المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شئ من ترجمة الاوزاعى _ رحمه الله


حور العين
05-06-2015, 07:05 PM
الأخ / مصطفى آل حمد

شيء من ترجمة الأوزاعي رحمه الله
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

هو‏:‏
عبد الرحمن بن عمرو بن محمد، أبو عمرو الأوزاعي‏.‏

والأوزاع‏:‏
بطن من حمير وهو من أنفسهم‏.‏ قاله محمد بن سعد‏.‏

وقال غيره‏:‏
لم يكن من أنفسهم وإنما نزل في محلة الأوزاع، وهي قرية خارج باب
الفراديس من قرى دمشق، وهو ابن عم يحيى بن عمرو الشيباني‏.‏

قال أبو زرعة‏:‏
وأصله من سبي السند فنزل الأوزاع فغلب عليه النسبة إليها‏.‏

وقال غيره‏:‏
ولد ببعلبك ونشأ بالبقاع يتيماً في حجر أمه، وكانت تنتقل به
من بلد إلى بلد‏.‏

وتأدب بنفسه، فلم يكن في أبناء الملوك والخلفاء والوزراء والتجار
وغيرهم أعقل منه، ولا أورع ولا أعلم، ولا أفصح ولا أوقر ولا أحلم،
ولا أكثر صمتاً منه، ما تكلم بكلمة إلا كان المتعين على من سمعها من
جلسائه أن يكتبها عنه، من حسنها، وكان يعاني الرسائل والكتابة، وقد
اكتتب مرة في بعث إلى اليمامة فسمع من يحيى بن أبي كثير وانقطع إليه
فأرشده إلى الرحلة إلى البصرة ليسمع من الحسن وابن سيرين‏.‏

فسار إليها فوجد الحسن قد توفي من شهرين، ووجد ابن سيرين مريضاً،
فجعل يتردد لعيادته، فقوي المرض به ومات ولم يسمع منه الأوزاعي
شيئاً‏.‏ ثم جاء فنزل دمشق بمحلة الأوزاع خارج باب الفراديس، وساد
أهلها في زمانه وسائر البلاد في الفقه والحديث والمغازي وغير ذلك
من علوم الإسلام‏. وقد أدرك خلقاً من التابعين وغيرهم، وحدث عنه
جماعات من سادات المسلمين‏:‏ كمالك بن أنس والثوري، والزهري
وهو من شيوخه‏.‏ وأثنى عليه غير واحد من الأئمة، وأجمع المسلمون
على عدالته وإمامته‏.‏

قال مالك‏:‏
كان الأوزاعي إماماً يقتدى به‏.‏

وقال سفيان بن عيينة وغيره‏:
‏ كان الأوزاعي إمام أهل زمانه‏.‏

وقد حج مرة فدخل مكة وسفيان الثوري آخذ بزمام جمله، ومالك بن أنس
يسوق به، والثوري يقول‏:‏ أفسحوا للشيخ حتى أجلساه عند الكعبة،
وجلسا بين يديه يأخذان عنه‏.‏

وقد تذاكر مالك والأوزاعي مرة بالمدينة من الظهر حتى صليا العصر،
ومن العصر حتى صليا المغرب، فغمره الأوزاعي في المغازي، وغمره
مالك في الفقه‏.‏ أو في شيء من الفقه‏.‏

وقال محمد بن عجلان‏:‏
لم أر أحداً أنصح للمسلمين من الأوزاعي‏.‏

وقال غيره‏:‏
ما رُئي الأوزاعي ضاحكاً مقهقهاً قط، ولقد كان يعظ الناس فلا يبقي أحد
في مجلسه إلا بكى بعينه أو بقلبه، وما رأيناه يبكي في مجلسه قط وكان
إذا خلى بكى حتى يرحم‏.‏

وقال يحيى بن معين‏:‏
العلماء أربعة‏:‏ الثوري، وأبو حنيفة، ومالك، والأوزاعي‏.‏

قال أبو حاتم‏:‏
كان ثقةً متبعاً لما سمع‏.‏

قالوا‏:‏
وكان الأوزاعي لا يلحن في كلامه، وكانت كتبه ترد على المنصور
فينظر فيها ويتأملها ويتعجب من فصاحتها وحلاوة عبارتها‏.‏

وقد قال المنصور يوماً‏:
‏ لأحظى كتَّابه عنده - وهو‏:‏ سليمان بن مجالد -‏:‏ ينبغي أن نجيب
الأوزاعي على ذلك دائماً، لنستعين بكلامه فيما نكاتب به إلى الآفاق
إلى من لا يعرف كلام الأوزاعي‏.‏ فقال‏:‏ والله يا أمير المؤمنين ‏!‏ لا يقدر
أحد من أهل الأرض على مثل كلامه ولا على شيء منه‏.‏

وقال الوليد بن مسلم‏:‏
كان الأوزاعي إذا صلى الصبح جلس يذكر الله سبحانه حتى تطلع الشمس،
وكان يأثر عن السلف ذلك‏.‏قال‏:‏ ثم يقومون فيتذاكرون في الفقه والحديث‏.‏

وكان الأوزاعي رحمه الله كثير العبادة حسن الصلاة ورعاً ناسكاً طويل
الصمت، وكان يقول‏:‏ من أطال القيام في صلاة الليل هوّن الله عليه طول
القيام يوم القيامة، أخذ ذلك من قوله تعالى‏:‏

‏{ ‏وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً *
إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ‏}‏
‏[‏الإنسان‏:‏ 26- 27‏]‏‏.‏

وقال الوليد بن مسلم‏:‏
ما رأيت أحداً أشد اجتهاداً من الأوزاعي في العبادة‏.‏

وقال غيره‏:
‏ حج فما نام على الراحلة، إنما هو في صلاة، فإذا نعس استند إلى القتب،
وكان من شدة الخشوع كأنه أعمى‏.‏

وقد كان الأوزاعي في الشام معظماً مكرماً أمره أعز عندهم من أمر
السلطان، وقد همَّ به بعض مرة فقال له أصحابه‏:‏ دعه عنك
والله لو أمر أهل الشام أن يقتلونك لقتلوك‏.‏

ولما مات جلس على قبره بعض الولاة فقال‏:‏
رحمك الله، فوالله لقد كنت أخاف منك أكثر مما أخاف
من الذي ولاني - يعني‏:‏ المنصور -‏.‏

وقال ابن العشرين‏:‏
ما مات الأوزاعي حتى جلس وحده وسمع شتمه بأذنه‏.‏

وقال أبو مسهر‏:‏
بلغنا أن سبب موته أن امرأته أغلقت عليه باب حمام فمات فيه، ولم تكن
عامدة ذلك، فأمرها سعيد بن عبد العزيز بعتق رقبه‏.‏

قال‏:‏ وما خلف ذهباً ولا فضةً ولا عقاراً، ولا متاعاً إلا ستة وثمانين،
فضلت من عطائه‏.‏

وكان قد اكتتب في ديوان الساحل‏.‏ وقال غيره‏:‏ كان الذي أغلق عليه باب
الحمام صاحب الحمام، أغلقه وذهب لحاجة له ثم جاء ففتح الحمام فوجده
ميتاً قد وضع يده اليمنى تحت خده وهو مستقبل القبلة رحمه الله‏.‏

قلت‏:‏ لا خلاف أنه مات ببيروت مرابطاً، واختلفوا في سنة وفاته، فروى
يعقوب بن سفيان، عن سلمة، قال‏:‏ قال أحمد‏:‏ رأيت الأوزاعي
وتوفي سنة خمسين ومائة‏.‏

قال العباس بن الوليد البيروتي‏:‏ توفي يوم الأحد أول النهار لليلتين بقيتا
من صفر سنة سبع وخمسين ومائة، وهو الذي عليه الجمهور وهو
الصحيح، وهو قول‏:‏ أبي مسهر، وهشام بن عمار، والوليد بن مسلم - في
أصح الروايات عنه -، ويحيى بن معين، ودحيم، وخليفة بن خياط،
وأبي عبيد، وسعيد بن عبد العزيز، وغير واحد‏.‏

قال العباس بن الوليد‏:‏ ولم يبلغ سبعين سنة، وقال غيره‏:‏ جاوز السبعين،
والصحيح سبع وستون سنة، لأن ميلاده في سنة ثمان وثمانون
على الصحيح‏.‏

وقيل‏:‏ أنه ولد سنة ثلاث وسبعين، وهذا ضعيف‏.‏

وقد رآه بعضهم في المنام، فقال له‏:‏ دلني على عمل يقربني إلى الله‏.‏
فقال‏:‏ ما رأيت في الجنة درجة أعلى من درجة العلماء العاملين،
ثم المحزونين‏.‏