المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عندما تكون صاحب القرآن


هيفولا
11-18-2015, 10:57 AM
عندما تكون صاحب القرآن


صاحب القرآن الكريم ، نعتٌ ووصفٌ جميلٌ متى حملته إذا امتثلته،
فما أعظم الوصف وماأكرم الموصوف،

صاحب القرآن:
تأمل صحبتك للقرآن: كيف تظنها ستكون؟
وكم سيكون وقعها عليك؟
وانظر في ذلك أصحاب القرآن الكريم.
هم يتلونه قياما وقعودا وعلى جنوبهم وهو معهم في صدورهم ،
ويتغنون به بألسنتهم (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم)
آل عمران ١٩١
هكذا الصاحب يطيب لك ملازمته.

هم تطمئن به صدورهم، وتأنس به نفوسهم.
وهم به توجل قلوبهم ،وتخشع له جلودهم.
(إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم
وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون)
الأنفال ٢
هكذا الصاحب ينفعك ويؤنسك.

هم يسترشدون به ويستبصرون ،وبآياته يعقلون ويهتدون.
وهكذا الصاحب يرشدك.

متى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت
،و غلبوا على أمرهم ، وجدوا في آياته ما يثبتهم ويصبرهم ويعزيهم
ومتى تشابهت عليهم الأمور، استبانوا بفرقانه الطريق.
هم به يعرفون ربهم وكيف السبيل إليه،
هم كلما تلوه أو تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا.


هم محسنون مخبتون ربانيون متوكلون صابرون ،
ما كان لهم الخيرة من أمرهم ، إذا قضى الله أمرًا،
ولسان حالهم ومقالهم سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.


ولا تظنن أنك تدرك صحبته بعظيم تفريطك ،
وشدة تقصيرك في معاهدته
فعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ؛ إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا,
وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ)خ وم
ولا بد أن يلامس شغاف قلبك وتصدق في حبه
ويظهر ذلك في عملك فتصبح به كالأترجة
وأنت قارئ له مصاحب ،
فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ,
وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ؛ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ,
وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ؛ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ,
وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ) خ.
قال ابن حجر: قوله: (طَعْمهَا طَيِّب وَرِيحهَا طَيِّب)
قِيلَ: خَصَّ صِفَة الْإِيمَان بِالطَّعْمِ, وَصِفَة التِّلَاوَة بِالرِّيحِ؛
لِأَنَّ الْإِيمَان أَلْزَم لِلْمُؤْمِنِ مِن الْقُرْآن؛
إِذْ يُمْكِن حُصُول الْإِيمَان بِدُونِ الْقِرَاءَة, وَكَذَلِكَ الطَّعْم أَلْزَم لِلْجَوْهَرِ مِن الرِّيح؛
فَقَدْ يَذْهَب رِيح الْجَوْهَر وَيَبْقَى طَعْمه.

وقِيلَ: الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص الْأُتْرُجَّة بِالتَّمْثِيلِ دُون غَيْرهَا مِن الْفَاكِهَة
الَّتِي تَجْمَع طِيب الطَّعْم وَالرِّيح كَالتُّفَّاحَة
لِأَنَّهُ يُتَدَاوَى بِقِشْرِهَا وَهُوَ مُفْرِح بِالْخَاصِّيَّةِ,
وَيُسْتَخْرَج مِنْ حَبِّهَا دُهْن لَهُ مَنَافِع.
وَقِيلَ: إِنَّ الْجِنّ لَا تَقْرَب الْبَيْت الَّذِي فِيهِ الْأُتْرُجّ
فَنَاسَبَ أَنْ يُمَثِّلَ بِهِ الْقُرْآن الَّذِي لَا تَقْرَبهُ الشَّيَاطِين,
وَغِلَاف حَبّه أَبْيَض فَيُنَاسِب قَلْب الْمُؤْمِن, وَفِيهَا أَيْضًا مِن الْمَزَايَا كِبْر جُرْمهَا
وَحُسْن مَنْظَرهَا وَتَفْرِيح لَوْنهَا وَلِين مَلْمَسهَا,
وَفِي أَكْلهَا مَعَ الِالْتِذَاذ طِيب نَكْهَة وَدِبَاغ مَعِدَة وَجَوْدَة هَضْمٍ,
وَلَهَا مَنَافِع أُخْرَى

وقال بن بطال:
"معنى هذا الباب أن قراءة الفاجر والمنافق لا ترتفع إلى الله ولا تزكو عنده,
وإنما يزكو عنده ما أريد به وجهه, وكان عن نية التقرب إليه,
وشبهه بالريحانة حين لم ينتفع ببركة القرآن, ولم يفز بحلاوة أجره,
فلم يجاوز الطيب موضع الصوت وهو الحلق,
ولا اتصل بالقلب, وهؤلاء هم الذين يمرقون من الدين"
هكذا يكون الصاحب لصاحبه، صادقًا في وده والتأثر به والعطاء له.
فلا تَدَّعي صحبته وأنت لست صاحبا له بحق،
فالصحبة تتطلب منك أمورا تحققها في نفسك ولأمتك ومع صاحبك ،
صادقا مع ربك ومنتهجًا سنة نبيك ﷺ

وأخيرا أقول اللهم ارزقنا صحبته
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه


أ. د. إبتسام الجابري
أستاذ التفسير وعلوم القرآن الكريم بجامعة أم القرى- مكة المكرمة

هيفولا:o