المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم10.02.1437


حور العين
11-22-2015, 06:53 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
[ المبحث السابع: الرد على الأفكار
الخاطئة حول عقيدة الصحابة والتابعين
في الصفات
المطلب الثاني: شبهة القائلين بأن الصحابة
والتابعين كانوا يفوضون معاني الصفات
والرد عليها ]
وممن زعم هذه الشبهة الشهرستاني؛ حيث يقول: (اعلم أن جماعة كثيرة

من السلف كانوا يثبتون لله تعالى، صفات أزلية من العلم، والقدر, الحياة,

والإرادة, والسمع, والبصر, والكلام, والجلال, والإكرام, والجود, والإنعام,

والعزة, والعظمة, ولا يفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل, بل

يسوقون الكلام سوقاً واحداً, وكذلك يثبتون صفات خبرية، مثل اليدين،

والوجه، ولا يؤولون ذلك، إلا أنهم يقولون: هذه الصفات قد وردت

في الشرع فنسميها صفات خبرية، ولما كان المعتزلة ينفون الصفات,

والسلف يثبتونها سمي السلف صفاتية, والمعتزلة معطلة, فبالغ بعض

السلف في إثبات الصفات إلى حد التشبيه بصفات المحدثات، واقتصر

بعضهم على صفات دلت الأفعال عليها، وما ورد به الخبر،

فافترقوا فرقتين:

فمنهم من أوله على وجه يحتمل ذلك اللفظ, ومنهم من توقف في التأويل،

وقال عرفنا بمقتضى العقل أن الله تعالى ليس كمثله شيء، فلا يشبه شيئاً

من المخلوقات, ولا يشبهه منها شيء, وقطعنا بذلك، إلا أنا لا نعرف معنى

اللفظ الوارد فيها؛ مثل قوله تعالى:

{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }

[ طه:5]
ومثل قوله:
{ خَلَقْتُ بِيَدَيَّ }

[ص:75]،

ومثل قوله:

{ وَجَاء رَبُّكَ }

[الفجر:22]،
إلى غير ذلك, ولسنا مكلفين بمعرفة تفسير هذه الآيات وتأويلها، بل

التكليف قد ورد بالاعتقاد بأنه لا شريك له، وليس كمثله شيء، وذلك قد

أثبتناه يقيناً, ثم إن جماعة من المتأخرين زادوا على ما قله السلف، فقالوا

لا بد من إجرائها على ظاهرها، فوقعوا في التشبيه الصرف؛ وذلك

على خلاف ما اعتقده السلف).

وقال السيوطي:

(وجمهور أهل السنة، منهم السلف، وأهل الحديث على الإيمان بها،

وتفويض معناها المراد منها إلى الله تعالى, ولا نفسرها مع تنزيهنا له

عن حقيقتها)

. ويقول حسن السقاف:

(وبقيت مسألة، ولا شك أن السلف كانوا يفوضون الكيف والمعنى، وهو

المراد بالتفويض عند إطلاقه بلا شك).

هذه بعض أقوال من نسبوا التفويض إلى السلف، رضوان الله عليهم،

حيث يلمح من عبارة الشهرستاني أن السلف تطور مذهبهم من الإثبات

إلى القول بالتأويل أو التفويض، وهذا زعم باطل لا أساس له فإن السلف،

وأولهم الصحابة رضوان الله عليهم مذهبهم الإثبات ما حادوا عنه إلى قول

من الأقوال المبتدعة، وكذلك فعل السيوطي عندما أغفل مذهب السلف

المثبت لمعاني الصفات مع عدم تعرضهم للكيفية.

ويذكر شيخ الإسلام سبب نشوء هذه الشبهة فيقول عن المفوضة:

(هم طائفة من المنتسبين إلى السنة، وأتباع السلف، تعارض عندهم

المعقول والمنقول، فأعرضوا عنها جميعاً بقلوبهم وعقولهم، بعد أن هالهم

ما عليه أصحاب التأويل من تحريف للنصوص، وجناية على الدين، فقالوا

في أسماء الله وصفاته، وما جاء في ذكر الجنة والنار, والوعد والوعيد

إنها نصوص متشابهة لا يعلم معناها إلا الله تعالى وهم طائفتان من حيث

إثبات ظواهر النصوص ونفيها، الأولى تقول: المراد بهذه النصوص

خلاف مدلولها الظاهر، ولا يعرف أحد من الأنبياء, ولا الملائكة,

ولا الصحابة, ولا أحد من الأمة، ما أراد الله بها، كما لا يعلمون

وقت الساعة.

الثانية تقول: بل تجري على ظاهرها، وتحمل عليه، ومع هذا، فلا يعلم

تأويلها إلا الله تعالى فتناقضوا؛ حيث أثبتوا لها تأويلاً يخالف ظاهرها،

وقالوا، مع هذا بأنها تحمل على ظاهرها.

وهم أيضاً طائفتان؛ من حيث علم الرسول صلى الله عليه وسلم بمعاني

النصوص الأولى تقول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم معاني

النصوص المتشابهة، لكنه لم يبين للناس المراد منها، ولا أوضحه

إيضاحاً يقطع النزاع، وهذا هو المشهور عنهم، والثانية تقول:

وهم الأكابر منهم، أن معاني هذه النصوص المتشابهة لا يعلمها إلا الله،

لا الرسول، ولا جبريل، ولا أحد من الصحابة، والتابعين, وعلماء الأمة،

وعند الطائفتين أن هذه النصوص إنما أنزلت للابتلاء، والمقصود منها

تحصيل الثواب بتلاوتها، وقراءتها، من غير فقه، ولا فهم) .

وقد اشتبه على بعض المعاصرين قول بعض السلف (أمرّوها كما جاءت)

فظنوا أن هذا القول موافق لمذهب القائلين بالتفويض ويبطل شيخ

الإسلام هذه الدعوى، فيقول: (والمقصود هنا التنبيه، على أصول المقالات

الفاسدة التي أوجبت الضلالة في باب العلم، والإيمان بما جاء به الرسول

صلى الله عليه وسلم وأن من جعل الرسول غير عالم بمعاني القرآن الذي

أنزل إليه، ولا جبريل جعله غير عالم بالسمعيات، ولم يجعل القرآن هدى،

ولا بياناً للناس, وهم مخطئون فيما نسبوا إلى الرسول صلى الله عليه

وسلم, وإلى السلف من الجهل كما أخطأ في ذلك أهل التحريف

والتأويلات الفاسدة، وسائر أصناف الملاحدة).

ثم ذكر قول الأوزاعي:

(كنا والتابعون متوافرون، نقول إن الله تعالى ذكره، فوق عرشه،

ونؤمن بما وردت فيه السنة من صفاته)

ونسب للأوزاعي, ومكحول, والزهري، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري،

والليث بن سعد قولهم عن الأخبار التي جاءت في الصفات, فقالوا: أمرّوها

كما جاءت بلا كيف ، فقولهم رضي الله عنهم: (أمروها كما جاءت) رداً

على المعطلة، وقولهم: بلا كيف رداً على الممثلة، وكان مالك بن أنس

إذا ذكر عنده من يدفع أحاديث الصفات يقول: (قال عمر بن عبدالعزيز:

سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سنناً، الأخذ بها

تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد

من خلق الله تغييرها، ولا النظر في شيء خالفها, من اهتدى بها فهو

مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور, ومن خالفها واتبع غير سبيل

المؤمنين، ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً) .

وعندما سئل مالك بن أنس، عن الاستواء أثبت المعنى، وترك القول

بالكيفية، فقد جاءه رجل، فقال: يا أبا عبدالله,

{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }

[طه:5]
كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء

غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه

بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً، ثم أمر به أن يخرج ، فقول مالك وربيعة

موافق لقول الباقين أمرّوها كما جاءت بلا كيف، فإنما نفوا علم الكيفية،

ولم ينفوا حقيقة الصفة، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير

فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً بل

مجهولاً بمنزلة حروف المعجم، وأيضاً فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية

إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية, إذا أثبت

الصفات، وأيضاً فقولهم: أمروها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على

ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظ دالة على معاني، فلو كانت دلالتها منتفية،

لكان الواجب أن يقال: أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير

المراد, أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة,

وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت, ولا يقال حينئذ بلا كيف، إذ نفي

الكيف عما ليس بثابت لغو من القول .

وقال أبو الفضل إسحاق بن أحمد بن غانم العلثي (ت634هـ) في رسالة

إلى عبد الرحمن بن الجوزي ينكر عليه أشياء، ومن جملتها التأويل،

وزعمه أن جماعة من السلف فوضوا معنى الصفات، قال: (ثم تعرضت

لصفات الخالق تعالى كأنها صدرت لا من صدر سكن فيه احتشام العلي

العظيم، ولا أملاها قلب مليء بالهيبة والتعظيم، وزعمت أن طائفة من

أهل السنة الأخيار تلقوها، وما فهموا وحاشاهم من ذلك بل كفوا عن

الثرثرة، والتشدق، ولا عجزاً بحمد الله عن الجدال والخصام, ولا جهلاً

بطرق الكلام, وإنما أمسكوا عن الخوض في ذلك عن علم ودراية لا عن

جهل وعماية).

ويرى شيخ الإسلام أن القول بالتفويض يفضي إلى (القدح في الرب

جلا وعلا وفي القرآن الكريم، وفي الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك

بأن يكن الله تعالى أنزل كلاماً لا يفهم, وأمر بتدبر ما لا يتدبر, وبعقل ما

لا يعقل, وأن يكون القرآن الذي هو النور المبين والذكر الحكيم سبب

لأنواع الاختلافات، والضلالات، بل يكون بينهم، وكأنه بغير لغتهم، وأن

يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ البلاغ المبين، ولا بين للناس

ما نزل إليهم، وبهذا يكون قد فسدت الرسالة، وبطلت الحجة، وهو الذي

لم يتجرأ عليه صناديد الكفر).

وهكذا تبدو لنا خطورة القول بالتفويض الذي رده علماء السلف، وجعلوه

بدعة تقابل بدعة التأويل، وأن القول به هو إزراء بمقام النبوة، ومقام

الصحابة، وسلف الأمة جمعاء؛ فهموا مراد ربهم، وعبدوه العبادة الحقة،

وآمنوا بأسمائه، وصفاته كما جاءت في الكتاب والسنة، وهم فوق جميع

أهل العقول، والأفهام لا يدانيهم في هذه المكانة أحد على الإطلاق كما قال

الإمام الشافعي، رحمه الله، (إنهم فوقنا في كل عقل, وعلم، وفضل، وسبب

ينال به علم, أو يدرك به صواب، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا)

أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين