المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإصلاح الصعب (سلسلة التغيير الواعي 3)


vip_vip
10-26-2010, 11:21 AM
الإصلاح الصعب (سلسلة التغيير الواعي 3) (http://www.ataaalkhayer.com/)

حسن أبو مطير


تتكون أي أمة من الأمم من ثلاثة عناصر أساسية: العنصر الأول
هو الأفكار وهي التي تتمثل في العقيدة و القيم والأخلاق
و المبادئ, والعنصر الثاني هو الأشخاص قادة و محكومين,
والعنصر الثالث هو الأشياء والتي تتمثل في الأموال والزينة ,
و هذه العناصر الثلاث تمثل معيارا دقيقا نستطيع من خلاله الحكم
على حالة أي أمة, فمتى ما دار الأشخاص والأشياء في فلك
الأفكار الصحيحة كانت الأمة حيةً في أوج صحتها و عافيتها,
و متى ما دارت الأفكار والأشياء في فلك الأشخاص شاع المرض
واستشرى الفساد والاستبداد في الأمة, ومتى ما دار الأشخاص
والأفكار في فلك الأشياء انحدرت الأمة نحو الهاوية وصولا إلى
حالة الوفاة والموت المحقق , و هذه العناصر الثلاث في حركة
دائمة مستمرة.


و ليس أصدق من التاريخ في تصديق حركة الأمم و تدافعها
و دورانها حول هذه العناصر الثلاث , و الواقع يشهد لهذه
الحركة و يصدقها.
و لا شك أن التاريخ يُعد مصدرا مهماً لفهم الواقع, و لا شك أن
التاريخ سيظل مدرسةً كبيرةً مفتوحة الأبواب لكل من أراد أن
ينطلق لإحداث تغييرٍ إيجابيٍ واعٍ في المجتمع, وبدون الولوج
إلى مدرسة التاريخ فإن حلقةً عظيمةً من حلقات فهم الواقع
ستكون مفقودة, و مالم نحسن قراءة التاريخ قراءة متبصرة
, والاستفادة من تجارب السابقين فإن كثيرا من جهود الإصلاح
ستبوء بالفشل.
و لا أريد أن يتبادر إلى الأذهان أن هناك إصلاحا سهلا و أخر
صعبا , فطبيعة الإصلاح الفطرية "صعبة" و هي غالبا مما لا
تقبله النفس البشرية بسهولة بل وتعمل على مقاومته في بعض
الأحيان, فالنفس البشرية تسعى دوما نحو الرفاهية و الدعة
والراحة, تماما كحال المريض الذي يتمنع عن تقبل الدواء المُرِ
من أجل أن يكون سببا في شفائه من مرضه بسبب أن نفسه
لا تقبل بمرارة الدواء, و لكن الذي سأشير إليه في هذه الكلمات
هو ما يمكن أن يزيد عملية الإصلاح صعوبةً إلى صعوبتها الفطرية.
و سأحاول أن أورد في نقاط محددة ما يزيد عملية الإصلاح صعوبةً :
1- طغيان المجاملة , و المدح الزائد, و تمجيد الذات على النصح
و التوجيه و الإرشاد , مما يسبب غفلة عظيمة عن الحالة
الصحية التي ينبغي أن يكون عليها المجتمع.
2- شيوع الروح السلبية و التبعية الفكرية للاشخاص ,
و عدم المقدرة على طرح تنوع فكري, و مقابلة الرأي بالرأي
والحجة بالحجة .
3- حب التفرد و الظهور ونزعة الـ"أنا الأعلى" عند بعض
المنتسبين للعمل الإصلاحي, و هذا يتمثل في كثير من الأحيان
عند حصول أي نوعٍ من اختلافٍ في وجهاتِ النظرِ بين أفراد
العمل الواحد, مما يجعل بعضهم يفكر في الإنفصال و إقامةِ عملٍ
أو مشروعٍ إصلاحي مستقلٍ بذاته معتمدا على ما لديه من خبرة
و كفاءة وعلاقات.
4- كثرة التنظيرات و تقديم الكلمات على الأفعال, بحيث تُظهر
الكلمات بهرجاً للأفكار و بريقاً دون أن تجد من يطبقها على
أرض الواقع إما خوفاً من الفشل أو عدم وجود رغبة كافية
للتضحية بشيءٍ يسييرٍ من المال في سبيل تطبيقها,
مما يجعل البعض يظن أن هذه الفكرة هي مجرد خدعة.
5- البداية من نقطة الصفر في كل عمل إصلاحي جديد , فكثيرا من
العمل الإصلاحي لم - لا - يُحسن الأستفادة من تجارب السابقين
بما يتناسب مع واقعه. (http://www.ataaalkhayer.com/)
6- تكوين قاعدة العمل الأولى على أساس هش يفتح المجال لكل
المندفعين للمشاركة في عملية الإصلاح دون أن يكون لهم القدرة
الروحية والأخلاقية و الجسدية على تحمل أعباء المشاركة في
عملية الإصلاح.
7- شيخوخة الفكر وعدم قدرة رواد الإصلاح - الأشخاص - على
الأستجابة لمتطلبات الواقع وتغيراته الكثيرة و المتسارعة.
8- كثرة المنتقدين لمسيرة العمل الإصلاحي دون المساهمة
الحقيقة في توجيه انتقاد يدفع نحو العمل الصحيح , فإنه من
السهل على أي شخص يوجه انتقادا لاذعاً و لكن من الصعب
جدا أن يتحرك نحو العمل .
هذه هي بعض النقاط التي يمكن أن تزيد الصعوبة في عملية
الإصلاح, و أنا أجزم أن هناك أمورا أخرى كثيرة تتسع مع اتساع
العمل و تطوراته , وإن واحدا من هذه النقاط من شأنه أن يؤخر
مسيرة الإصلاح فكيف إذا اجتمعت!
و لعلي أسوق بعض النصائح التي تخفف من وطأة ما سبق على العمل الإصلاحي:
1- يجب على كل من أراد أن ينخرط في أي عمل إصلاحي أن
يتأكد من إخلاص نيته في كل وقت و أن يكون بشكل مستمر في
حالة اتهام لنيته خوفا من الوقوع في ما يفسد نيته لان
(كل ما لا يريد به وجه الله يضمحل).
2- أن يبادر و يتقدم من يجد في نفسه القدرة والكفاءة على تحمل
المسؤولية , و أن يكون في مقدمة صفوف العمل الإصلاحي وأن
يساهم في تشكيل قاعدة صلبة تقوم على النصح والتوجيه
و المشاورة بدلا من المجاملات و المدح المُطغي للأشخاص
و الاستداد بالرأي, و لأن تخلفهم من شأنه أن يفسح الطريق لمن
هم أقل كفاءة و قدرة وفي هذا خطر عظيم.
3- يغفل كثيرٌ من الأشخاص الذين يكون لهم مقومات قيادية عن
حقيقة مهمة ألا و هي " أن الكفر المنظم لا يقابل إلا بإسلام
منظم ", و ربما قد يفلح البعض منهم في إقامة عمل إصلاحي
منفرد تحقيا لذاته و تطلعاته الشخصية , وقد ينجح في بعض
الأحيان, و لكن ما لا يدركه هؤلاء الأشخاص أن ما يضيفه هذا
العمل في مواجهة الكفر المنظم سيظل ضعيف التأثير وهو
لا يرقى لمستوى المواجهة, لذلك فإن الجماعة رحمة
و مفارقتها شقاء و عناء (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية). (http://www.ataaalkhayer.com/)
4- التأسيس الصامت و تجميع الثقات والعمل بمهنجية تحترم
التنوع, و تعمل كثير أو تتكلم قليلا من أجل أن لا تكون الأفكار
محل اتهام السذج من وراء كثرة التنظيرات و قلة العمل.
5- قراءة الإرث التاريخي للأمم قراءة متبصر تُحسن اقتناص
المفيد وتعمل على التجديد المستمر بما يناسب كل مرحلة.

هذه بعض نصائح تركزت في مجملها على الأشخاص لانهم هم
من يحدد من يدور في فلك من, فالأفكار وحدها لا تبني أمةً قوية
مالم يتحرك الأشخاص و يسخروا ما لديهم من أشياء في سبيل
الأفكار و يدوروا في فلكها.