستظهر بالله العباسي (من محرم 487هـ حتى ربيع آخر
512هـ)، وهي فترة عرفت بالاضطرابات السياسية والعسكرية عانت منها
الخلافة سنينا.

وقد نشأ ابن الجوزي في أحضان أسرة غنية ميسورة الحال فقد كان أهله
يعملون في تجارة النحاس، ولهذا كان ابن الجوزي يكتب اسمه أحيانا:
بـ (عبد الرحمن الصفار)، أو ابن جوزي الصفار[5]. .

توفي والد عبد الرحمن بن الجوزي وعمره ثلاث سنوات، فكفلته أمه
وعمته، فأحسنتا رعايته وتربته والاعتناء به؛ ولما ترعرع ووجدت عمته
فيه من النباهة والذكاء، أرسلته إلى مسجد أبي الفضل ابن ناصر
(محمد بن ناصر الحافظ) وهو خاله، فلزم الشيخ ابن ناصر الحافظ وقرأ
عليه وسمع عليه الحديث، وقد قيل: إن أول سماعه سنة 516هـ، أي كان
لابن الجوزي من العمر نحو 5 سنوات تقريبا.[6]

حياة ابن الجوزي الأولى في طلب العلم :
كانت للتنشئة الحسنة لابن الجوزي على يد أمه وعمته وشيخه ابن ناصر
الحافظ أثر كبير في تكوين حياته العلمية الأولى وزرع حب العلم في قلبه،
كما كان الغنى والثراء وكثرة التجارة والأموال التي تركها والده أثر كبير
في تفرغ ابن الجوزي للعلم وعدم الانشغال بغيره ، لذا شرع عبد الرحمن
بن الجوزي في طلب العلم و هو صغير ، و هذا ما جعله فريدا في عصره
و بين أقرانه .

و مع ما كان يتمتع به ابن الجوزي من الغنى والثراء اللذين يغريان أي
شاب أن يتمتع ويتلذذ بهما ما يشاء وخاصة مع انتشار الغناء في بغداد
وتعدد وسائل اللهو إلا الصبي ما كان ينظر إلى كل هذا، بل نراه
– رحمه الله - يجاهد نفسه لترويضها على القليل من متاع الدنيا،
بل نشأ –رحمه الله- يتيما على العفاف والصلاح [7]. .

وكان ابن الجوزي في صغره وطفولته لا يحب مخالطة الناس خوفا
من ضياع الوقت في الهفوات،

فيقول ابن كثير:
"وَكَانَ وهو صبي دَيِّنًا مَجْمُوعًا عَلَى نَفْسِهِ لَا يُخَالِطُ أَحَدًا ولا يأكل ما فِيهِ
شُبْهَةٌ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا للجمعة، وكان لا يلعب مع الصبيان[8]".

لقد روّض ابن الجوزي –رحمه الله- نفسه منذ صغره على حب العلم
وطلبه وتعلمه، فلم يعد ينشغل بغيره ولا يهدر همته إلا عليه، فنراه يقول
عن نفسه: "إنني رجل حبب إلي العلم من زمن الطفولة، فتشاغلت به،
ثم لم يحبب إلي فن واحد منه، بل فنونه كلها، ثم لا تقتصر همتي في فن
على بعضه، بل أروم استقصاءه، والزمان لا يسع، والعمر أضيق،
والشوق يقوى، والعجز يظهر، فيبقى وقوف بغض
المطلوبات حسرات[9]".

والأكثر من ذلك أن ابن الجوزي –رحمه الله- كان يعرض نفسه للشدائد
طلبا للعلم، فلم تكن حياته العلمية الأولى سهلة ميسورة بل كانت مليئة
بالمتاعب والصعاب، ولكن الفتى حبب إليه العلم فأصبحت الشدائد في طلب
العلم ملذات، فنراه يقول عن نفسه: " ولقد كنت في حلاوة طلبي العلم
ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل، لأجل ما أطلب وأرجو،
كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة، فأخرج في طلب الحديث،
وأقعد على نهر عيسى (نسبة إلى الأمير عيسى بن علي)، فلا أقدر على
أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة، شربت عليها، وعين همتي لا ترى
إلا لذة تحصيل العلم[10]"، وهذا ما لا يتوفر إلا في عظماء الرجال .

شيوخ ابن الجوزي :
ذكر ابن الجوزي –رحمه الله- شيوخه في كتاب خاص سماه
(مشيخة ابن الجوزي)، وقد عدّ فيه أبو الفرج ابن الجوزي
–رحمه الله- 86 شيخا وثلاث نسوة .

وقد تتلمذ ابن الجوزي على يد جملة من المشايخ والعلماء هم خيرة
علماء عصره، وما ذلك إلا بحسن اختيار مشايخه ومن يأخذ عنه،
فمع صغر سنه في طلب العلم إلا أنه تمتع بحسن بصيرته جعلته يميز
بين العلماء فنراه يقول: " حملني شيخنا ابن ناصر إلى الأشياخ في
الصغر وأسمعني العوالي، وأثبت سماعاتي كلّها بخطّه، وأخذ لي إجازات
منهم، فلما فهمت الطلب كنت ألازم من الشيوخ أعلمهم وأوثر من أرباب
النقل أفهمهم، فكانت همتي تجويد العُدد لا تكثير العَدد[11]".
وذكر ابن رجب الحنبلي والصفدي جملة من مشايخه
في ترجمتهما له[12]. .

من أشهر شيوخ ابن الجوزي :
1- أبو الفضل محمد بن ناصر الحافظ (467 /550 هـ): وهو خاله،
وقد اعتنى به وأسمعه الحديث، وقد قيل: إن أول سماعاته سنة 516هـ،
"وَكَانَ -ابن ناصر- حَافِظًا ضَابِطًا مُكْثِرًا من السُّنَّةِ كَثِيرَ الذِّكْرِ، سَرِيعَ
الدَّمْعَةِ[13]"، ويرجع الفضل له بعد الله تعالي إلى ما وصل إليه
ابن الجوزي من العلم، يقول ابن الجوزي: "حملني شيخنا ابن ناصر إلى
الأشياخ في الصغر، وأسمعني العوالي، وأثبت سماعاتي كلها بخطه،
وأخذ لي إجازات منهم[14]".

2- أبو الحسن عليّ بن عبد الواحد الدينوري: عدّه ابن الجوزي الشيخ
(5)، وأخذ عنه الفقه والخلاف والجدل والأصول[15]، وكان يسكن باب
البصرة من غربي بغداد. وتوفي في جمادى الآخرة سنة 521ه[16].

3- أبو منصور الجواليقي (465- 540هـ): عدّه ابن الجوزي الشيخ
(41)، وهو اللغوي الأديب، قال عنه ابن الجوزي: " انْتَهَى إِلَيْهِ عِلْمُ
اللُّغَةِ.. وَكَانَ غَزِيرَ الْعَقْلِ مُتَوَاضِعًا، طَوِيلَ الصَّمْتِ، لا يَقُولُ شَيْئًا إِلا بَعْدَ
التَّفْكِيرِ الطَّوِيلِ وَالْيَقِينِ[17]"، أخذ عنه ابن الجوزي الأدب واللغة.

تلاميذ ابن الجوزي :
تتلمذ على يدي ابن الجوزي –رحمه الله- جملة من التلاميذ حملوا شعلة
العلم في ربوع الدني[18]. :

ومن أشهر تلاميذه :
1- سبط ابن الجوزي: شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزغلي التّركي
البغدادي الحنفي، سبط[19] الإمام عبد الرحمن بن الجوزي (581-
654هـ)، ولد ببغداد ومات بدمشق، وَكَانَ إِمَامًا فَقِيها واعظا وحيدا
فِي الْوَعْظ عَلامَة فِي التَّارِيخ وَالسير. صنف مجموعة من الكتب، منها:
مرآة الزمان في التاريخ، وشرح الجامع الكبير[20]. .

2- الحافظ عبد الغني المقدسي: أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد
الجمّاعيلي المقدسي الدمشقي (541- 600هـ)، ولد بجمّاعيل بنابلس
وتوفي بمصر، كَانَ أَوْحَدَ زَمَانِهِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَالْحِفْظِ، من مصنفاته:
الكمال في أسماء الرجال، والأحكام الكبرى والصغرى[21]. .

ابن الجوزي .. العالم الموسوعي :
كان ابن الجوزي –رحمه الله- عالم موسوعي كبير، يقول ابن كثير: "برز
في علوم كثيرة، وانفرد بها عن غيره، وَجَمَعَ الْمُصَنَّفَاتِ الْكِبَارَ وَالصِّغَارَ
نَحَوًا مِنْ 300 مصنف، وكتب بيده نحوا من 200 مُجَلَّدَةٍ ... وَلَهُ فِي الْعُلُومِ
كُلِّهَا الْيَدُ الطُّولَى، والمشاركات في سائر أنواعها مِنَ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ
وَالتَّارِيخِ وَالْحِسَابِ وَالنَّظَرِ فِي النجوم والطب والفقه وغير ذلك
من اللغة والنحو[22]". .

ويقول ابن رجب الحنبلي:
"ولم يترك فنا من الفنون إلا وله فيه مصنف[23]"،

وقال أيضا: "وله في كل علم مشاركة، لكنه كان في التفسير من الأعيان،
وفي الحديث من الحفاظ، وفي التاريخ من المتوسعين،
ولديه فقه كافٍ[24]". .

أعمال ابن الجوزي ووظائفه :
تنوعت أعمال ابن الجوزي –رحمه الله- بين الوعظ والتدريس
والتأليف والخطابة :
الخطابة

قال ابن كثير –رحمه الله- في ترجمته له:
"وَلَهُ مَقَامَاتٌ وَخُطَبٌ[25]".

الوعظ :
وهو ما غلب على ابن الجوزي-رحمه الله- حتى كان أستاذا فريدا في
الوعظ، وبلغ في صناعة الوعظ شهرة عمّت الآفاق[26]، وقد شهد
مجلسه الرحالة الشهير ابن جبير، وأطنب في الكلام عنه في رحلته[27].

التدريس :

قال ابن رجب الحنبلي:
"ودرّس بعدة مدارس، وبنى لنفسه مدرسة بدرب دينار
، ووقف عليها كتبه[28]".

التأليف :
ومن أعجب ما قيل في ذلك ما قاله ابن خلكان في ترجمته لابن الجوزي،
يقول: "وبالجملة فكتبه أكثر من أن تعد، وكتب بخطه شيئاً كثيراً،
والناس يغالون في ذلك حتى يقولوا: إنه جمعت الكراريس التي كتبها
وحسبت مدة عمره وقسمت الكراريس على المدة فكان ما خص كل يوم
تسع كراريس، وهذا شيء عظيم لا يكاد يقبله العقل. ويقال إنه جمعت
براية أقلامه التي كتب بها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصل
منها شيء كثير، وأوصى أن يسخن بها الماء الذي يغسل به بعد موته،
ففعل ذلك، فكفت وفضل منه[29]". :