المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بعنوان : التوفيقَ للأعمال الصالحة


حور العين
10-03-2015, 03:55 PM
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خُطَبّتي الجمعة من المسجد النبوى
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين
ألقى فضيلة الشيخ الدكتور التوفيقَ للأعمال الصالحة - يحفظه الله
خطبتى الجمعة من المسجد النبوى بالمدينة المنورة بعنوان :
التوفيقَ للأعمال الصالحة
والتي تحدَّث فيها عن أن المُسلمُ حياتُه كلُّها يجبُ أن تكون موسِمًا للطاعات،

وأثنى على الأعمال التي قدمت لضيوف بيت الله،

ثم وجَّه نصائحَه للشباب المُغرَّر بهم للإيقاع بهم في شرَك التكفير والتفجير

وقتل الأنفُس المعصُومة.
الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأرض والسماوات،

وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه أفضلُ المخلوقات،

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه، وعلى آله وأصحابِه أهل الطاعات والقُرُبات.
فيا أيها المسلمون :

اتقوا الله حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى،

واعلَموا أن الفوزَ والسعادةَ والنجاةَ في طاعة المولَى.

معاشر المسلمين :
نحمدُ الله - جل وعلا - بما منَّ علينا من مواسِم الخيرات،

ووفَّق فيها الصالحين لإعمارها بالطاعات.

حُجَّاج بيت الله:

هنيئًا لكم على نعمة إتمام النُّسُك .. تقبَّل الله منكم وحفِظَكم،

ورعاكم وردَّكم إلى أهلِكم سالِمين غانِمين،

وها أنتم في مدينةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.

فحيَّاكم الله طِبتُم مقامًا، وسعِدتُم ليلاً ونهارًا.

عباد الله :
إن التوفيقَ للأعمال الصالحة نعمةٌ كُبرى تستوجِبُ مزيدَ الشكر للمولَى - جل وعلا -،

شُكرًا يفرِضُ على العبد المُداومةَ على التقوى، والمُصابَرَة على طاعة المولَى،

والاستِباقَ إلى الخير والهُدى، والثباتَ على توحيد الله - جل وعلا -،

والمُتابعَةَ لسُنَّة المُصطفى - عليه أفضلُ الصلاة وأتمُّ التسليم -.

قيل للحسن البصري: ما الحجُّ المبرور؟

قال: أن تعود زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة

وذكر ابن رجبٍ - رحمه الله -:

[ أن رجلاً بعد أن حجَّ دعَته نفسُه إلى معصية الله،

فسمِع هاتفًا يقول له: يا هذا! ألم تحُجّ؟! ]

إن العباد واجبُهم الاستقامةُ على الطريق المُستقيم،

والعملُ بطاعة الخالق العظيم في كل وقتٍ وحين،

الله - جل وعلا - يقول لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم -:

{ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا }

[ هود: 112 ]

ويقول له - جلَّ شأنُه - وهو خطابٌ لأمته -:

{ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ }

[ فصلت: 6 ].

المُسلمُ حياتُه كلُّها يجبُ أن تكون موسِمًا للطاعات،

والمُسارعة إلى نَيل رضا ربِّ الأرض والسماوات،

كما قال الله - جل وعلا - لنبيِّه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -:

{ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)

لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }

[ الأنعام: 162، 163 ].

ويقول - صلى الله عليه وسلم - في وصيَّته :

( قُل: آمنتُ بالله، ثم استقِم )

إخوة الإسلام :

أعظمُ مقاصِد الحجِّ: تربيةُ النفوس على الغاية العُظمى، وتثبيتُها في القلوب، ألا وهي:

تحقيقُ توحيد الله - جل وعلا -؛ ليكون المُسلمُ مُوحِّدًا لله - عزَّ شأنُه -،

مُوحِّدًا ظاهرًا وباطنًا، قولاً وعملاً وسلوكًا، مُوحِّدًا لله - سبحانه -،

لا ينكسِرُ ولا يخضعُ إلا لله - سبحانه -، ولا يذلُّ ولا يخنَع إلا له - عزَّ شأنُه -.

الحجُّ مدرسةٌ تعمُرُ القلوبَ والجوارِح بإفراد الله - سبحانه وتعالى -،

إفرادُه بالعبادة خشيةً وإجلالاً، مهابةً ودعاءً، محبَّةً ورجاءً، توكُّلاً واعتمادًا،

إنابةً وتسليمًا، توحيدًا نقيًّا تخرجُ به النفوسُ من الخُرافات والأوهام.

الحجُّ أعظمُ الدروس المُربِّية لتعظيم الخالق - سبحانه -،

وتحقيق كمال الذلّ له - عزَ شأنُه -، وتحقيق غاية المحبَّة له - سبحانه -؛

ليسلمَ العبدُ من أصول الشرك ووسائله، وأسبابه وذرائِعه،

ولهذا ذكرَ الله - جل وعلا - في ثنايا آيات الحجِّ:

{ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ

فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }

[ الحج: 31 ].
المُوحِّدُ المُؤمنُ لا يطلُبُ المددَ والغوثَ عند الشدائِد إلا من الله - جل وعلا -،

لا يلجأُ عند المضائِق إلا لله القادِر، ليقينِه بأنه لا يدفعُ الضررَ

ويجلِبُ النفعَ إلا ربُّه - عز وجل -،

{ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ

وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ }

[ النمل: 62 ].
إن من الشركِ العظيم المُنافي لتوحيد الله - جل وعلا -: دعاءُ غير الله؛

كالاستغاثة بالأموات، والتعلُّق بالأولياء والصالحين ودعائهم، والنذر لهم،

أو التعبُّد لهم بالطواف على قبورهم، أو اعتقاد أنهم يعلَمون الغيبَ،

أو أنهم يكشفون ضرًّا أو يجلِبُون دفعًا من دون الله - جل وعلا -،

مما لا يملِكُه إلا الخالقُ القادر.

ومن ذلك أيضًا: التصديقُ بالسحر والسحرة والمُشعوِذين،

والاعتقادُ في الكُهَّان والمُنجِّمين.

الله - جل وعلا - يُريد منَّا أن نعتقِد قولَه:

{ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ

وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

[ الأنعام: 17 ]

فلا نتوجَّه ولا ندعُو إلا ربَّنا - سبحانه وتعالى -.

يقول - صلى الله عليه وسلم -:

( من مات وهو يدعُو لله نِدًّا دخل النار )

رواه البخاري.
معاشر المسلمين :
لقد آلَمَ كلَّ مُسلم حادثُ التدافُع في مِنى، ولكن الحمدُ لله على قضائِه وقدَره،

وغفرَ الله - جل وعلا - لمن ماتَ، وجعلَهم في عِداد الشهداء،

وبحكمة الله قدَّر لهم حُسن الخاتمة؛ فمن مات على شيءٍ بُعث عليه.

فأحسنَ الله عزاءَ أهليهم وذوِيهم، وعوَّضهم خيرًا، وأحسنَ لهم المثوبةَ والأجرَ،

وعجَّل الله بمنِّه وكرمِه شفاءَ المُصابين.

وإن خادم الحرمين الشريفين - جزاه الله خيرًا - أولَى هذا الأمرَ وغيرَه جُلَّ اهتمامه،

وأمرَ بالتحقيق العادل لمعرفة إن كان هناك سبب ليُحاسَب مُقصِّر،

ويُعاقَب مُتسبِّب، إن كان ثمَّة مُتسبِّب.

إخوة الإسلام :

ولكن هذا الحدَث لن يُعكِّر الجهودَ العظيمة والأعمال الكبيرة،

والخدمات الجبَّارة التي تبذُلُها حكومةُ خادم الحرمين الشريفين،

في خدمة الحُجَّاج والمُعتمِرين، والسعي لتقديم كل غالٍ ورخيصٍ

في مشروعات إعمار الحرمين الشريفين والمشاعِر المُقدَّسة،

والتي لا يُعرفُ لها مثيلٌ. وهذا واجبٌ من واجبات الحكومة

لا منَّة في ذلك إلا لله - جل وعلا -، ولكن من لا يشكُر الناسَ لا يشكُر الله.

وخادمُ الحرمين ونائباه يُشرِفون بأشخاصهم على كل الجهود التي لا تقِفُ عند حدٍّ

في كل سنةٍ عن مُراجعة الخِطط، وبذل المزيد فيما يخدمُ مصالِح الحجِّ؛

بل يعتبِرون من أعظم الواجِبات عليهم. فجزاهم الله خيرًا.

الدولةُ السعودية منذ نشأتها على يد الإمامين محمد بن سعود

والإمام محمد بن عبد الوهاب، وهي قائمةٌ على التوحيد،

وعلى تطبيق الإسلام وخدمة قضاياه، وقد توالَت هذه الحكومة إلى وقتِنا هذا،

وعلى رأسِها خادمُ الحرمين الشريفين، تُديرُ الحجَّ ومواسِمَ العُمرة طيلَة العام،

بكل اقتِدارٍ وافتِخارٍ، يشهدُ بذلك الواقعُ الملمُوس الذي لا يُنكِرُه إلا مطمُوسُ البصيرة،

من حاقدٍ أو حاسدٍ على تلك النعمة التي أولاها الله - جل وعلا - لوُلاتها،

والله يختارُ من يشاء.

نعم، الكمالُ لله وحده، ولكن من يُشكِّك أو يقدَح في حرصِ هذه الحكومة

على سلامة الحُجَّاج وراحتهم، وبذل الغالي والنفيس في سبيل تطوير المشاعِر المُقدَّسة،

وتسخير كل الإمكانات المُتاحة، من بشريةٍ وماليةٍ وأمنيةٍ وتقنيةٍ وطبيةٍ،

وكل ذلك يعرِفُه العدوُّ المُنصِف قبل المُحبِّ العادل.

من يُشكِّك في ذلك فهو مُكابِر سُفسطائيٌّ يُنكِرُ ضوءَ الشمس في رابِعة النهار،

وليس هذا شأنُ المُسلم؛ فالمُسلم شكورٌ حميد.

نقولُ بلسان كل مُسلم: جزاك الله خيرًا يا خادم الحرمين الشريفين،

وجزى الله وليَّ عهدك، ووليَّ وليَّ عهده، وشكرَ الله لكم، وسِيروا على بركة الله،

وبنعمةٍ من الله أن وفَّقكم لهذه الأمانة العظيمة، وأجزلَ الله مثوبتَكم،

وباركَ في جهودكم. ولن يجِد الشانِئُ إلا حسرةً وخسارة.

هذه نعمةٌ عليكم - يا قادة هذه البلاد -، نعمةٌ كُبرى باختيار الله هذه الدولة

للقيام على الحرمين، ثم قيامُها على تطبيق الإسلام وتوحيد الله - جل وعلا -،

وتطبيق شريعة الله وإتمام سُنَّة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.

ومن هنا، فالشكرُ موصولٌ لأمير الحجِّ أمير منطقة مكة المُكرَّمة

على جهوده المُتتابعة، التي شهِدَها الناسُ في الإعلام،

أحسن الله له الجزاءَ، ووفَّقه للمزيد والعطاء.