المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نعي خلق فاضل


هيفولا
04-15-2015, 10:23 PM
نعي خلق فاضل


نشرت صحيفة لندن تايمز اعلان تعزية جاء فيه
"بمزيد من الحزن و الأسى، ننعى اليوم
وفاة العُرف السليم الذي عاش بيننا لعدة سنين.

لا يعرف أحد كم كان عمره إذ أن شهادة ميلاده أضاعها
النظام الروتيني الرتيب،
و لكننا سنذكره بصفاته الجليلة و دروسه العميقة التي
تركها فينا و علمتنا أن الحياة ليست عادلة دائما،
و أن ما يحصل لنا يكون أحيانا بسبب ما جنته أيدينا،
و متى نقتنص الفرص و متى نقفز عن المركب الغارق،
و أن خير الرزق في البكور

لقد عاش العُرف السليم بنظرية اقتصادية بسيطة و هي:
لا تنفق أكثر مما تكسب و باستراتيجيات موثوقة
بأن الكبار،لا الأطفال، يتولون زمام الأمور

لقد بدأت صحة العُرف السليم بالتدهور سريعا عندما حلت
محله القوانين الجامدة،
و عندما أصبح المعلم يُفصل من وظيفته لتقريع الطالب المشاغب،
و عندما أصبح الآباء يعتدون على المعلمين لأنهم يقومون بما
عجز عنه الآباء و هو تربية أبناءهم،
و لقد اقتربت نهايته أكثر عندما أصبحت المدارس تحتاج لإذن
من الأهالي حتى تعطي الطالب المحموم دواء خافضا للحرارة
بينما لا يتوجب عليها إعلام الأهالي إذا كانت ابنتهم حامل و تريد الإجهاض!

لقد فقد العُرف السليم الرغبة في الحياة عندما أصبحت
المؤسسات الدينية تجارية و أصبح الدين وسيلة للتكسب
و أصبح المجرمون يتلقون معاملة أفضل من الضحايا

لقد أصيب العُرف السليم بضربة قوية عندما فقد الانسان قدرته
أن يدافع عن بيته و عرضه و وطنه من اللصوص!

لقد فقد العُرف السليم قبل وفاته والده الثقة و والدته الحقيقة
و زوجته الأمانة و ابنه المنطق
و ابنته المسؤولية،

و بقي خلفه أربع اخوة غير أشقاء و هم :
أنا أعرف حقوقي،
أريده الآن،
و الحق على شخص آخر،
و أنا ضحية

لم يحضر جنازة العُرف السليم الكثيرون،
فقلة أحسوا بفقده..."

إعلان العزاء هذا ليس رمزيا فقط أو خاصا بشعب دون آخر
فقد أصبح العُرف و المعروف من الأخلاق المنقرضة على
مستوى البشرية عامة، و أصبح عمل الخير شيئا مستغربا
يستحق صاحبه الإشادة و التكريم في دنيا الغاب و الفهلوة حيث
يسود قانون أنا و من ورائي الطوفان،
و كل شيء على ما يرام ما دام عداد حساب البنك يتقدم الى الأمام

يا ترى كم خلق فاضل و صفة حميدة تنتظر الموت في قابل الأيام،
و ماذا سيبقى لأمتنا بعد فقر العز و القوة و المال
و العلم لتتاجر و تحارب به إذا فقدت أخلاقها؟

إن نعي الأخلاق هو نعي كل منا و موتنا المحتوم
و صدق الشاعر إذ قال:

و إذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما و عويلا



يروى أن ثلاثة أشخاص في عهد عمر بن الخطاب جاءوا
ممسكين بشاب وقالوا: يا أمير المؤمنين نريد منك أن تقتص لنا
من هذا الرجل فقد قتل والدنا، قال عمر بن الخطاب: لماذا قتلته؟
قال الرجل : إني راعى ابل وأعز جمالي أكل شجرة من أرض أبوهم
فضربه أبوهم بحجر فمات فامسكت نفس الحجر وضربته به فمات ،
قال عمر بن الخطاب : إذا سأقيم عليك الحد
قال الرجل : أمهلني ثلاثة أيام فقد مات أبي وترك لي كنزاً
أنا وأخي الصغير فإذا قتلتني ضاع الكنز وضاع أخي من بعدي ،
فقال عمر بن الخطاب: ومن يضمنك ،فنظر الرجل في وجوه الناس
فقال : هذا الرجل ،فقال عمر بن الخطاب : يا أبا ذر هل تضمن هذا الرجل ،
فقال أبو ذر : نعم يا أمير المؤمنين ،فقال عمر بن الخطاب :
إنك لا تعرفه وأن هرب أقمت عليك الحد
فقال أبو ذر أنا أضمنه يا أمير المؤمنين ،ورحل الرجل ومر
اليوم الأول والثاني والثالث وكل الناس كانت قلقه على أبي ذر
حتى لا يقام عليه الحد ،وقبل صلاة المغرب بقليل جاء الرجل
وهو يلهث وقد أشتد عليه التعب والإرهاق ووقف بين يدي أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب ،قال الرجل : لقد سلمت الكنز وأخي لأخواله
وأنا تحت يدك لتقيم علي الحد ،فاستغرب عمر بن الخطاب
وقال : ما الذي أرجعك و كان من الممكن أن تهرب ؟!
فقال الرجل : خشيت أن يقال لقد ذهب الوفاء بالعهد من الناس
فسأل عمر بن الخطاب أبا ذر لماذا ضمنته؟؟؟
فقال أبو ذر : خشيت أن يقال لقد ذهب الخير من الناس ،
فتأثر أولاد القتيل فقالوا لقد عفونا عنه ،فقال عمر بن الخطاب : لماذا ؟
فقالوا : نخشى أن يقال لقد ذهب العفو من الناس

حفظوا الأخلاق فحفظتهم و فرطنا فيها فخسرنا أنفسنا

عظم الله أجرنا

هيفولا:o