المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حلقاتنا والتربية على تلاوة القرآن الكريم


حور العين
10-19-2015, 07:36 PM
من:الأخ / أديب سعيد
حلقاتنا والتربية على تلاوة القرآن الكريم
. فايز بن سعيد الزهراني

العدد : 339 ،،،، 2015/08/16

قال ابن رجب رحمه الله:

ومن أعظم ما يُتقرَّب به إلى الله تعالى من

النوافل:كثرة تلاوة القرآن، وسماعه بتفكُّر وتدبُّر وتفهُّم[1].

ليسوا بالعدد القليل: أولئك الذين أتموا حفظ كتاب الله تعالى في الحلقات

القرآنية، أو حفظوا جزءاً كبيراً منه ثم هم لا يواظبون على تلاوته؛ وليس

لهم وِردٌ يومي من كتاب الله ملتزمين به. وإذا كانت هذه حال كثير من

حفظة القرآن

، فما بالك بغيرهم ممن لم يحفظوا القرآن الكريم ! لماذا

يهجر هؤلاء الطيبون الأخيار كتاب الله وهم يحبونه ويدعون إليه

ويدافعون عنه ويتحاكمون إليه؟

لماذا يتحمّس الشاب الطيب الخيّر فينطلق في تلاوة كتاب الله

تعالى ثم ما يلبث أن يتوقف عن التلاوة في أوائل سورة النساء؟

ثم يعيش فترة انقطاع طويلة يملؤها بالندم والتأنيب والتحسر ويُشعِر

نفسه بأنه مشغول عن تلاوة القرآن الكريم؟ ثم هو يمنّيها بأن يعود إلى

التلاوة من جديد؟

لماذا يجد الشاب الطيب الذي أمضى بضع سنوات على الأقل على التحاقه

بالحلقات وقد منَّ الله تعالى عليه بالاستقامة.. لماذا يجد صعوبة في إتمام

ختمة واحدة للقرآن الكريم في شهر رمضان المبارك؟

تساؤلات عدة في هذا الإطار يستحي كثير من الشباب الأخيار أن يسألوها

أنفسهم أو يسألوها معلميهم!!

وهذه المقالة تحاول أن تعالج هذه القضية الخطيرة التي أقضت مضاجع

هؤلاء الفتية الأخيار، والتي ربما أورثتهم إحباطاً في طريق استقامتهم.

صفة قراءة النبي صلى الله عليه وسلم

لخص ابن القيم صفة قراءته صلى الله عليه وسلم.

فأمَّا عن ورده اليومي وملازمته لتلاوة القرآن الكريم فقال: كان له صلى

الله عليه وسلم حزب يقرؤه، ولا يخلُّ به.. وكان يقرأ القرآن قائماً وقاعداً

ومضطجعاً، ومتوضئاً ومحدِثاً، ولم يكن يمنعه من قراءته إلا الجنابة.

وأمَّا عن صفة قراءته صلى الله عليه وسلم للقرآن الكريم فقال :

وكانت قراءته ترتيلاً: لا هذاً ولا عجلة، بل قراءة مفسرة حرفاً حرفاً،

وكان يقطِّع قراءته آية آية. وكان يمدُّ عند حروف المدِّ، فيمدُّ (الرحمن)

ويمد (الرحيم) وكان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في أول قراءته،

فيقول «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» وربما كان يقول:

( اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه )

وكان تعوّذه قبل القراءة.

وكان صلى الله عليه وسلم يتغنى به ، ويرجِّع صوته به أحياناً

كما رجع يوم الفتح في قراءته

{ إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا }

[الفتح: ١]

وحكى عبدالله بن مغفل ترجيعه: آآآ ثلاث مرات[2].

وترجيع الصوت: ترديده في الحلْق. قال ابن حجر: وقد ثبت الترجيع في

غير هذا الموضع، فأخرج الترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجه

وابن أبي داود واللفظ له من حديث أم هانئ

( كنت أسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ

وأنا نائمة على فراشي يرجع القرآن )

. والذي يظهر أنّ في الترجيع قدراً زائداً على الترتيل، فعند ابن أبي داود

من طريق أبي إسحاق عن علقمة قال: «بتُّ مع عبدالله بن مسعود في

داره، فنام ثم قام، فكان يقرأ قراءة الرجل في مسجد حيه: لا يرفع صوته،

ويُسمع من حوله، ويرتِّل ولا يرجِّع»[3].

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يتدبر فيما يقرؤه ويتفكر فيه، كما

ثبت عن حذيفة رضي الله عنه قال:

( صليت مع النبي صىلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة،

فقلت: يركع عند المئة، ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة،

فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح

آل عمران فقرأها يقرأ مترسلاً إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح،

وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذٍ تعوّذ..)[4].

كيف كانت ختمات السلف الصالح؟

قال الإمام النووي رحمه الله في كتابه الماتع «التبيان في آداب حملة

القرآن»: وكان السلف رضي الله عنهم لهم عادات مختلفة في قدر ما

يختمون فيه[5]. ثمّ فصّل رحمه الله تفصيلاً رائعاً، سألخصه في التالي:

منهم من كان يختمه كل شهرين . ومنهم من يختمه كل شهر. ومنهم من

كان يختمه كل عشرة ليال . ومنهم من كان يختمه كل ثمانية ليال .

والأكثرون يختمونه كل سبع ليال كعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت

وأبي بن كعب وعلقمة وإبراهيم النخعي وغيرهم ونقل عن عثمان

بن عفان . ومنهم من كان يختمه كل ست ليال، أو خمس، أو أربع .

وكثيرون يختمونه في ثلاث ليال . ومنهم من كان يختمه في ليلتين .

وكثيرون يختمونه كل يوم وليلة منهم عثمان بن عفان وتميم الداري

وسعيد بن جبير ومجاهد والشافعي .... إلخ[6].

أيّ الختمات أفضل؟

بعد سرده المختصر لأخبار المواظبين على ختم القرآن الكريم تلاوة،

رضي الله عنهم، قال الإمام النووي: والاختيار أن ذلك يختلف باختلاف

الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على

قدر ٍ يحصل له به كمال فهم ما يقرؤه، وكذا من كان مشغولاً بنشر العلم

أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة؛ فليقتصر على قدرٍ

لا يحصل بسببه إخلالٌ بما هو مرصد له، وإن لم يكن من هؤلاء

المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة[7].

إذن.. ليس في المسألة قولاً واحداً بالأفضلية، وإنما حال الإنسان وظرفه

لهما الاعتبار الأقوى بالأفضلية، ولا سيما أنه لم يرد نص صريح بذلك.

وإنما عمِلَ السلفُ الصالح رضي الله عنهم بما أدّاه إليه اجتهادهم والذي

بنوه على نظرتهم لواقعهم الشخصي، فمنهم من يختمه في يوم وليلة،

ومنهم من يختمه في شهرين، ومنهم من يختمه فيما بين ذلك.

وكانوا في رمضان يزيدون من وردهم القرآني.. هذا يدلُّ على أن الحال

والظرف محكمان في هذه المسألة، ولذلك ذكر الإمام النووي عن عثمان

بن عفان رضي الله عنه أنه ختمه في أسبوع في بعض حاله، وختمه

في يوم وليلة في بعضه الآخر.

وللحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى قولٌ تجمُلُ إضافته إلى قول الإمام

النووي؛ في المفاضلة بين الإسراع في قراءة القرآن والتدبر والترسل،

قال رحمه الله:

والتحقيق أنَّ لكلِّ من الإسراع والترتيل جهة أفضل، بشرط أن يكون

المسرع لا يخلُّ بشيء من الحروف والحركات والسكون والواجبات. فلا

يمتنع أنْ يَفْضُلَ أحدُهما الآخرَ، وأنْ يستويا، فإنَّ منْ رتَّل وتأمَّل كمن

تصدَّق بجوهرة واحدة مثمَّنة، ومن أسرع كمن تصدق بعدة جواهر لكن

قيمتها قيمة الواحدة. وقد تكون قيمة الواحدة أكثر من قيمة الأخريات،

وقد يكون بالعكس[8].

التربية على تلاوة القرآن:

مما عرضت آنفاً أريد أن أنفذ إلى القول بأن تربية الطلاب والناشئة عموماً

على تلاوة القرآن الكريم مسألة ينبغي أن يراعَى فيها ما راعاه الإمام

المربي النووي رحمه الله.

الإمام النووي راعى أمرين في هذه المسألة: حال الشخص وظرفه

(بغضّ النظر عن دقائق التفاصيل في الحال والظروف)، وقيَّد الاستكثار

من تلاوة القرآن الكريم بأمرين: الإملال (لأنه سبب للانقطاع) والهذرمة

(لأنه لم تعد في التلاوة فائدة).

فهنا أربعة أمور ينبغي على المربي أن يفطن إليها وهو يستهدف تربية

الطلاب على تلاوة القرآن الكريم: حال القارئ، والظرف، والملل،

والهذرمة، ولا يحسن أن يمضي المربي في حثه على الاستكثار

من التلاوة دون النظر إلى هذه الأمور الأربعة.

وهنا يلاحَظ على بعض المربين حثهم الطلاب على الاستكثار من تلاوة

القرآن مدعِّمين ما يدعون إليه بسيرة أولئك الأفذاذ الذين كانوا يختمون

القرآن في يوم وليلة أو في ركعة واحدة أو كل أسبوع، فيندفع المتربي

نحو الاقتداء بسيرتهم العطرة فيجد نفسه قد اصطدم في صخرة عاتية

تعيقه عن إتمام المسير، فيؤثر عليه سلباً: من حيث شعوره بالإخفاق

وعدم قدرته على الاقتداء بسِير السلف الصالح. ويزداد الأمر إشكالاً حين

يكون المربي ذاته مقصراً في هذا الجانب، فلا توجد لديه الشحنة الكافية

من الإقناع والتأثير على المتربين.

والذي يحسن لفت الانتباه إليه أنه ليس بالضرورة أن يكون أولئك الأفذاذ

من السلف الصالح قد وصلوا في وقت قصير إلى ما وصلوا إليه من

الاستكثار من تلاوة القرآن الكريم إلى درجة الختم في يوم وليلة ونحوه،

فإن النفس البشرية لا تقوى على ذلك إلا بالتدرج في الاستكثار. هذا أمر.

وأمر آخر: إن الأمر المشترك بين من كان يختم في يوم وليلة ومن كان

يختم في شهرين، ومن كان يختم فيما بينهما: الالتزام بالتلاوة وعدم

الانقطاع، وهذا الأمر أبلغ بكثير في الأهمية من مدة ختم القرآن تلاوة.

ذلك لدلالته على تعظيم قدْر القرآن الكريم في النفس وتعظيم الله الذي

أنزل القرآن؛

قال عثمان بن عفان رضي الله عنه:

(و طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام الله، وما أحب أنْ يأتيَ عليَّ يوم

ولا ليلة إلا أنظرُ في كلام الله - يعني المصحف -)[9]

. وقال ابن مسعود رضي الله عنه:

(من أحب أن يحبه الله ورسوله فلينظر: فإن كان يحب القرآن

فهو يحب الله ورسوله)[10].

كما أن الالتزام بالتلاوة له دلالته على تجذّر المراقبة الداخلية في القلب

وكذلك المتابعته الذاتية للواجبات اليومية. إن الالتزام مبدأ شرعي حثَّ

الإسلام عليه أكثرَ مِن حثِّهِ على حجم العمل؛ فعن القاسم بن محمد