المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة أربع ومائتين


حور العين
07-05-2015, 06:11 PM
الأخ / مصطفى آل حمد
ثم دخلت سنة أربع ومائتين هـ
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

فيها‏:‏

كان قدوم المأمون أرض العراق، وذلك أنه مرَّ بجرجان فأقام بها شهراً،

ثم سار منها وكان ينزل في المنزل يوماً أو يومين، ثم جاء إلى النهروان

فأقام بها ثمانية أيام، وقد كتب إلى طاهر بن الحسين وهو بالرقة أن

يوافيه إلى النهروان فوافاه بها وتلقاه رؤوس أهل بيته والقواد

وجمهور الجيش‏.‏

فلما كان يوم السبت الآخر دخل بغداد حين ارتفع النهار لأربع عشرة ليلة

خلت من صفر، في أبهة عظيمة وجيش عظيم، وعليه وعلى جميع

أصحابه وفتيانه الخضرة، فلبس أهل بغداد وجميع بني هاشم الخضرة،

ونزل المأمون بالرصافة ثم تحول إلى قصر على دجلة، وجعل الأمراء

ووجوه الدولة يترددون إلى منزله على العادة، وقد تحول لباس البغاددة

إلى الخضرة، وجعلوا يحرقون كل ما يجدونه من السواد، فمكثوا

كذلك ثمانية أيام‏.‏

ثم استعرض حوائج طاهر بن الحسين فكان أول حاجة سألها أن يرجع

إلى لباس السواد، فإنه لباس آبائه من دولة ورثة الأنبياء‏.‏

فلما كان السبت الآخر وهو الثامن والعشرين من صفر جلس المأمون

للناس وعليه الخضرة، ثم إنه أمر بخلعة سوداء فألبسها طاهراً، ثم ألبس

بعده جماعة من الأمراء السواد، فلبس الناس السواد وعادوا إلى ذلك،

فعلم منهم بذلك الطاعة والموافقة‏.‏

وقيل‏:‏ إنه مكث يلبس الخضرة بعد قدومه بغداد سبعاً

وعشرين يوماً، فالله أعلم‏.‏

ولما جاء إليه عمه إبراهيم بن المهدي بعد اختفائه ست سنين وشهوراً

قال له المأمون‏:‏ أنت الخليفة الأسود‏.‏فأخذ في الاعتذار والاستغفار‏.‏

ثم قال‏:‏ أنا الذي مننت عليه يا أمير المؤمنين بالعفو،

وأنشد المأمون عند ذلك‏:‏

ليس يزري السواد بالرجل الشهم * ولا بالفتى الأديب الأريب

إن يكن للسواد منك نصيب * فبياض الأخلاق منك نصيبي

قال ابن خلكان‏:‏ وقد نظم هذا المعنى بعض المتأخرين وهو نصر الله

بن قلانس الإسكندري فقال‏:‏

رب سوداء وهي بيضاء فعل * حسد المسك عندها الكافور

مثل حبِّ العيون يحسبه الناس * سواداً وإنما هو نور

وكان المأمون قد شاور في قتل عمه إبراهيم بن المهدي بعض أصحابه

فقال له أحمد بن خالد الوزير الأحول‏:‏ يا أمير المؤمنين ‏!‏ إن قتلته فلك

نظراء في ذلك، وإن عفوت عنه فما لك نظير‏.‏

ثم شرع المأمون في بناء قصور على دجلة إلى جانب قصره، وسكنت

الفتن وانزاحت الشرور، وأمر بمقاسمة أهل السواد على الخمسين،

وكانوا يقاسمون على النصف‏.‏

واتخذ القفيز الملحم وهو‏:‏ عشرة مكاكي بالمكوك الأهوازي، ووضع شيئاً

كثيراً من خراجات بلاد شتى، ورفق بالناس في مواضع كثيرة‏.‏

وولى أخاه أبا عيسى بن الرشيد الكوفة، وولى أخاه صالحاً البصرة، وولى

عبيد الله بن الحسين بن عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب نيابة

الحرمين، وهو الذي حج بالناس فيها‏.‏

وواقع يحيى بن معاذ بابك الخرَّمي فلم يظفر به‏.‏

وفيها توفي من الأعيان جماعة منهم‏:‏

أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي

وقد أفردنا له ترجمة مطولة في أول كتابنا طبقات الشافعيين، ولنذكر

ههنا ملخصاً من ذلك وبالله المستعان‏.‏

هو‏:‏ محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد

بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي،

القرشي المطلبي‏.‏

والسائب بن عبيد أسلم يوم بدر، وابنه شافع بن السائب من صغار

الصحابة، وأمه أزدية‏.‏

وقد رأت حين حملت به كأن المشتري خرج من فرجها حتى انقض

بمصر، ثم وقع في كل بلد منه شظية‏.‏

وقد ولد الشافعي بغزة، وقيل‏:‏ بعسقلان، وقيل‏:‏ باليمن،

سنة خمسين ومائة‏.‏

ومات أبوه وهو صغير فحملته أمه إلى مكة وهو ابن سنتين لئلا يضيع

نسبه فنشأ بها وقرأ القرآن وهو ابن سبع سنين، وحفظ الموطأ

وهو ابن عشر، وأفتى وهو ابن خمس عشرة سنة‏.‏

وقيل‏:‏ ابن ثماني عشرة سنة‏.‏

أذن له شيخه مسلم بن خالد الزنجي، وعني باللغة والشعر، وأقام في

هذيل نحواً من عشر سنين، وقيل‏:‏ عشرين سنة، فتعلم منهم لغات العرب

وفصاحتها، وسمع الحديث الكثير على جماعة من المشايخ والأئمة، وقرأ

بنفسه الموطأ على مالك من حفظه فأعجبته قراءته وهمته، وأخذ عنه

علم الحجازيين بعد أخذه عن مسلم بن خالد الزنجي‏.‏

وروى عنه خلق كثير قد ذكرنا أسماءهم مرتبين على حروف المعجم‏.‏

وقرأ القرآن على إسماعيل بن قسطنطين، عن شبل، عن ابن كثير، عن

مجاهد، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن رسول الله

صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، عن الله عز وجل‏.‏

وأخذ الشافعي الفقه عن مسلم بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن

ابن عباس وابن الزبير وغيرهما، عن جماعة من الصحابة، منهم‏:‏

عمرو بن علي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وغيرهم‏.‏

وكلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وتفقه أيضاً على مالك عن مشايخه، وتفقه به جماعة قد ذكرناهم ومن

بعدهم إلى زماننا في تصنيف مفرد‏.‏

وقد روى ابن أبي حاتم، عن أبي بشر الدولابي، عن محمد بن إدريس

وراق الحميدي، عن الشافعي‏:‏ أنه ولي الحكم بنجران من أرض اليمن، ثم

تعصبوا عليه ووشوا به إلى الرشيد أنه يروم الخلافة، فحمل على بغل في

قيد إلى بغداد فدخلها في سنة أربع وثمانين ومائة وعمره ثلاثون سنة‏.‏

فاجتمع بالرشيد فتناظر هو ومحمد بن الحسن بين يدي الرشيد، وأحسن

القول فيه محمد بن الحسن، وتبين للرشيد براءته مما نسب إليه، وأنزله

محمد بن الحسن عنده‏.‏

وكان أبو يوسف قد مات قبل ذلك بسنة، وقيل‏:‏ بسنتين، وأكرمه محمد بن

الحسن وكتب عنه الشافعي وقر بعير، ثم أطلق له الرشيد ألفي دينار،

وقيل‏:‏ خمسة آلاف دينار‏.‏

وعاد الشافعي إلى مكة ففرق عامة ما حصل له في أهله وذوي رحمه من

بني عمه، ثم عاد الشافعي إلى العراق في سنة خمس وتسعين ومائة،

فاجتمع به جماعة من العلماء هذه المرة منهم‏:‏ أحمد بن حنبل، وأبو ثور،

والحسين بن علي الكرابيسي، والحارث بن شريح البقال، وأبو

عبد الرحمن الشافعي، والزعفراني، وغيرهم‏.‏

ثم رجع إلى مكة ثم رجع إلى بغداد سنة ثمان وتسعين ومائة، ثم انتقل

منها إلى مصر فأقام بها إلى أن مات في هذه السنة، سنة أربع ومائتين‏.‏

وصنف بها كتابه الأم وهو من كتبه الجديدة لأنها من رواية

الربيع بن سليمان، وهو مصري‏.‏