المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة ثمانين ومائتين من الهجرة‏


حور العين
10-15-2015, 04:53 PM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
ثم دخلت سنة ثمانين ومائتين من الهجرة‏ هـ
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

في المحرم منها

قتل المعتضد رجلاً من أمراء الزنج كان قد لجأ إليه بالأمان ويعرف

بسلمة، ذكر له أنه يدعو إلى رجل لا يعرف من هو، وقد أفسد جماعة

فاستدعي به فقرره فلم يقر، وقال‏:‏ لو كان تحت قدمي ما أقررت به، فأمر

به فشد على عمود، ثم لوحه على النار حتى تساقط جلده، ثم أمر بضرب

عنقه وصلبه لسبع خلون من المحرم‏.‏

وفي أول صفر

ركب المعتضد من بغداد قاصداً بني شيبان من أرض الموصل فأوقع

بهم بأساً شديداً عند جبل يقال له‏:‏ نوباذ‏.‏

وكان مع المعتضد حاد جيد الحداء، فقال في تلك الليالي يحدو للمعتضد‏:‏

فأجهشت للنوباذ حين رأيته * وهللت للرحمن حين رآني

وقلت له‏:‏ أين الذين عهدتهم * بظلك في أمن ولين زمامي

فقال‏:‏ مضوا واستخلفوني مكانهم * ومن ذا الذي يبقى على الحدثان

وفيها‏:‏

أمر المعتضد بتسهيل عقبة حلوان فغرم عليها عشرين ألف دينار،

وكان الناس يلقون منها شدة عظيمة‏.‏

وفيها‏:‏

أمر بتوسيع جامع المنصور بإضافة دار المنصور إليه، وغرم عليه

عشرين ألف دينار، وكانت الدار قبلته فبناها مسجداً على حدة، وفتح

بينهما سبعة عشر باباً، وحول المنبر والمحراب إلى المسجد ليكون

في قبلة الجامع على عادته‏.‏

قال الخطيب‏:‏ وزاد بدر مولى المعتضد السقفان من قصر

المنصور المعروفة بالبدرية‏.‏

بناء دار الخلافة من بغداد في هذا الوقت‏.‏

أول من بناها المعتضد في هذه السنة‏.‏

وهو أول من سكنها من الخلفاء إلى آخر دولتهم، وكانت أولاً داراً للحسن

بن سهل تعرف بالقصر الحسني، ثم صارت بعد ذلك لابنته بوران زوجة

المأمون، فعمرتها حتى استنزلها المعتضد عنها فأجابته إلى ذلك، ثم

أصلحت ما وهى منها، ورممت ما كان قد تشعث فيها، وفرشتها بأنواع

الفرش في كل موضع منها ما يليق به من المفارش، وأسكنته ما يليق به

من الجواري والخدم، وأعدت بها المآكل الشهية وما يحسن ادخاره في

ذلك الزمان، ثم أرسلت مفاتيحها إلى المعتضد فلما دخلها هاله ما رأى من

الخيرات، ثم وسعها وزاد فيها وجعل لها سوراً حولها، وكانت قدر مدينة

شيراز، وبنى الميدان ثم بنى فيها قصراً مشرفاً على دجلة، ثم بنى

فيها المكتفي التاج‏.‏

فلما كان أيام المقتدر زاد فيها زيادات أخر كباراً كثيرة جداً، ثم بعد هذا كله

خربت حتى كأن لم يكن موضعها عمارة، وتأخرت آثارها إلى أيام التتار

الذين خربوها وخربوا بغداد وسبوا من كان بها من الحرائر كما سيأتي

بيانه في موضعه من سنة ست وخمسين وستمائة‏.‏

قال الخطيب‏:‏ والذي يشبه أن بوران وهبت دارها للمعتمد

لا للمعتضد، فإنها لم تعش إلى أيامه، وقد تقدمت وفاتها‏.‏

وفيها‏:‏

زلزلت أردبيل ست مرات فتهدمت دورها، ولم يبق منها مائة دار، ومات

تحت الردم مائة ألف وخمسون ألفاً فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وفيها‏:‏

غارت المياه ببلاد الري وطبرستان حتى بيع

الماء كل ثلاثة أرطال بدرهم، وغلت الأسعار هنالك جداً‏.‏

وفيها‏:‏

غزا إسماعيل بن أحمد الساماني ببلاد الترك ففتح مدينة ملكهم، وأسر

امرأته الخانون وأباه ونحواً من عشرة آلاف أسير، وغنم من الدواب

والأمتعة والأموال شيئاً كثيراً، أصاب الفارس ألف درهم‏.‏

وفيها‏:‏

‏ حج بالناس أبو بكر محمد بن هارون بن إسحاق العباسي‏.‏

وفيها توفي من الأعيان‏:‏

أحمد بن سيار بن أيوب الفقيه الشافعي المشهور بالعبادة والزهادة‏.‏

وأحمد بن أبي عمران موسى بن عيسى أبو جعفر البغدادي، كان من أكابر

الحنفية، تفقه على محمد بن سماعة وهو أستاذ أبي جعفر الطحاوي،

وكان ضريراً، سمع الحديث من علي بن الجعد وغيره، وقدم مصر فحدث

بها من حفظه، وتوفي بها في المحرم من هذه السنة، وقد وثقه

ابن يونس في تاريخ مصر‏.‏

وأحمد بن محمد بن عيسى بن الأزهر

القاضي بواسط صاحب المسند، روى عن مسلم بن إبراهيم وأبي سلمة

التبوذكي، وأبي نعيم وأبي الوليد وخلق، وكان ثقة ثبتاً تفقه بأبي سليمان

الجوزجاني صاحب محمد بن الحسن، وقد حكم بالجانب الشرقي من بغداد

في أيام المعتز، فلما كان أيام الموفق طلب منه ومن إسماعيل القاضي أن

يعطياه ما بأيديهما من أموال اليتامى الموقوفة فبادر إلى ذلك إسماعيل

القاضي واستنظره إلى ذلك أبو العباس البرقي هذا، ثم بادر إلى كل من

أنس منه رشداً من اليتامى فدفع إليه ماله، فلما طولب به قال‏:‏ ليس عندي

منه شيء، دفعته إلى أهله، فعزل عن القضاء ولزم بيته وتعبد إلى

أن توفي في ذي الحجة منها‏.‏

وقد رآه بعضهم في المنام وقد دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقام إليه وصافحه وقبل بين عينيه، وقال‏:‏ مرحباً بمن عمل بسنتي وأثري‏.‏

وفيها‏:‏

توفي جعفر بن المعتضد، وكان يسامر أباه‏.‏

وراشد مولى الموفق بمدينة الدينور فحمل إلى بغداد‏.‏

وعثمان بن سعيد الدارمي مصنف الرد على بشر المريسي فيما ابتدعه

من التأويل لمذهب الجهمية وقد ذكرناه في طبقات الشافعية‏.‏

ومسرور الخادم وكان من أكابر الأمراء‏.‏

ومحمد بن إسماعيل الترمذي صاحب التصانيف الحسنة في رمضان منها،

قاله ابن الأثير، وشيخنا الذهبي‏.‏

وهلال بن المعلا المحدث المشهور، وقد وقع لنا من حديثه طرف‏.‏

وسيبويه أستاذ النحاة

وقيل‏:‏ إنه توفي في سنة سبع وسبعين، وقيل‏:‏ ثمان وثمانين، وقيل‏:‏

إحدى وستين، وقيل‏:‏ أربع وسبعين ومائة فالله أعلم‏.‏

وهو أبو بشر عمر بن عثمان بن قنبر مولى بني الحارث بن كعب، وقيل‏:‏

مولى الربيع بن زياد الحارثي البصري‏.‏

ولقب سيبويه لجماله وحمرة وجنتيه حتى كانتا كالتفاحتين‏.‏

وسيبويه في لغة فارس‏:‏ رائحة التفاح‏.‏

وهو الإمام العلامة العلم، شيخ النحاة من لدن زمانه إلى زماننا هذا،

والناس عيال على كتابه المشهور في هذا الفن‏.‏

وقد شرح بشروح كثيرة وقل من يحيط علماً به‏.‏

أخذ سيبويه العلم عن الخليل بن أحمد ولازمه، وكان إذا قدم يقول الخليل‏:‏

مرحباً بزائر لا يمل‏.‏ أخذ أيضاً عن عيسى بن عمر، ويونس بن حبيب

وأبي زيد الأنصاري، وأبي الخطاب الأخفش الكبير وغيرهم، قدم من

البصرة إلى بغداد أيام كان الكسائي يؤدب الأمين بن الرشيد، فجمع بينهما

فتناظرا في شيء من مسائل النحو فانتهى الكلام إلى أن قال الكسائي‏:‏

تقول العرب‏:‏ كنت أظن الزنبور أشد لسعاً من النحلة فإذا هو إياها‏.‏

فقال سيبويه‏:‏ بيني وبين أعرابي لم يشبه شيء من الناس المولد، وكان

الأمين يحب نصرة أستاذه فسأل رجلاً من الأعراب فنطق بما قال سيبويه‏.‏

فكره الأمين ذلك وقال له‏:‏ إن الكسائي يقول خلافك‏.‏ فقال‏:‏ إن لساني

لا يطاوعني على ما يقول‏.‏

فقال‏:‏ أحب أن تحضر وأن تصوب كلام الكسائي، فطاوعه على ذلك

وانفصل المجلس عن قول الأعرابي إذا الكسائي أصاب‏.‏

فحمل سيبويه على نفسه وعرف أنهم تعصبوا عليه ورحل عن بغداد،

فمات ببلاد شيراز في قرية يقال لها‏:‏ البيضاء، وقيل‏:‏ إنه ولد بهذه،

وتوفي بمدينة سارة في هذه السنة، وقيل‏:‏ سنة سبع وسبعين، وقيل‏:‏ ثمان

وثمانين، وقيل‏:‏ إحدى وتسعين، وقيل‏:‏ أربع وتسعين ومائة فالله أعلم‏.‏

وقد ينف على الأربعين، وقيل‏:‏ بل إنما عمر ثنتين وثلاثين سنة فالله أعلم‏.‏

قرأ بعضهم على قبره هذه الأبيات

ذهب الأحبة بعد طول تزاور * ونأى المزار فأسلموك وأقشعوا

تركوك أوحش ما تكون بقفرة * لم يؤنسوك وكربة لم يدفعوا

قضى القضاء وصرت صاحب حفرة * عنك الأحبة أعرضوا وتصدعوا