المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درس اليوم 06.04.1437


حور العين
01-16-2016, 02:07 PM
من:إدارة بيت عطاء الخير
درس اليوم
[ الآثار الإيمانية لاسم الله الحكم –الحكيم ]

1) أن الحكم لله وحده لا شريك له في حكمه، كما لا شريك له في عبادته،

قال تعالى

{ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا }

[الكهف: 26]

وقال

{ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا

وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا.}

وقال سبحانه

{ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ }

[الأنعام: 57].

وقال جل شأنه

{ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

[القصص: 70].

وقال

{ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }

[الأنعام: 62].

وقال

{ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ }

[الشورى: 10].

وقال ابن الحصار: وقد تضمن هذا الاسم (يعني –الحكم-) جميع الصفات
العلى والأسماء الحسنى، إذ لا يكون حكماً إلا سميعاً بصيراً عالماً خبيراً
إلى غير ذلك، فهو سبحانه الحكم بين العباد في الدنيا والآخرة في الظاهر
والباطن، وفيما شرع من شرعه، وحكم من حكمه وقضاياه على خلقه
قولاً وفعلاً، وليس ذلك لغير الله تعالى، ولذلك قال وقوله الحق:

{ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

[القصص: 70].

وقال:

{ الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ }

[هود: 1].

فلم يزل حكيماً قبل أن يحكم، ولا ينبغي ذلك لغيره.

قال الشنقيطي رحمه الله تعالى:

وبذلك تعلم أن الحلال هو ما أحله الله، والحرام هو ما حرمه الله، والدين
هو ما شرعه الله، فكل تشريع من غيره باطل، والعمل به بدل تشريع الله
عند من يعتقد أنه مثله أو خير منه، كفر بواح لا نزاع فيه. اهـ .

ثم بين رحمه الله أن الله سبحانه بصفاته العظيمة يستحق أن يكون له
الحكم، فهل يوجد في البشر من له مثل صفات خالقه ليشارك ربه
في الحكم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً!

فتعال معي أخي القارئ لنطلع على ما سطره في هذه المسألة
في كتابه القيم (أضواء البيان)، قال رحمه الله:
مسألة
اعلم أن الله جل وعلا بين في آيات كثيرة، صفات من يستحق أن يكون
الحكم له، فعلى كل عاقل أن يتأمل الصفات المذكورة، التي سنوضحها
الآن إن شاء الله، ويقابلها مع صفات البشر المشرعين للقوانين الوضعية،
فينظر هل تنطبق عليهم صفات من له التشريع.

سبحان الله وتعالى عن ذلك. فإن كانت تنطبق عليهم ولن تكون،
ليتبع تشريعهم.

وإن ظهر يقيناً أنهم أحقر وأخس وأذل وأصغر من ذلك، فليقف
بهم عند حدهم، ولا يجاوزه بهم إلى مقام الربوبية.

سبحانه وتعالى أن يكون له شريك في عبادته، أو حكمه أو ملكه.
فمن الآيات القرآنية التي أوضح بها تعالى صفات من له الحكم والتشريع
قوله هنا: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ، ثم قال مبيناً صفات
من له الحكم

{ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ

جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ

وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

[الشورى: 10 – 12].

فهل في الكفرة الفجرة المشرعين للنظم الشيطانية، من يستحق أن
يوصف بأنه الرب الذي تفوض إليه الأمور، ويتوكل عليه، وأنه فاطر
السماوات والأرض أي خالقهما ومخترعهما، على غير مثال سابق، وأنه
هو الذي خلق للبشر أزواجاً، وخلق لهم أزواج الأنعام الثمانية المذكورة
في قوله تعالى:

{ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ }

اثْنَيْنِ الآية،وأنه

{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }

وأنه

{ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } ،

وأنه هو الذي

{ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ }

أي يضيقه على من يشاء

{ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

فعليكم أيها المسلمون أن تتفهموا صفات من يستحق أن يشرع ويحلل
ويحرم، ولا تقبلوا تشريعاً من كافر خسيس حقير جاهل.

ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى

{ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ

بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }

[النساء: 59]،

فقوله فيها

{ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ }

كقوله في هذه

{ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ }

ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى

{ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ

مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا }

[ الكهف: 26].

فهل في الكفرة الفجرة المشرعين من يستحق أن يوصف بأن له غيب
السماوات والأرض؟ وأن يبالغ في سمعه وبصره لإحاطة سمعه بكل
المسموعات وبصره بكل المبصرات؟ وأنه ليس لأحد دونه من ولي؟
سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً؟

ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى

{ لا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ

لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

[القصص: 88].

فهل في الكفرة الفجرة المشرعين من يستحق أن يوصف بأن له غيب
السماوات والأرض؟ وأن يبالغ في سمعه وبصره لإحاطة سمعه بكل
المسموعات وبصره بكل المبصرات؟ وأنه ليس لأحد دونه من ولي؟
سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً؟

سبحانك ربنا وتعاليت عن كل ما لا يليق بكمالك وجلالك.
ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى

{ وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ

وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى

يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ

إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ

يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ

وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

[القصص: 70-73].

فهل في مشرعي القوانين الوضعية، من يستحق أن يوصف بأن له الحمد
في الأولى والآخرة، وأنه هو الذي يصرف الليل والنهار مبينا بذلك كمال
قدرته، وعظمة إنعامه على خلقه.

سبحان خالق السماوات والأرض، جل وعلا أن يكون له شريك
في حكمه أو عبادته، أو ملكه.

ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى

{ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ

وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

[يوسف: 40].

فهل في أولئك من يستحق أن يوصف بأنه هو الإله المعبود وحده،
وأن عبادته وحده هي الدين القيم. اهـ باختصار.

2) الله سبحانه يحكم ما يريد، وما يشاء هو وحده لا شريك له.
قال سبحانه

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ

إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ

إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}

[المائدة: 1].

فالله سبحانه يقضي في خلقه ما يشاء من تحليل ما أراد تحليله، وتحريم
ما أراد تحريمه، وإيجاب ما شاء إيجابه عليهم، وغير ذلك من أحكامه
وقضاياه. وله الحكمة البالغة في ذلك كله.

وليس لأحد أن يراجع الله في حكمه، كما يراجع الناس بعضهم البعض
في أحكامهم، قال تعالى

{ وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }

[الرعد: 41]

، فحكمه في الخلق نافذ، ليس لأحد أن يرده أو يبطله.

3) كلام الله حكيم ومحكم، وكيف لا يكون بهذه الصفة

وهو كلام أحكم الحاكمين ورب العالمين.

وقد وصف الله القرآن العظيم (وهو كلامه المنزل على محمد صلى الله
عليه وسلم) بأنه حكيم ومحكم في ثمان آيات منها قوله تعالى

{ الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ }

[هود: 1].

وقوله

{ الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ }

[لقمان: 1-2].

وقوله

{ يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ }

[يس: 1-2].

وقوله

{ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ

فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ... }

الآية [محمد: 20].

وحكمة الله تقتضي ذلك، تقتضي أن يكون القرآن حكيماً ومحكماً، لأنه
الكتاب الذي ليس بعده كتاب، ولأنه الكتاب الذي أنزله الله ليكون تشريعاً
عاماً لكل مجتمع بشري ولكل فرد من أفراده، حتى يرث الله الأرض
ومن عليها.

فالقرآن حكيم في أسلوبه الرائع الجذاب، وحكيم في هدايته ورحمته،
وحكيم في إيضاحه وبيانه، وحكيم في تشريعاته وحكيم في كل أحكامه،
وحكيم في أمره ونهيه، وحكيم في ترغيبه وترهيبه، وحكيم في وعده
ووعيده، وحكيم في أقاصيصه وأخباره، وحكيم في أقسامه وأمثال، وحكيم
في كل ما اشتمل عليه، بل هو فوق ذلك وأعظم من ذلك.

والقرآن أيضاً محكم فلا حشو فيه، ولا نقص ولا عيب كما يكون في كلام
البشر، الله أكبر ما أعظم هذا القرآن، لقد بلغ الغاية في البهاء
والجمال والكمال .

4) والإيمان بما سبق يقتضي تحكيم كتاب الله جل شأنه بيننا،
لأنه لا يوجد كتاب مثل القرآن حكيماً في كل شيء.

لأن ما شرعه الله سبحانه لعباده من الأحكام والمعاملات والقصاص
والحدود وتقسيم المواريث وما يتعلق بالأحوال الشخصية في القرآن
الكريم هي في منتهى الحكمة، لأنها تشريع الحكيم العليم سبحانه، الذي
لا يدخل حكمه خلل ولا زلل، ولأنها قضاء من لا يخفى عليه مواضع
المصلحة في البدء والعاقبة.

وقد نبه الله سبحانه عباده لهذا بقوله

{ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

[المائدة: 50]،

وقوله

{ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

[الممتحنة: 10]

وقوله

{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ }

[التين: 8].

ولذا فإنك تجد آيات الأحكام كثيراً ما تشتمل خواتيمها على اسمه
(الحكيم)، ومن الأمثلة على ذلك:

قوله

{ يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ }

إلى قوله

{ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا }

[النساء: 11].

وقوله

{ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ }

إلى قوله

{ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا }

[النساء: 24].

وقوله في القتل الخطأ

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا }

إلى قوله

{ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }

[النساء: 92]

وقوله

{ وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا }

[النساء: 130].

وقوله

{ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }

[التحريم: 2]

وغيرها من الآيات.

5) وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يحكم بين الناس بما أنزل
إليه من الأحكام الربانية، وأن يترك ما سواها من الآراء والأهواء،
قال تعالى

{ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ }

[المائدة: 48].

قال تعالى

{ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ }

[المائدة: 49].

ولم يكن هذا الأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم خاصة، وإنما هو ما أمرت
به جميع الرسل من قبله، يبين هذا قوله تعالى

{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ

وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ }

[البقرة: 213].

وقوله

{ إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ

الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ }

[المائدة: 44].

والمؤمنون يرضون بحكم الله، قال سبحانه

{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ

لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا }

[النور: 51].

أما من لم يرض بذلك وترك تشريع الحكيم العليم، وأخذ بآرائه وما يمليه
عليه عقله من أفكار، أو اتبع أهواءه وما تشتهيه نفسه، فقد وقع
في هاوية الكفر أو الظلم أو الفسق التي حكم الله بها عليه.
قال سبحانه

{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }

[المائدة: 44].

وقال

{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }

[المائدة: 45].

وقال

{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }

[المائدة: 47].

6) الله سبحانه يؤتي حكمته من يشاء:

كما قال عن نفسه جل ثناؤه

{ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا }

[البقرة: 269].

وقد تنوعت عبارات المفسرين في تأويل قوله تعالى يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فمنهم
من قال هي الإصابة في القول والفعل، وقيل: هي الفقه في القرآن والفهم
فيه. وقال بعضهم: هي الفهم والعقل في الدين والأتباع له. وقال آخرون:
هي النبوة. وقيل هي: الخشية لله.

قال ابن جرير جامعاً بين الأقوال السابقة: وقد بينا فيما مضى معنى
الحكمة وأنها مأخوذة من الحكم وفصل القضاء، وأنها الإصابة
بما دل على صحته، فأغنى عن تكريره في هذا الموضع.

فإذا كان ذلك كذلك معناه، كان جميع الأقوال التي قالها القائلون الذين
ذكرنا قولهم في ذلك، داخلاً فيما قلنا من ذلك، لأن الإصابة في الأمور،
إنما تكون عن فهم بها وعلم ومعرفة، وإذا كان ذلك كذلك، كان المصيب
عن فهم منه بمواضع الصواب في أموره، فهو خاشياً لله عالماً، وكانت
النبوة من أقسامه لأن الأنبياء مسددون مفهمون وموفقون لإصابة
الصواب في الأمور، والنبوة بعض معاني الحكمة.

فتأويل الكلام: يؤتي الله إصابة الصواب في القول والفعل من يشاء،
ومن يؤته الله ذلك فقد أتاه خيراً كثيراً. اهـ.

7) وقد جاء في الحديث ما يدل على أنه من أوتي الحكمة ينبغي أن يغبط
لعظم هذه النعمة عليه وهو قوله صلى الله عليه وسلم

( لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته

في الحق، وآخر آتاه الله حكمه فهو يقضي بها ويعلمها ).

وقد ذكر الله في كتابه بعض الذين آتاهم الحكمة وأكثرهم من الأنبياء
فامتن على محمد صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله

{ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ

وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا }

[النساء: 113].

وعلى آل إبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين

{ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا }

[النساء: 54].

وعلى عيسى عليه السلام

{ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ }

[المائدة: 110].

وعلى داود عليه السلام

{ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء }

[البقرة: 251].

وعلى لقمان العبد الصالح

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ }

[لقمان: 12].

والله سبحانه أعلم حيث يجعل حكمته.

8) خلق الله سبحانه محكم لا خلل فيه ولا قصور. قال تعالى

{ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ }

[النمل: 88].

وقال

{ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ

مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ }

[تبارك: 3].

أي خلقهن طبقة بعد طبقة مستويات ليس فيها اختلاف ولا تنافر ولا نقص
ولا عيب، ولهذا قال تعالى فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ أي انظر إلى
السماء فتأملها هل ترى فيها عيباً أو نقصاً أو خللاً أو فطوراً وشقوقاً، ثم
قال تعالى

{ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ }

أي مهما كررت البصر مرتين أو أكثر لرجع إليك البصر خاسئاً عن
أن يرى عيباً أو خللاً، وهو حسير أي كليل قد انقطع من الإعياء من كثرة
التكرر ولا يرى نقصاً .

قال الخطابي: ومعنى الإحكام لخلق الأشياء، إنما ينصرف إلى إتقان
التدبير فيها، وحسن التقدير لها، إذ ليس كل الخليقة موصوفاً بوثاقة
البنية، وشدة الأسر كالبقة، والنملة، وما أشبههما من ضعاف الخلق،
إلا أن التدبير فيهما، والدلالة بها على كون الصانع وإثباته، ليس بدون
الدلالة عليه بخلق السماوات والأرض والجبال وسائر معاظم الخليقة،
وكذلك هذا في قوله جل وعز

{ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ }

[السجدة: 7]

، لم تقع الإشارة به إلى الحسن الرائق في المنظر، فإن هذا المعنى معدوم
في القرد والخنزير والدب، وأشكالها من الحيوان، وإنما ينصرف المعنى
فيه إلى حسن التدبير في إنشاء كل شيء من خلقه على ما أحب أن ينشئه
عليه وإبرازه على الهيئة التي أراد أن يهيئه عليها، كقوله تعالى

{ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا }

[الفرقان: 2] اهـ .

9) إن الله سبحانه خلق الخلق لحكمة عظيمة، وغاية جليلة، وهي عبادته

تبارك وتعالى حيث قال

{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ

وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }

[الذاريات: 56-58]

ولم يخلقهم عبثاً وباطلاً كما يظن الكفار والملاحدة، قال تعالى

{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً

ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ }

[ص: 27].

وقال سبحانه

{ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى }

[الأحقاف: 3].

وقال عز من قائل

{ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ

فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ }

[المؤمنون: 115].

وجعل يوم القيامة موعدا لهم، يرجعون إليه ليجزي الذين أساءوا بما
عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.

10) كراهة التكني بأبي الحكم:
فعن هانئ بن يزيد أنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع
قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال:

( إن الله هو الحكم، وإليه الحكم، فلم تكنى أبا الحكم؟ فقال:

إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرض

كلا الفريقين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحسن هذا.

فما لك من الولد؟ قال: لي شريح ومسلم وعبد الله. قال: فمن

أكبرهم؟ قلت: شريح. قال: فأنت أبو شريح ) .

فتغيير النبي صلى الله عليه وسلم لكنية الصحابي دليل على كراهته التكني
بهذا الاسم أو التسمي به. قال ابن الأثير: وإنما كره له ذلك لئلا يشارك
الله تعالى في صفته

أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك

على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين