المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة سبع وسبعين ومائتين‏


حور العين
10-07-2015, 10:00 PM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
ثم دخلت سنة سبع وسبعين ومائتين‏ هـ
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله
فيها
خطب يازمان نائب طرسوس لخمارويه، وذلك أنه هاداه بذهب كثير
وتحف هائلة‏.‏

وفيها‏:‏
قدم جماعة من أصحاب خمارويه إلى بغداد‏.‏

وفيها‏:‏
ولي المطالم ببغداد يوسف بن يعقوب، ونودي في الناس‏:‏ من كانت له
مظلمة ولو عند الأمير الناصر لدين الله الموفق، أو عند أحد
من الناس فليحضر‏.‏

وسار في الناس سيرة حسنة، وأظهر صرامة لم ير مثلها‏.‏

وحج بالناس الأمير المتقدم ذكره قبل ذلك‏.‏

وفيها توفي من الأعيان‏:‏
إبراهيم بن صرا إسحاق بن أبي العينين‏.‏

وأبو إسحاق الكوفي قاضي بغداد بعد ابن سماعة، سمع معلى بن عبيد
وغيره، وحدث عنه ابن أبي الدنيا وغيره، توفي عن ثلاث وتسعين سنة،
وكان ثقة فاضلاً ديناً صالحاً‏.‏

أحمد بن عيسى‏.‏

أبو سعيد الخراز أحد مشاهير الصوفية بالعبادة والمجاهدة والورع
والمراقبة، وله تصانيف في ذلك وله كرامات وأحوال وصبر على الشدائد،
وروى عن إبراهيم بن بشار صاحب إبراهيم بن أدهم وغيره،
وعنه على بن محمد المصري وجماعة‏.‏

ومن جيد كلامه‏:‏ إذا بكت أعين الخائفين فقد كاتبوا الله بدموعهم‏.‏

وقال‏:‏ العافية تستر البر والفاجر، فإذا نزل البلاء تبين عنده الرجال‏.‏

وقال‏:‏ كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل‏.‏

وقال‏:‏ الاشتغال بوقت ماض تضييع وقت حاضر‏.‏

وقال‏:‏ ذنوب المقربين حسنات الأبرار‏.‏

وقال‏:‏ الرضا قبل القضاء تفويض، والرضا مع القضاء تسليم‏.‏

وقال ابنه سعيد‏:‏ طلبت من أبي دانق فضة فقال‏:‏ يا بني اصبر فلو أحب
أبوك أن يركب الملوك إلى بابه ما تأبوا عليه‏.‏

وروى ابن عساكر عنه قال‏:‏ أصابني مرة جوع شديد فهممت أن أسأل الله
طعاماً فقلت‏:‏ هذا ينافي التوكل فهممت أن أسأله صبراً فهتف
بي هاتف يقول‏:‏

ويزعم أنه منا قريب * وأنا لا نضيع من أتانا
ويسألنا القرى جهداً وصبراً * كأنا لا نراه ولا يرانا

قال‏:‏ فقمت ومشيت فراسخ بلا زاد‏.‏

وقال‏:‏ المحب يتعلل إلى محبوبه بكل شيء، ولا يتسلى عنه بشيء
يتبع آثاره ولا يدع استخباره، ثم أنشد‏:‏

أسائلكم عنها فهل من مخبر * فمالي بنعمى بعد مكة لي علم
فلو كنت أدري أين خيم أهلها * وأي بلاد الله إذ ظعنوا أموا
إذاً لسلكنا مسلك الريح خلفها * ولو أصبحت نعمى ومن دونها النجم

وكانت وفاته في هذه السنة، وقيل‏:‏ في سنة سبع وأربعين، وقيل‏:
‏ في سنة ست وثمانين والأول أصح‏.‏

وفيها‏:‏
توفي عيسى بن عبد الله بن سنان بن ذكويه بن موسى الطيالسي الحافظ،
تلقب رعاب، سمع عفان أبا نعيم، وعنه أبو بكر الشافعي وغيره،
ووثقه الدارقطني‏.‏

كانت وفاته في شوال منها عن أربع وثمانين سنة‏.‏

وفيها توفي‏:‏
أبو حاتم الرازي‏.‏

محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران أبو حاتم الحنظلي الرازي،
أحد أئمة الحفاظ الأثبات العارفين بعلل الحديث والجرح والتعديل، وهو
قرين أبي زرعة رحمهما الله، سمع الكثير وطاف الأقطار والأمصار،
وروى عن خلق من الكبار، وعنه خلق منهم الربيع بن سليمان،
ويونس بن عبد الأعلى وهما أكبر منه‏.‏

وقدم بغداد وحدث بها، وروى عنه من أهلها إبراهيم الحربي
وابن أبي الدنيا والمحاملي وغيرهم‏.‏

قال لابنه عبد الرحمن‏:‏ يا بني مشيت على قدمي في طلب الحديث أكثر
من ألف فرسخ، وذكر أنه لم يكن له شيء ينفق عليه في بعض الأحيان،
وأنه مكث ثلاثاً لا يأكل شيئاً حتى استقرض من بعض أصحابه نصف
دينار، وقد أثنى عليه غير واحد من العلماء والفقهاء، وكان يتحدى من
حضر عنده من الحفاظ وغيرهم، ويقول‏:‏ من أغرب علي بحديث واحد
صحيح فله علي درهم أتصدق به‏.‏

قال‏:‏ ومرادي أسمع ما ليس عندي، فلم يأت أحد بشيء من ذلك،
وكان في جملة من حضر ذلك أبو زرعة الرازي‏.‏

كانت وفاة ابن أبي حاتم في شعبان من هذه السنة‏.‏

محمد بن الحسن بن موسى بن الحسن أبو جعفر الكوفي الخراز المعروف
بالجندي، له مسند كبير، روى عن عبيد الله بن موسى والقعنبي وأبي نعيم
وغيرهم، وعنه ابن صاعد والمحاملي وابن السماك، كان ثقة صدوقاً‏.‏

محمد بن سعدان أبو جعفر الرازي، سمع من أكثر من خمسمائة شيخ،
ولكن لم يحدث إلا باليسير، توفي في شعبان منها‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ وهم محمد بن سعدان البزار عن القعنبي
وهو غير مشهور‏.‏

ومحمد بن سعدان النحوي مشهور‏.‏

توفي في سنة إحدى ومائتين‏.‏

قال ابن الأثير في كامله‏:‏ وفيها توفي يعقوب بن سفيان
بن حران الإمام الفسوي، وكان يتشيع‏.‏

ويعقوب بن يوسف بن معقل الأموي مولاهم، والد أبي العباس
أحمد بن الأصم‏.‏

وفيها‏:‏
ماتت عريب المغنية المأمونية، قيل‏:‏ إنها ابنة جعفر بن يحيى البرمكي‏.‏

فأما‏:‏

يعقوب بن سفيان بن حران‏.‏

فهو أبو يوسف بن أبي معاوية الفارسي الفسوي، سمع الحديث الكثير،
وروى عن أكثر من ألف شيخ من الثقات، منهم هشام بن عمار، ودحيم،
وأبو المجاهر، وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان، وسعيد بن منصور،
وأبو عاصم، ومكي بن إبراهيم، وسليمان بن حرب، ومحمد بن كثير
وعبيد الله بن موسى والقعنبي‏.‏

روى عنه النسائي في سننه وأبو بكر بن أبي داود والحسن بن سفيان
وابن خراش وابن خزيمة وأبو عوانة الإسفراييني وغيرهم، وصنف كتاب
التاريخ والمعرفة وغيره من الكتب المفيدة، وقد رحل في طلب الحديث
إلى البلدان النائية، وتغرب عن وطنه نحو ثلاثين سنة‏.‏

وقد أثنى عليه أبو زرعة الدمشقي والحاكم أبو عبد الله النيسابوري،
وقال‏:‏ هو إمام أهل الحديث بفارس، وقدم نيسابور وسمع منه مشايخنا،
وقدنسبه بعضهم إلى التشيع‏.‏

وذكر ابن عساكر‏:‏ أن يعقوب بن الليث صاحب فارس بلغه عنه أنه يتكلم
في عثمان بن عفان فأمر بإحضاره فقال له وزيره‏:‏ أيها الأمير إنه لا يتكلم
في شيخنا عثمان بن عفان السجزي، إنما يتكلم في عثمان بن عفان
الصحابي، فقال‏:‏ دعوه ما لي وللصحابي، إني إنما حسبته يتكلم
في شيخنا عثمان بن عفان السجزي‏.‏

قلت‏:‏ وما أظن هذا صحيحاً عن يعقوب بن سفيان فإنه إمام محدث كبير
القدر، وقد كانت وفاته قبل أبي حاتم بشهر في رجب منها بالبصرة
رحمه الله‏.‏

وقد رآه بعضهم في المنام فقال‏:‏ ما فعل بك ربك‏؟‏

فقال‏:‏ غفر لي وأمرني أن أملي الحديث في السماء كما كنت أمليه في
الأرض، فجلست للإملاء في السماء الرابعة، وجلس حولي جماعة من
الملائكة، منهم جبريل يكتبون ما أمليه من الحديث بأقلام الذهب‏.‏

عريب المأمونية‏.‏
فقد ترجمها ابن عساكر في تاريخه، وحكى عن بعضهم أنها ابنة جعفر
البرمكي، سرقت وهي صغيرة عند ذهاب دولة البرامكة، وبيعت فاشتراها
المأمون بن الرشيد، ثم روي عن حماد بن إسحاق عن أبيه أنه قال‏:‏ ما
رأيت قط امرأة أحسن وجهاً منها، ولا أكثر أدباً ولا أحسن غناء وضرباً
وشعراً ولعباً بالشطرنج والنرد منها، وما تشاء أن تجد خصلة ظريفة
بارعة في امرأة إلا وجدتها فيها‏.‏

وقد كانت شاعرة مطيقة بليغة فصيحة، وكان المأمون يتعشقها ثم أحبها
بعده المعتصم، وكانت هي تعشق رجلاً يقال له‏:‏ محمد بن حماد، وربما
أدخلته إليها في دار الخلافة قبحها الله على ما ذكره ابن عساكر عنها، ثم
عشقت صالحاً المنذري وتزوجته سراً، وكانت تقول فيه الشعر، وربما
ذكرته في شعرها بين يدي المتوكل وهو لا يشعر فيمن هو، فتضحك
جواريه من ذلك فيقول‏:‏ يا سحاقات هذا خير من عملكن‏.‏

وقد أورد ابن عساكر شيئاً كثيراً من شعرها، فمن ذلك قولها لما دخلت
على المتوكل تعوده من حمى أصابته فقالت‏:‏

أتوني فقالوا بالخليفة علة * فقلت ونار الشوق توقد في صدري
ألا ليت بي حمى الخليفة جعفر * فكانت بي الحمى وكان له أجري
كفى بي حزن أن قيل حم فلم أمت * من الحزن إني بعد هذا لذو صبري
جعلت فدا للخليفة جعفر * وذاك قليل للخليفة من شكري

ولما عوفي دخلت عليه فغنته من قيلها‏:‏
شكراً لأنعم من عافاك من سقم * دمت المعافا من الآلام والسقم
عادت ببرئك للأيام بهجتها * واهتز نبت رياض الجود والكرم
ما قام للدين بعد اليوم من ملك * أعف منك ولا أرعى إلى الذمم
فعمر الله فينا جعفراً ونفى * بنور وجنته عنا دجى الظلم

ولها في عافيته أيضاً‏:‏
حمدنا الذي عافى الخليفة جعفراً * على رغم أشياخ الضلالة والكفر
وما كان إلا مثل بدر أصابه * كسوف قليل ثم أجلي عن البدر
سلامته للدين عز وقوة * وعلته للدين قاصمة الظهر
مرضت فأمرضت البرية كلها * وأظلمت الأمصار من شدة الذعر
فلما استبان الناس منك إفاقة * أفاقوا وكانوا كالنيان على الجمر
سلامة دنيانا سلامة جعفر * فدام معافاً سالماً آخر الدهر
إمام أعم الناس بالفضل والندا * قريباً من التقوى بعيداً من الوزر

ولها أشعار كثيرة رائعة، ومولدها في سنة إحدى وثمانين ومائة، وماتت
في سنة سبع وسبعين ومائتين بسر من رأى، ولها ست وتسعون سنة‏.