المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ومن يتق الله يجعل له مخرجا


vip_vip
01-02-2011, 10:57 AM
ومن يتق الله يجعل له مخرجا

بسم الله الرحمن الرحيم
من علامات الصدق الخوف من الله والزهد في الحياة ،
فالصادق في يقينه يخاف أن يأكل من حرام،
ويتحمل الفقر والمشقة طمعا في دار السلام (http://www.ataaalkhayer.com/) ، وإن أتى ذنبا فإنه لا ينام ،
حتى يعود إلى ربه ، ويتبرأ من ذنبه .
قا ل ابن جرير الطبرى : (http://www.ataaalkhayer.com/)
كنت في مكة في موسم الحج فرأيت رجلا من خرسان ينادي ويقول :
يا معشر الحجاج ، يا أهل مكة من الحاضر والبادي ،
فقدت كيسا فيه ألف دينار ، فمن رده إلى جزاه الله خيرا وأعتقه من النار ،
وله الأجر والثواب يوم الحساب .
فقام إليه شيخ كبير من أهل مكة فقال له : (http://www.ataaalkhayer.com/)
يا خرساني بلدنا حالتها شديدة ، وأيام الحج معدودة ، ومواسمه محدودة ،
وأبواب الكسب مسدودة ، فلعل هذا المال يقع في يد مؤمن فقير وشيخ كبير ،
يطمع في عهد عليك ، لو رد المال إليك ، تمنحه شيئا شيئا يسيرا ، ومالا حلالا .
قال الخرساني : فما مقدار حلوانه ؟ كم يريد ؟
قال الشيخ الكبير : يريد العشر مائة دينار عشر الألف .
فلم يرض الخرسانى وقال : لا أفعل ولكنى أفوض أمره إلى الله ،
وأشكوه إليه يوم نلقاه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
قال ابن جرير الطبرى: فوقع في نفسي أن الشيخ الكبير رجل فقير ،
وقد وجد كيس الدنانير ويطمع في جزء يسير ،
فتبعته حتى عاد إلى منزله ، فكان كما ظننت ،
سمعته ينادى على امرأته ويقول : يا لبابة .
فقالت له : لبيك أبا غياث .
قال : وجدت صاحب الدنانير ينادي عليه ، ولا يريد أن يجعل لواجده شيئا ،
فقلت له : أعطنا منه مائة دينار ، فأبى وفوض أمره إلى الله ،
ماذا أفعل يا لبابة ؟
لا بد لى من رده ، إنى أخاف ربى ، أخاف أن يضاعف ذنبي .
فقالت له زوجته : يا رجل نحن نقاسي الفقر معك منذ خمسين سنة ،
ولك أربع بنات وأختان وأنا وأمي ، وأنت تاسعنا ، لا شاة لنا ولا مرعى ،
خذ المال كله ، أشبعنا منه فإننا جوعي , واكسنا به فأنت بحالنا أوعى ،
ولعل الله عز وجل يغنيك بعد ذلك ، فتعطيه المال بعد إطعامك لعيالك ،
أو يقضي الله دينك يوم يكون الملك للمالك .
فقال لها يا لبابة : أآكل حراما بعد ست وثمانين عاما بلغها عمري ،
وأحرق أحشائي بالنار بعد أن صبرت على فقرى ،
وأستوجب غضب الجبار، وأنا قريب من قبرى ، لا والله لا أفعل .
قال ابن جرير الطبري : فانصرفت وأنا في عجب من أمره هو وزوجته ،
فلما أصبحنا في ساعة من ساعات من النهار، سمعت صاحب الدنانير ينادى ...
يقول : يا أهل مكة ، يا معاشر الحجاج ، يا وفد الله من الحاضر والبادي ،
من وجد كيسا فيه ألف دينار، فليرده إلى وله الأجر والثواب عند الله .
فقام إليه الشيخ الكبير ، وقال : يا خرساني قد قلت لك بالأمس ونصحتك ،
وبلدنا والله قليلة الزرع والضرع ،
فجد على من وجد المال بشئ حتى لا يخالف الشرع ،
وقد قلت لك أن تدفع لمن وجده مائة دينار فأبيت ،
فإن وقع مالك في يد رجل يخاف الله عز وجل ،
فهلا أعطيتهم عشرة دنانير فقط بدلا من مائة ،
يكون لهم فها ستر وصيانة ، وكفاف وأمانة .
فقال له الخرساني : لا أفعل ، وأحتسب مالي عند الله ،
وأشكوه إليه يوم نلقاه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
قال ابن جرير الطبري : ثم افترق الناس وذهبوا ،
فلما أصبحنا في ساعة من ساعات من النهار ،
سمعت صاحب الدنانير ينادي ذلك النداء بعينه ويقول :
يا معاشر الحجاج ، يا وفد الله من الحاضر والبادي ،
من وجد كيسا فيه ألف دينار فرده على له الأجر والثواب عند الله .
فقام إليه الشيخ الكبير فقال له : يا خرساني ،
قلت لك أول أمس امنح من وجده مائة دينار فأبيت ،
ثم عشرة فأبيت ، فهلا منحت من وجده دينارا واحدا ،
يشتري بنصفه إربة يطلبها ، وبالنصف الأخر شاة يحلبها ،
فيسقى الناس ويكتسب ، ويطعم أولاده ويحتسب .
قال الخرسانى : لا أفعل ولكن أحيله على الله وأشكوه لربه يوم نلقاه ،
وحسبنا الله ونعم الوكيل .
فجذبه الشيخ الكبير ، وقال له : تعال يا هذا وخذ دنانيرك ودعني أنام الليل ،
فلم يهنأ لي بال منذ أن وجدت هذا المال .
يقول ابن جرير : فذهب مع صاحب الدنانير ، وتبعتهما ،
حتى دخل الشيخ منزله ، فنبش الأرض وأخرج الدنانير وقال : خذ مالك ،
وأسأل الله أن يعفوي عنى ، ويرزقني من فضله .
فأخذها الخرسانى وأراد الخروج ، فلما بلغ باب الدار ،
قال : يا شيخ مات أبي رحمه الله وترك لى ثلاثة آلاف دينار ،
وقال لي : أخرج ثلثها ففرقه على أحق الناس عندك ،
فربطتها في هذا الكيس حتى أنفقه على من يستحق ،
والله ما رأيت منذ خرجت من خرسان إلى ههنا رجلا أولى بها منك ،
فخذه بارك الله لك فيه ، وجزاك خيرا على أمانتك ،
وصبرك على فقرك ، ثم ذهب وترك المال .
فقام الشيخ الكبير يبكى ويدعو الله ويقول :
رحم الله صاحب المال في قبره ، وبارك الله في ولده .
قال ابن جرير : فوليت خلف الخراساني فلحقني أبو غياث وردني ،
فقال لي إجلس فقد رأيتك تتبعني في أول يوم وعرفت خبرنا بالأمس واليوم ،
سمعت أحمد بن يونس اليربوعي يقول : سمعت مالكا يقول :
سمعت نافعا يقول : عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
لعمر وعلي رضي الله عنهما ،
إذا أتاكما الله بهدية بلا مسألة ولا استشراف نفس ، فاقبلاها ولا ترداها ،
فترداها على الله عز وجل ، وهذه هدية من الله والهدية لمن حضر .
ثم قال : يا لبابة ، يا فلانة ، يا فلانة ، وصاح ببناته والأختين وزوجته وأمها ،
وقعد وأقعدني ، فصرنا عشرة ، فحل الكيس وقال : أبسطوا حجوركم فبسطت حجري ،
وما كان لهن قميص له حجر يبسطونه ، فمدوا أيديهم ،
وأقبل يعد دينارا دينارا ، حتى إذا بلغ العاشر إلي ،
قال : ولك دينار ، حتى فرغ من الكيس ،
وكان فيه ألف دينار ، فأعطانى مائة دينار .
يقول ابن جرير الطبرى :
فدخل قلبي من سرور غناهم أشد من فرحى بالمائة دينار ،
فلما أردت الخروج قال لي : يا فتى إنك لمبارك ،
وما رأيت هذا المال قط ولا أملته ، وإني لأنصحك أنه حلال فاحتفظ به ،
واعلم أني كنت أقوم فأصلي الفجر في هذا القميص البالى ،
ثم أخلعه حتى تصلى بناتي واحدة واحدة ،
ثم أخرج للعمل إلى ما بين الظهر والعصر ،
ثم أعود في آخر النهار بما فتح الله عز وجل على من تمر وكسيرات خبز ،
ثم أخلع ثيابى لبناتى فيصلين فيه الظهر والعصر ،
وهكذا فى المغرب والعشاء الآخرة ، وما كنا نتصور أن نرى هذه الدنانير ،
فنفعهن الله بما أخذن ، ونفعني وإياك بما أخذنا ،
ورحم صاحب المال في قبره ، وأضعف الثواب لولد ، وشكر الله له .
قال ابن جرير : فودعته ، وأخذت مائة دينار ، كتبت العلم بها سنتين ،
أتقوت بها وأشتري منها الورق وأسافر وأعطي الأجرة ،
وبعد ستة عشر عاما ذهبت إلى مكة ، وسألت عن الشيخ ،
فقيل إنه مات بعد ذلك بشهور ، وماتت زوجته وأمها والأختان ،
ولم يبق إلا البنات ، فسألت عنهن فوجدتهن قد تزوجن بملوك وأمراء ،
وذلك لما انتشر خبر صلاح والدهن فى الآفاق ،
فكنت أنزل على أزواجهن ، فيأنسون بي ويكرموني حتى توفاهن الله ،
فبارك الله لهم فيما صاروا إليه .
يقول تعالى :
ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ
[الطلاق: 2/3]