المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائتين


حور العين
11-18-2015, 07:07 PM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائتين
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله
في ربيع الأول منها

اجتمع جماعة من القواد والجند والأمراء على خلع المقتدر وتولية

عبد الله بن المعتز الخلافة، فأجابهم على أنه لا يُسفك بسببه دم، وكان

المقتدر قد خرج يلعب بالصولجان فقصد إليه الحسين بن حمدان يريد أن

يفتك به، فلما سمع المقتدر الصيحة بادر إلى دار الخلافة فأغلقها دون

الجيش، واجتمع الأمراء والأعيان والقضاة في دار المخرمي، فبايعوا

عبد الله بن المعتز، وخوطب بالخلافة ولقب بالمرتضى بالله‏.‏

وقال الصولي‏:‏ إنما لقبوه المنتصف بالله، واستوزر أبا عبيد الله محمد بن

داود، وبعث إلى المقتدر يأمره بالتحول من دار الخلافة إلى دار ابن طاهر

لينتقل إليها، فأجابه بالسمع والطاعة، فركب الحسين بن حمدان من الغد

إلى دار الخلافة ليتسلمها، فقاتله الخدم ومن فيها، ولم يسلموها إليه،

وهزموه فلم يقدر على تخليص أهله وماله إلا بالجهد‏.‏

ثم ارتحل من فوره إلى الموصل، وتفرق نظام ابن المعتز وجماعته فأراد

ابن المعتز أن يتحول إلى سامرا لينزلها، فلم يتبعه أحد من الأمراء، فدخل

دار ابن الجصاص فاستجار به فأجاره، ووقع النهب في البلد واختبط

الناس وبعث المقتدر إلى أصحاب ابن المعتز فقبض عليهم وقتل أكثرهم

وأعاد ابن الفرات إلى الوزارة، فجدد البيعة إلى المقتدر، وأرسل

إلى دار ابن الجصاص فتسلمها‏.‏

وأحضر ابن المعتز وابن الجصاص فصادر ابن الجصاص بمال جزيل جداً،

نحو ستة عشر ألف ألف درهم ثم أطلقه، واعتقل ابن المعتز، فلما دخل

في ربيع الآخر ليلتان ظهر للناس موته وأخرجت جثته فسلمت إلى أهله

فدفن، وصفح المقتدر عن بقية من سعى في هذه الفتنة حتى لا تفسد

نيات الناس‏.‏

قال ابن الجوزي‏:‏ ولا يعرف خليفة خلع ثم أعيد إلا الأمين والمقتدر‏.‏

وفي يوم السبت لأربع بقين من ربيع الأول

سقط ببغداد ثلج عظيم، حتى اجتمع على الأسطحة منه نحو أربعة أصابع،

وهذا غريب في بغداد جداً، ولم تخرج السنة حتى خرج الناس يستسقون

لأجل تأخر المطر عن إبانة‏.‏

وفي شعبان منها

خلع على مونس الخادم، وأمر بالمسير إلى طرسوس لأجل غزو الروم‏.‏

وفيها‏:‏

أمر المقتدر بأن لا يستخدم أحد من اليهود والنصارى في الدواوين،

وألزموا بلزومهم بيوتهم، وأن يلبسوا المساحي ويضعوا بين أكتافهم

رقاعاً ليعرفوا بها، وألزموا بالذلِّ حيث كانوا‏.‏

وحج بالناس فيها

الفضل ابن عبد الملك الهاشمي، ورجع كثير من الناس

من قلة الماء بالطريق‏.‏

وفيها توفي من الأعيان‏:‏

أحمد بن محمد بن زكريا بن أبي عتاب أبو بكر البغدادي الحافظ،

ويعرف بأخي ميمون‏.‏

روى عن نصر بن علي الجهضمي وغيره، وروى عنه الطبراني، وكان

يمتنع من أن يحدث وإنما يسمع منه في المذاكرة‏.‏

توفي في شوال منها‏.‏

أبو بكر الأثرم

أحمد بن محمد بن هاني الطائي الأثرم تلميذ الإمام أحمد، سمع عفان وأبا

الوليد والقعنبي وأبا نعيم وخلقاً كثيراً، وكان حافظاً صادقاً قوي الذاكرة،

كان ابن معين يقول عنه‏:‏ كان أحد أبويه جنيّاً لسرعة فهمه وحفظه، وله

كتب مصنفة في العلل والناسخ والمنسوخ، وكان من بحور العلم‏.‏

عبد الحميد بن عبد العزيز أبو حاتم القاضي الحنفي، كان من خيار القضاة

وأعيان الفقهاء، ومن أئمة العلماء ورعاً نزهاً كثير الصيانة والديانة

والأمانة، وقد ذكر له ابن الجوزي في المنتظم‏:‏

خلف بن عمرو بن عبد الرحمن بن عيسى

أبو محمد العكبري، سمع الحديث وكان ظريفاً وكان له ثلاثون خاتماً

وثلاثون عكازاً، يلبس في كل يوم من الشهر خاتماً ويأخذ في يده عكازاً،

ثم يستأنف ذلك في الشهر الثاني، وكان له سوط معلق في منزله، فإذا

سئل عن ذلك قال‏:‏ ليرهب العيال منه‏.‏

ابن المعتز الشاعر والخليفة

عبد الله بن المعتز بالله محمد بن المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بالله

محمد بن الرشيد، يكنى أبو العباس الهاشمي العباسي، كان شاعراً مطيقاً

فصيحاً بليغاً مطبقاً، وقريش قادة الناس في الخير ودفع الشر‏.‏

وقد سمع المبرد وثعلباً، وقد روي عنه من الحكم والآداب شيء كثير،

فمن ذلك قوله‏:‏ أنفاس الحي خطايا‏.‏

أهل الدنيا ركب يسار بهم وهو نيام، ربما أورد الطمع ولم يصدر، ربما

شرق شارب الماء قبل ريه، من تجاوز الكفاف لم يغنه الإكثار، كلما عظم

قدر المتنافس فيه عظمت الفجيعة به، من ارتحله الحرص أضناه الطلب‏.‏

وروي انضاه الطلب أي‏:‏ أضعفه، والأول معناه أمرضه‏.‏

الحرص نقص من قدر الإنسان ولا يزيد في حظه شيئاً، أشقى الناس

أقربهم من السلطان، كما أن أقرب الأشياء إلى النار أقربها حريقاً‏.‏

من شارك السلطان في عزِّ الدنيا شاركه في ذلِّ الآخرة، يكفيك

من الحاسد أنه يغتم وقت سرورك‏.‏

الفرصة سريعة الفوت بعيدة العود، الأسرار إذا كثرت خزانها ازدادت

ضياعاً، العزل نصحك من تيه الولاة‏.‏

الجزع أتعب من الصبر، لا تشن وجه العفو بالتقريع، تركة الميت

عزّ للورثة وذلّ له‏.‏

إلى غير ذلك من كلامه وحكمه‏.‏

ومن شعره مما يناسب المعنى قوله‏:‏

بادر إلى مالكٍ ورِّثه * ما المرءُ في الدنيا بلباث

كم جامعٍ يخنق أكياسه * قد صارَفي ميزانِ ميراث

وله أيضاً‏:‏

ياذا الغنى والسطوة القاهرة * والدولة الناهية الآمرة

ويا شياطين بني آدمٍ * ويا عبيدَ الشهوةِ الفاجرة

انتظرو الدنيا وقد أدبرت * وعن قليل تلدُ الآخرة

وله أيضاً‏:‏

ابكِ يانفسُ وهاتي * توبةً قبلَ الممات

قبل أن يفجعنا الده * رُ ببينٍ وشتات

لا تخونيني إذا متُ * وقامت بي نعاتي

إنما الوفي بعهدي * من وفى بعد وفاتي

قال الصولي‏:‏ نظر ابن المعتز في حياة أبيه الخليفة إلى جارية فأعجبته،

فمرض من حبها، فدخل أبوه عليه عائداً فقال له‏:‏ كيف تجدك‏؟‏

فأنشأ يقول‏:‏

أيها العاذلون لا تعذلوني * وانظروا حسنَ وجهها تعذروني

وانظروا هل ترونَ أحسنَ منها * إن رأيتم شبيهها فاعذلوني

قال‏:‏ ففحص الخليفة عن القصة واستعلم خبر الجارية، ثم بعث إلى سيدها

فاشتراها منه بسبعة آلاف دينار، وبعث بها إلى ولده‏.‏

وقد تقدم أن في ربيع الأول من هذه السنة اجتمع الأمراء والقضاة على

خلع المقتدر وتولية عبد الله بن المعتز هذا، ولقب بالمرتضى والمنتصف

بالله، فما مكث بالخلافة إلا يوماً أو بعض يوم، ثم انتصر المقتدر وقتل

غالب من خرج عليه واعتقل ابن المعتز عنده في الدار ووكل به مونس

الخادم فقتل في أوائل ربيع الآخر لليلتين خلتا منه، ويقال‏:‏ إنه أنشد

في آخر يوم من حياته وهو معتل‏:‏

يانفسُ صبراً لعل الخرً عقباكِ * خانتكِ من بعد طولِ الأمن دنياك

مرت بنا سحراً طير فقلتُ لها * طوباكِ ياليتني إياكِ طوباك

إن كانَ قصدك شرقاً فالسلامُ على * شاطي الصراة أبلغي إن كان مسراك

من موثقٍ بالمنايا لا فكاكَ له * يبكي الدماءَ على إلفٍ له باكي

فربَّ آمنة جاءت منيتها * وربَّ مفلتة من بين أشراك

أظنه آخرَ الأيام من عمري * وأوشكَ اليومَ أن يبكيَ لي الباكي ‏

ولما قدم ليقتل أنشأ يقول‏:‏

فقل للشامتينَ بنا رُوَيداً * أمامكمُ المصائبُ والخطوبُ

هو الدهرُ لا بد من أن * يكونَ إليكم منهُ ذنوبُ

ثم كان ظهور قتله لليلتين من ربيع الآخر منها‏.‏

وقد ذكر له ابن خلكان مصنفات كثيرة، منها ‏(‏طبقات الشعراء‏)‏ وكتاب

‏(‏أشعار الملوك‏)‏ وكتاب ‏(‏الآداب‏)‏وكتاب ‏(‏البديع‏)‏، وكتاب في الغناء

وغير ذلك‏.‏

وذكر أن طائفة من الأمراء خلعوا المقتدر وبايعوه بالخلافة يوماً وليلة، ثم

تمزق شمله واختفى في بيت ابن الجصاص الجوهري، ثم ظهر عليه

فقتل، وصودر ابن الجصاص بألفي دينار، وبقي معه ستمائة ألف دينار‏.‏

وكان ابن المعتز أسمر اللون مدور الوجه يخضب بالسواد، عاش خمسين

سنة، وذكر شيئاً من كلامه وأشعاره رحمه الله‏.‏

محمد بن الحسين بن حبيب

أبو حصين الوادعي القاضي، صاحب المسند، من أهالي الكوفة، قدم بغداد

وحدث بها عن أحمد بن يونس اليربوعي ويحيى بن عبد الحميد، وجندل

بن والق، وعنه ابن صاعد والنجاد والمحاملي‏.‏

قال الدارقطني‏:‏ كان ثقة، توفي بالكوفة‏.‏