المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ممن توفي سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة


حور العين
01-26-2016, 01:01 PM
من:الأخ / مصطفى آل حمد
ممن توفي سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة
من كتاب البداية و النهاية لابن كثير يرحمه الله

وممن توفي من الأعيان‏:‏

عمر بن الحسين

صاحب ‏(‏المختصر في الفقه‏)‏ على مذهب الإمام أحمد، وقد شرحه القاضي

أبو يعلى بن الفراء والشيخ موفق الدين بن قدامة المقدسي، وقد كان

الخرقي هذا من سادات الفقهاء والعباد، كثير الفضائل والعبادة، خرج من

بغداد مهاجراً لما كثر بها الشر والسب للصحابة، وأودع كتبه في بغداد

فاحترقت الدار التي كانت فيها الكتب، وعدمت مصنفاته، وقصد دمشق

فأقام بها حتى مات في هذه السنة، وقبره بباب الصغير يزار قريباً من

قبور الشهداء‏.‏ ‏

وذكر في مختصره هذا في الحج‏:‏ ويأتي الحجر الأسود ويقبله إن كان

هناك، وإنما قال ذلك لأن تصنيفه لهذا الكتاب كان والحجر الأسود قد

أخذته القرامطة وهو في أيديهم في سنة سبع عشرة وثلاثمائة كما تقدم

ذلك، ولم يرد إلى مكانه إلا سنة سبع وثلاثين كما سيأتي بيانه

في موضعه‏.‏

قال الخطيب البغدادي‏:‏ قال لي القاضي أبو يعلى‏:‏ كان للخرقي مصنفات

كثيرة وتخريجات على المذهب لم تظهر لأنه خرج من مدينته لما ظهر بها

سب الصحابة، وأودع كتبه فاحترقت الدار التي هي فيها فاحترقت الكتب

ولم تكن قد انتشرت لبعده عن البلد‏.‏

ثم روى الخطيب من طريقه عن أبي الفضل عبد السميع عن الفتح بن

شخرف عن الخرقي قال‏:‏ رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في

المنام فقال لي‏:‏ ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء ‏!‏‏!‏

قال‏:‏ قلت زدني يا أمير المؤمنين‏.‏

قال‏:‏ وأحسن من ذلك تيه الفقراء على الأغنياء‏.‏

قال‏:‏ ورفع له كفه فإذا فيها مكتوب‏:‏

قد كنت ميتاً فصرت حياً * وعن قريب تعود ميتا

فابن بدار البقاء بيتاً * ودع بدار الفناء بيتا

قال ابن بطة‏:‏ مات الخرقي بدمشق سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة،
وزرت قبره رحمه الله‏.‏

محمد بن عيسى

أبو عبد الله بن موسى الفقيه الحنفي، أحد أئمة العراقيين في زمانه،

وقد ولى القضاء ببغداد للمتقي ثم للمستكفي، وكان ثقة فاضلاً، كبست

اللصوص داره يظنون أنه ذو مال، فضربه بعضهم ضربة أثخنته، فألقى

نفسه من شدة الفزع إلى الأرض فمات رحمه الله تعالى في ربيع الأول

من هذه السنة‏.‏

محمد بن محمد بن عبد الله

أبو الفضل السلمي الوزير الفقيه المحدث الشاعر، سمع الكثير وجمع

وصنف، وكان يصوم الاثنين والخميس، ولا يدع صلاة الليل والتصنيف،

وكان يسأل الله تعالى الشهادة كثيراً‏.‏

فولي الوزارة للسلطان فقصده الأجناد فطالبوه بأرزاقهم، واجتمع منهم

ببابه خلق كثير، فاستدعى بحلاق فحلق رأسه، وتنور وتطيب ولبس كفنه

وقام يصلي، فدخلوا عليه فقتلوه وهو ساجد، رحمه الله، في ربيع الآخر

من هذه السنة‏.‏

الأخشيد محمد بن عبد الله بن طغج

أبو بكر الملقب بالأخشيد ومعناه ملك الملوك، لقبه بذلك الراضي لأنه كان

ملك فرغانة، وكل من ملكها كان يسمى الأخشيد، كما أن من ملك

اشروسية يسمى الآفشين‏.‏

ومن ملك خوارزم يسمى خوارزم شاه، ومن ملك جرجان يسمى صول،

ومن ملك أذربيجان يسمى أصبهبذ، ومن ملك طبرستان يسمى أرسلان‏.‏

قاله ابن الجوزي في ‏(‏منتظمه‏)‏‏.‏

قال السهيلي‏:‏ وكانت العرب تسمي من ملك الشام مع الجزيرة كافراً

قيصر، ومن ملك فارس كسرى، ومن ملك اليمن تبع، ومن ملك الحبشة

النجاشي، ومن ملك الهند بطليموس، ومن ملك مصر فرعون، ومن ملك

الإسكندرية المقوقس، وذكر غير ذلك‏.‏

توفي بدمشق ونقل إلى بيت المقدس فدفن هناك رحمه الله‏.‏

أبو بكر الشبلي

أحد مشايخ الصوفية، اختلفوا في اسمه على أقوال فقيل‏:‏ دلف بن جعفر،

ويقال‏:‏ دلف بن جحدر، وقيل‏:‏ جعفر بن يونس، أصله من قرية يقال لها‏:‏

شبلة من بلاد أُشروسنة من خراسان، وولد بسامرا، وكان أبوه حاجب

الحجاب للموفق، وكان خاله نائب الإسكندرية، وكانت توبة الشبلي على

يدي خير النساج، سمعه يعظ فوقع في قلبه كلامه فتاب من فوره، ثم

صحب الفقراء ولمشايخ، ثم صار من أئمة القوم‏.‏

قال الجنيد‏:‏ الشبلي تاج هؤلاء‏.‏

وقال الخطيب‏:‏ أخبرنا أبو الحسن علي بن محمود الزوزني قال‏:‏ سمعت

علي بن المثنى التميمي يقول‏:‏ دخلت يوماً على الشبلي في داره

وهو يهيج ويقول‏:‏

علي بعدك لا يصبر * من عادته القرب

ولا يقوى على هجرك * من تيّمه الحب

فإن لم ترك العين * فقد يبصرك القلب

وقد ذكر له أحوال وكرامات، وقد ذكرنا أنه كان ممن اشتبه عليه أمر

الحلاج فيما نسب إليه من الأقوال من غير تأمل لما فيها، مما كان الحلاج

يحاوله من الإلحاد والاتحاد، ولما حضرته الوفاة قال لخادمه‏:‏ قد كان عليّ

درهم مظلمة فتصدقت عن صاحبه بألوف، ومع هذا ما على قلبي شغل

أعظم منه‏.‏

ثم أمره بأن يوضئه فوضأه وترك تخليل لحيته، فرفع الشبلي يده

- وقد كان اعتقل لسانه - فجعل يخلل لحيته‏.‏

وذكره ابن خلكان في ‏(‏الوفيات‏)‏، وحكى عنه أنه دخل يوماً على الجنيد

فوقف بين يديه وصفق بيديه وأنشد‏:‏

عودوني الوصال والوصل عذب * ورموني بالصد والصد صعب

زعموا حين اعتبوا أن جرمي * فرط حبي لهم وما ذاك ذنب

لا وحق الخضوع عند التلاقي * ما جزاء من يحب إلا يحب

وذكر عنه قال‏:‏ رأيت مجنوناً على باب جامع الرصافة يوم جمعة عرياناً

وهو يقول‏:‏ أنا مجنون الله، فقلت‏:‏ ألا تستتر وتدخل إلى الجامع فتصلى

الجمعة‏.‏

فقال‏:‏

يقولون زرنا واقض واجب حقنا * وقد أسقطت حالي حقوقهم عني

إذا أبصروا حالي ولم يأنفوا لها * ولم يأنفوا مني أنفت لهم مني

وذكر الخطيب في‏(‏تاريخه‏)‏ عنه أنه انشد لنفسه فقال‏:‏ مضتِ الشبيبة

والحبيبة فانبرى * دمعان في الأجفان يزدحمان

ما أنصفتني الحادثات رمينني * بمودعين وليس لي قلبان

كانت وفاته رحمه الله تعالى ليلة الجمعة لليلتين بقيتا من هذه السنة، وله

سبع وثمانون سنة، ودفن في مقبرة الخيزران ببغداد والله أعلم‏.‏