المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً


حور العين
07-28-2015, 07:57 PM
الأخت الزميلة / جِنان الورد
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،
وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال تعالى :

{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ

فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }

[النحل/112]
وهذه القرية هي :

مكة المشرفة التي كانت آمنة مطمئنة لا يهاج فيها أحد، وتحترمها

الجاهلية الجهلاء حتى إن أحدهم يجد فيها قاتل أبيه وأخيه فلا يهيجه مع

شدة الحمية فيهم والنعرة العربية فحصل لها في مكة من الأمن التام ما

لم يحصل في سواها، وكذلك الرزق الواسع كانت بلدة ليس فيها زرع

ولا شجر لكن يسر الله لها الرزق يأتيها من كل مكان فجاءهم رسول منهم

يعرفون أمانته وصدقه يدعوهم إلى أكمل الأمور، وينهاهم عن الأمور

السيئة فكذبوه وكفروا بنعمة الله عليهم فأذاقهم الله ضد ما كانوا فيه،

وألبسهم لباس الجوع الذي هو ضد الرغد، والخوف الذي هو ضد الأمن،

وذلك بسبب صنيعهم وكفرهم وعدم شكرهم .

" تفسير السعدي " (ص451)
قال تعالى :
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ }

[إبراهيم/35] .

المراد بالبلد هنا :

مكة دعا، إبراهيم ربه أن يجعله آمنا، أي : ذا أمن، وقدم طلب الأمن على

سائر المطالب المذكورة بعده؛ لأنه إذا انتفى الأمن لم يفرغ الإنسان

لشيء آخر من أمور الدين والدنيا .

" فتح القدير " (3/112)

وطلب إبراهيم عليه السلام من ربه تعالى نعمة الأمان، وهو قوله

{ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا }
والابتداء بطلب نعمة الأمن في هذا الدعاء يدل على أنه أعظم أنواع النعم

والخيرات
، وأنه لا يتم شيء من مصالح الدين والدنيا إلا به، وسئل بعض

العلماء : الأمن أفضل أم الصحة ؟، فقال : " الأمن أفضل "، والدليل عليه

: أن شاة لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان، ثم إنها تُقبل على

الرعي والأكل، ولو أنها ربطت في موضع وربط بالقرب منها ذئب فإنها

تمسك عن العلف ولا تتناوله إلى أن تموت، وذلك يدل على أن الضرر

الحاصل من الخوف أشد من الضرر الحاصل من ألم الجسد .

" التفسير الكبير " (19/107)

وكانت العرب يغير بعضها على بعض ويسبي بعضها بعضا فأمنت قريش

من ذلك لمكان الحرم، فانتظمت رحلتهم في الشتاء لليمن وفي الصيف

للشام لأجل التجارة والمكاسب، وأهلك الله تعالى من أرادهم بسوء، وعظم

أمر الحرم وأهله في قلوب العرب حتى احترموهم ولم يعترضوا لهم في

أي سفر أرادوا، ولهذا أمرهم الله بالشكر فقال تعالى في حقهم :

{ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)

فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3)

الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ }

ومعنى الكلام :

اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة رب هذا

البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، فليعبدوا رب هذا البيت

الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف .

" تفسير الطبري " (30/306)

فرغد الرزق والأمن من الخوف من أكبر النعم الدنيوية

الموجبة لشكر الله تعالى .

" تفسير السعدي " (ص935)

وفي الجمع بين إطعامهم من جوع وآمنهم من خوف نعمة عظمى؛ لأن

الإنسان لا ينعم ولا يسعد إلا بتحصيل النعمتين هاتين معًا؛ إذ لا عيش مع

الجوع، ولا أمن مع الخوف، وتكمل النعمة باجتماعهما .

تتمة " أضواء البيان " (9/112)

وقد استجاب الله تبارك وتعالى له، فقال تعالى

{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا }

[العنكبوت/67] الآية .

وحين قال :

{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ

مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ }

[البقرة/126]

قيده بقوله

{ مَنْ ءامَنَ بِاللَّهِ }

فقال الله : لا حاجة إلى هذا التقيد بل قَالَ تعالى :

{ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }

فكأنه تعالى قال : أما نعمة الأمان فهي دينية فلا تحصل إلا لمن كان تقياً،

وأما نعمة الدنيا فهي تصل إلى البر والفاجر والصالح والطالح . "

التفسير الكبير " (32/103)

نعمة الأمن أيها الأخوة الكرام التي نزعها الله منا، فلا صغير آمن

ولا شاب آمن، سرقاتٌ، قتلٌ، اغتصابٌ، قطعُ طرق، نزع الله منا هذا

الأمن لما فرطنا في ديننا . وهي نعمة الأمن التي هي من أعظم النعم

ولا يُتذوَّق طعمُ النعم الأخرى إلا بها .

" تفسير التحرير والتنوير " (19/175)

ولذا جاء الحديث كما في " سنن الترمذي "

وغيره بإسناد حسن عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ

عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا )

قَوْلُهُ " مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ " أَيْ : أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ " آمِنًا " أَيْ : غَيْرَ خَائِفٍ

مِنْ عَدُوٍّ " فِي سِرْبِهِ " أَيْ : فِي نَفْسِهِ، وَقِيلَ : السِّرْبُ الْجَمَاعَةُ، فَالْمَعْنَى

: فِي أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ : الْمُبَالَغَةَ فِي حُصُولِ الْأَمْنِ

وَلَوْ فِي بَيْتٍ تَحْتَ الْأَرْضِ ضَيِّقٍ كَجُحْرِ الْوَحْشِ أَوْ التَّشْبِيهِ بِهِ فِي خَفَائِهِ

وَعَدَمِ ضَيَاعِهِ " مُعَافًى " أَيْ : صَحِيحًا سَالِمًا مِنْ الْعِلَلِ وَالْأَسْقَامِ "

فِي جَسَدِهِ " أَيْ : بَدَنِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا " عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ " أَيْ : كِفَايَةُ

قُوتِهِ مِنْ وَجْهِ الْحَلَالِ " فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ " مِنْ الْحِيَازَةِ، وَهِيَ : الْجَمْعُ وَالضَّمُّ

" لَهُ " أَيْ : جُمِعَتْ لَهُ " الدُّنْيَا "، وَالْمَعْنَى : فَكَأَنَّمَا أُعْطِيَ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا

.وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.